قضايا وآراء

الاقتصاد المصري بين الأزمة والعلاج

أشرف دوابة
"مصر ليست دولة فقيرة بل دولة متنوعة الموارد"- جيتي
"مصر ليست دولة فقيرة بل دولة متنوعة الموارد"- جيتي
يعيش الاقتصاد المصري أزمة عميقة ليست وليدة اليوم، بل هي تراكمات بعضها فوق بعض منذ الانقلاب على أول رئيس مصري منتخب، الدكتور محمد مرسي رحمه الله، وانسداد الأفق السياسي، واتجاه السياسة الاقتصادية نحو التركيز على الديون وتوجيهها إلى إقامة مشروعات باهظة التكاليف قليلة العوائد؛ كما حدث في مشروع تفريعة قناة السويس ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة وغيرهما.

فبدلا من تضييق الخناق على اللجوء للديون، أو اللجوء إليها في حال توجيهها لمشروعات لها القدرة على تحقيق عائد يفوق تكاليفها وتعزيز الصادرات وتشغيل العمالة، تم استخدام هذه الديون بصورة لا تتفق والمسلّمات الاقتصادية، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي في قرضين لم يكتمل صرف الأخير منهما.

وقد شهد سعر صرف الجنيه خلال الفترة القلية الماضية انهيارا، حيث سجل مستويات قياسية في السوق الموازية، فتعدى سعر تداول الدولار فيها إلى أكثر من 72 جنيها، بفارق أكثر من 130 في المئة
كل هذا نتيجة طبيعية لتلك السياسة الاقتصادية التي جعلت كل هدفها التوريط والتجريف والتخدير، من خلال توريط الجيل الحالي والأجيال المستقبلية في ديون لا قبل لهم بها، وتجريف الأصول ببيعها أو بمعنى آخر بحرقها لترقيع سداد الديون، ودون مراعاة ما يمس الأمن القومي المصري نتيجة طبيعة الطرف المشتري الذي يصب في نهاية المطاف في حِجر الكيان الصهيوني، فضلا عن تخدير الناس بجنة المشروعات التي ثبت للجميع أن عائدها سراب وتكاليفها عناء
عن سعره الرسمي. ولم يختلف الحال كثيرا في سعره بالنسبة للعقود الآجلة غير القابلة للتسليم لأجل 12 شهرا في الأسواق الدولية، وكذلك في تسعير شهادات الإيداع الدولية.

وكل هذا نتيجة طبيعية لتلك السياسة الاقتصادية التي جعلت كل هدفها التوريط والتجريف والتخدير، من خلال توريط الجيل الحالي والأجيال المستقبلية في ديون لا قبل لهم بها، وتجريف الأصول ببيعها أو بمعنى آخر بحرقها لترقيع سداد الديون، ودون مراعاة ما يمس الأمن القومي المصري نتيجة طبيعة الطرف المشتري الذي يصب في نهاية المطاف في حِجر الكيان الصهيوني، فضلا عن تخدير الناس بجنة المشروعات التي ثبت للجميع أن عائدها سراب وتكاليفها عناء.

وما زالت الحكومة تسير في نفس النفق باسم حل أزمتها، وما ذاك إلا ترقيع للأزمة لتعقبها أزمة أخرى أكبر من أختها، فها هي الحكومة تتجه للتداين من جديد وتسلم المزيد من رقبتها لصندوق الاستعباد المسمى صندوق النقد الدولي الذي لا يأتي بخير، حيث يتردد الآن بأن الحكومة تقترب من اتفاق مع الصندوق سيرفع قيمة برنامج القرض الأخير من 3 مليارات إلى 7-8 مليارات دولار على ثلاث سنوات، مع الحصول على دفعة مقدمة إلى جانب 700 مليون دولار بعد إتمام المراجعتين الأولى والثانية من برنامج القرض، هذا القرض الذي انعقد في أواخر عام 2022 بموجب برنامج مدته 46 شهرا ولم تحصل مصر سوى على 347 مليون دولار من هذا المبلغ، بينما يرتبط حصولها على شرائح إضافية بمراجعة الصندوق لمدى التقدم الذي أحرزته بشأن شروط الاتفاقية المتعلقة بما يسمى بالإصلاح الاقتصادي.

كما اتجهت الحكومة إلى التفريط في أجمل مناطق الدنيا، منطقة رأس الحكمة في الساحل الشمالي، وهو قرار يفتقر للحكمة، حيث اختارت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة تحالفا إماراتيا لتنفيذ مشروع باستثمارات 22 مليار دولار في تلك المنطقة.

كما أنه في ظل ارتفاع الأسعار وعدم استقرارها اتجه البنك المركزي المصري إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، لأول مرة منذ آب/ أغسطس من العام الماضي، كما أعلن السيسي عن حزمة حماية اجتماعية جديدة بـ180 مليار جنيه اعتبارا من آذار/ مارس المقبل؛ تشمل زيادة أجور العاملين في القطاع العام، ورفع حد الإعفاء من ضريبة الدخل،
مشكلة مصر الاقتصادية لا يمكن فصلها عن مشكلتها السياسية، فانسداد الأفق السياسي يحقق انسدادا للأفق الاقتصادي، ومصر ليست دولة فقيرة بل دولة متنوعة الموارد، سماها وزير ماليتها نبي الله يوسف عليه السلام "خزائن الأرض"، وفيها عقول يعرف العالم قدْرها، لذا فإن الخروج من المأزق الراهن يحتاج إلى وضع استراتيجية واضحة المعالم وتحويلها إلى سياسات وإجراءات يتم البدء في تطبيقها
وزيادة المعاشات، إلى جانب رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع العام بنسبة 50 في المئة؛ إلى 6000 جنيه. وهي خطوة مطلوبة، ولكنها متواضعة مقارنة بالزيادة في الأسعار، وما سوف يترتب على تعويم الجنيه إن عاجلا أو آجلا وفق متطلبات صندوق النقد الدولي الذي خفض توقعاته لنمو الاقتصاد المصري مجددا في العام المالي الحالي (2024/2023) إلى 3.0 في المئة من توقعاته السابقة البالغة 3.6 في المئة.

إن مشكلة مصر الاقتصادية لا يمكن فصلها عن مشكلتها السياسية، فانسداد الأفق السياسي يحقق انسدادا للأفق الاقتصادي، ومصر ليست دولة فقيرة بل دولة متنوعة الموارد، سماها وزير ماليتها نبي الله يوسف عليه السلام "خزائن الأرض"، وفيها عقول يعرف العالم قدْرها، لذا فإن الخروج من المأزق الراهن يحتاج إلى وضع استراتيجية واضحة المعالم وتحويلها إلى سياسات وإجراءات يتم البدء في تطبيقها.

 والحل في الأزمة الاقتصادية المصرية ليس ماديا فقط بل معنويا أيضا، والمعنوي لا بد أن يسبق المادي لمن يريد حلا، وذلك بإنهاء المظالم وتبييض السجون من المظلومين، مع إصلاح القضاء، والاعتماد على أهل الخبرة والأمانة في الاقتصاد، وفتح المجال لهم للإصلاح، وتعزيز قوى السوق الحرة الشريفة بعيدا عن عسكرة الاقتصاد، وتوجيه الجيش لأداء مهامه في التصنيع الحربي وامتلاكه ميزة نسبية في ذلك تعزز الصادرات، مع أهمية الدفع بقوة الاقتصاد نحو تعزيز الإنتاج المحلي وتعزيز الصادرات وترشيد الواردات، والاستفادة من الاستثمار الأجنبي المباشر وفق المصالح المتبادلة، وفي الوقت نفسه تبدو أهمية التخلص من سيطرة صندوق النقد الدولي بوضع سعر عادل لسعر صرف الجنيه المصري، والإعلان عن جدولة الديون بدلا من ترقيعها، والتوقف بعد ذلك كليا عن اللجوء للديون لا سيما الخارجية منها.

twitter.com/drdawaba
التعليقات (0)