قضايا وآراء

تجديد مبادرة تيسيرات استيراد سيارات المصريين بالخارج.. رؤية اقتصادية وشرعية

أشرف دوابة
لم تحقق النسخة الأولى من المبادرة النجاح المتوقع- جيتي
لم تحقق النسخة الأولى من المبادرة النجاح المتوقع- جيتي
وافق مجلس الوزراء الخميس الماضي على مشروع قانون لتجديد مبادرة تيسير دخول سيارات المصريين في الخارج وفقا للتيسيرات الواردة في القانون رقم 161 لسنة 2022 وتعديلاته، وبحسب مشروع القانون الجديد (النسخة الثانية) يمكن لكل مصري له إقامة قانونية سارية في الخارج ولم يسبق له الاستفادة من المبادرة السابقة (النسخة الأولى) الواردة بذلك القانون وتعديلاته؛ إدخال سيارة مستوردة بنفس التيسيرات السابقة، ويستمر العمل بالقانون الجديد بعد إقراره من جانب مجلس النواب لمدة ثلاث شهور مع إمكانية مد المدة لفترة مماثلة.

ووفقا للنسخة الأولى للمبادرة، يحق للمصري الذي له إقامة سارية في الخارج، استيراد سيارة ركوب خاصة واحدة لاستعماله الشخصي معفاة من الضرائب والرسوم التي كان يتعين أداؤها للإفراج عن السيارة، مقابل سداد مبلغ نقدي بالعملة الأجنبية، لا يستحق عنه عائد، يحوّل من الخارج لصالح وزارة المالية على أحد الحسابات المصرفية بنسبة 100 في المئة من قيمة جميع الضرائب والرسوم التي كان يتعين أداؤها للإفراج عن السيارة، بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة وضريبة الجدول، ويتم استرداد المبلغ بعد مرور خمس سنوات من تاريخ السداد بذات القيمة، بالمقابل المحلي للعملة الأجنبية المسدد بها، وبسعر الصرف المعلن من البنك المركزي وقت الاسترداد.

وجاءت النسخة الثانية من المبادرة بعد فشل النسخة الأولى في تحقيق هدفها في تعزيز حصيلة مصر الدولارية، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 أطلقت وزارة المالية النسخة الأولي من المبادرة مستهدفة جمع ما يصل إلى 2.5 مليار دولار، لكن بعد انتهاء المبادرة في منتصف أيار/ مايو الماضي كانت حصيلتها أكثر بقليل من ثلث المستهدف، لتسجل 900 مليون دولار، وسجل فيها نحو 167 ألف مغترب. وكان من المقرر في البداية أن تستمر المبادرة لمدة ثلاثة أشهر اعتبارا من تاريخ إطلاقها، ولكن جرى تمديدها حتى أيار/ مايو 2023 سعيا لتعزيز تدفقات النقد الأجنبي.

إن هذه المبادرة تأتي في ظل سياسة ترقيع الديون التي ورطت الحكومةُ مصرَ فيها، ولا عائد اقتصاديا من ورائها قادر على سدادها، وقد استخدمت الحكومة في ترقيعها كافة الوسائل؛ من بيع شركات وأصول استثمارية بالتفريط، وتنازل عن أراض مصرية، والاعتماد على مزيد من القروض، وطي عنق الرقاب إلى صندوق النقد الدولي وبرنامجه التدميري، ورغم هذه التيسيرات لم تحقق تلك المبادرة أهدافها، وهو ما يعني فشلا ذريعا في إدارة الاقتصاد في ظل غياب عامل الثقة وانعدام الحرية وانحسار القطاع الخاص.

ولعل التحليل الأخير لوكالة بلومبيرج الاقتصادية يعكس حجم المعاناة في مصر، حيث ذكر أن مصر هي الدولة الثانية في العالم الأكثر عرضة لأزمة الديون، تأتي قبلها أوكرانيا التي مزقتها الحرب، وأنه بحسب البيانات الرسمية التي ظهرت حول معدلات التضخم في مصر -حيث ارتفع التضخم السنوي إلى 39.7 في المئة في آب/ أغسطس الماضي، مقارنة بـ38.2 في المئة خلال تموز/ يوليو السابق له- فإن الاقتصاد المصري هو الأكثر عرضة لخطر أزمة الديون في الشرق الأوسط، مع الأخذ بعين الاعتبار الدين العام، وتكاليف الفائدة، والعائد على السندات الدولارية.

أما الرؤية الشرعية لتلك المبادرة فإنها ترتبط بالتكييف الشرعي لمبلغ تلك الوديعة المصرفية الدولارية، وقد تبارى البعض في تكييفه شرعا على أنه وديعة شرعية أو هبه أو سفتجة أو جعالة أو مقابل خدمة. ومن خلال تصوير الأمر وتكييفه الشرعي فإن هذا المبلغ لا يمكن أن يكون وديعة شرعية لأن الدولة سوف تستعمل هذا المبلغ بالدولار وترد مقابله بالعملة المحلية (الجنيه المصري)، والوديعة شرعا لا تنتقل فيها ملكية الشيء المودع للوديع ولا يجوز للوديع استعمال الشيء المودع، ويجب رده نفسه.

الرؤية الشرعية لتلك المبادرة فإنها ترتبط بالتكييف الشرعي لمبلغ تلك الوديعة المصرفية الدولارية، وقد تبارى البعض في تكييفه شرعا على أنه وديعة شرعية أو هبه أو سفتجة أو جعالة أو مقابل خدمة. ومن خلال تصوير الأمر وتكييفه الشرعي فإن هذا المبلغ لا يمكن أن يكون وديعة شرعية
كما لا يمكن تكييف هذا المبلغ شرعا على أنه هبة، فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ قبض الهبة هو قبض أمانة، فإذا هلكت أو استهلكت لم تضمن، وهذا المبلغ مضمون على الحكومة. كما لا يمكن تكييف هذا المبلغ على أنه سفتجة -وهي أن يعطي شخصا لآخر مالا وللآخر مال في بلد المعطي فيوفيه إياه هناك- لأنه وإن كانت سفتجة في تحويله فإن أصله ومآله إلى قرض.

كما أنه لا يمكن أن يكون هذا المبلغ جعالة أو وعد بجائزة، فالجعالة هي عقد يلتزم فيه أحد طرفيه (وهو الجاعل) بتقديم عوض معلوم (وهو الجعل) لمن يحقق نتيجة معينة في زمن معلوم أو مجهول (وهو العامل)، فهي مرتبطة بنتيجة عمل وليست مبلغا مضمونا مدفوعا للحكومة يبقى عندها خمس سنوات مقابل الإعفاء، فهذه الجائزة مقابل قرض. كما لا يمكن أن يكون هذا المبلغ خدمة مقابل الإفراج الجمركي، فالخدمة مقابل رسم مدفوع لا يرد والمبلغ المدفوع سيرد لصاحبه.

والذي أراه -والله تعالى أعلم- أن المبلغ المدفوع هو قرض، حيث إن القرض يتم فيه دفع مال، وتمليكه لمن ينتفع به ويرد بدله، وهو عقد تبرع ابتداء ومعاوضة انتهاء، فالمبلغ المدفوع في حقيقته قرض مضمون من الحكومة وجرّ نفعا ممثلا في الإعفاء الممنوح، وكل قرض جر نفعا مشروطا فهو ربا.

كما أن هذه المعاملة فيها جمع بين سلف وبيع الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فالشخص يقرض الحكومة والحكومة تشترط عليه بيع المبلغ المودع يوم تسليمه له بسعر يوم الوفاء، فلا يحل الجمع بين تبرع ومعاوضة، لأن في ذلك ربا، علما بأن سداد المبلغ بسعر يوم الوفاء منفردا لا ربا فيه. وأخيرا استفت قلبك وإن أفتاك الناس.

twitter.com/drdawaba
التعليقات (1)
صلاح الدين الأيوبي
الأربعاء، 20-09-2023 08:40 م
ولماذا تجاهلت التعويم يا دكتور والخسائر الفادحة المتوقعة المترتبة على ذلك؟