كتاب عربي 21

ألحان العودة تعزف في "روتردام"

1300x600
قبل عشر سنوات بالضبط زرعت فسيلة العودة في "روتردام"، وعبر هذه السنوات العشر انتشر شذى هذه الفسيلة ليفوح في عواصم أوروبية أخرى، يحمل هذه الفسيلة المباركة كل عام ثلة مثابرة مخلصة، نذرت نفسها لفلسطين، ما نسيتها رغم تعاقب السنين!

واليوم، وبعد عشر سنين، يعود هذا الجمع المبارك "لروتردام" بالراية ذاتها والروح ذاتها، وإن تغير العنوان، يزدادون إصرارا وعزيمة، وكأنهم يقولون للعالم كل العالم، وتحديدا أوروبا والأوروبيين: 

أن مئة عام من التشرد واللجوء والهجرة لم ولن تنسينا حقنا، وأن ألف وعد ووعد مكذوب لن يثنينا عن مطالبتنا بحقنا، وإثبات صدقيته. 

يستوي في ذلك عندنا: الرجل والمرأة والكهل والشاب والطفل حتى الجنين في بطن أمه.. كلهم يهتفون بالهتاف ذاته، ويعزفون اللحن ذاته: مئة عام شعب ينتصر وإرادة لا تنكسر!

فمن ذا الذي جمع هؤلاء الأوفياء؟ من كل حدْب وصوب هم!! من كل الأجيال هم!!

كل منهم يمثل أيقونة فلسطينية، إما اندثرت، وإما تدنست تحت أقدام غزاة  يشعوذون بأساطير التاريخ، وإما تكسرت بين أصابع جرافات المغتصبين القادمين من أوروبا ذاتها!

أي يد تلك التي امتشقت ريشتها لتلون هذه "الجدارية" المقدسية في قلب أوروبا تحكي رواية رومانسية في حب فلسطين؟! 

وأي فنان استل "عوده" ليعزف "سيمفونية" فريدة في عشقها! وتتشابك الأيدي وتتعاضد الأكتاف لترسم دبكة فلسطينية وطنية، يشترك فيها الطيف الوطني بكل ألوانه: الأخضر والأصفر والأحمر! 

لا عجب فالفلسطيني مقدسي الهوى والانتماء أيا كان الرداء، ومهما كان اللون واللحن والأداء!

لا عجب!! فالهم واحد، والعدو واحد، والهدف واحد، والأرض واحدة.. واحدة لا ولن تتجزأ؛ من نهرها لبحرها، لن تتجزأ من ناقورتها "لأم الرشراش"، لن تجزأها مبادرة أو مبادرات، ولا حتى تهديدات، أو خطب رنانة في مساجد مصطنعة، لخطباء من شمع! تمتدح زعماء من ورق!

لن تجزئها خطة أو خريطة مستوردة من وراء المحيطات قريبها وبعيدها!

أي جهد هذا الذي جمع ثلاثة أجيال معظمها لا يعرف فلسطين، إلا خارطة شكلت رئتين لكل منهم، القلب فيها قبة، والمفتاح فيها العنق! 

أبدعت تلك الفنانة الرائعة "أمية جحا" إذ ترسم فلسطين رئتين لكل فلسطيني، بل لكل مسلم يقرأ فلسطين "آية" في كتاب الله!! لا ينساها ولا يفرط فيها إلا إنْ فرط في عقيدته!

أي دافع هذا الذي جمعهم من أنحاء أوروبا "العجوز" لينادون من "روتردام" بحق العودة المقدس إلى قرى وخرب مسحت عن خارطة فلسطين "الأرض"، لكنها ما تغيرت في خارطة فلسطين "الرئة"!! وليؤكدوا أن حلمهم لا يلغيه وعد مكذوب!

أي حلم هذا الذي يعيشونه ولا يملون من غنائه والشدو به في كل زاوية من زوايا الأرض! أينما تذهب ستجد فلسطينيا يعشق فلسطينه، ويعزفها لحنا خالدا، "سنعود"! 

سنعود إلى نفس الدار ونفس التينة ونفس الزيتونة ونفس "السنسلة" ونفس الحارة ونفس "الزقة" ونفس الطابون ونفس "الخابية"!
 
لا بديل، لا للبديل أيا كان البديل، لا مقايضة، لا عوض لا تعويض، الحق هو الحق! 

حتى وإن مات صاحب الحق فلن يموت الحق! لن يموت مادام ورث لكل الأجيال: خارطة وراية وعصابة ومفتاحا.

إنه الحلم السرمدي الذي "يضعونه" تحت وسائدهم، بل يتوسدونه، قبل النوم كل ليلة!

إنه المساء المبارك الذي يتوضؤون به كل فجر ويرتلونه كل شروق!

إنه الهتاف المجلجل عبر الأجيال والآفاق والبحار والأقطار: لن نسْقط الراية، لن نلقي المفتاح، لن ننسى الأرض؛ "سنظل كأشجار الزيتون الرومية!".
 
لا يمكن لهذه الأيقونات وتلك الجدارية التي ترسم كل عام في قلب أوروبا، أنْ تمحى من ذاكرة من رآها؛ فهي الراية الخفاقة بالحق في زمن ضاعت فيه الحقوق وضيعت! 

وهي شاهد على إصرار وعزيمة لا تلين أن أي فلسطيني -بل أي حر-  لا يمكن أن ينسى فلسطين، حتى لو كان في جنان أوروبا، لأنه لا يمكن أن ينسى أنه مهاجر في أوروبا اليوم لأن أوروبيين اغتصبوا داره بالأمس!

شكرا لكل عقل وجهد فكر ونظر ودبر وعزف هذه السمفونية الخالدة " مئة عام شعب ينتصر وإرادة لا تنكسر"، رائع هذا اللحن الشجي الندي، ورائع من يعزفه!

شكرا لمن رسخ هذه الاحتفالية شاهرا "غراس العودة" متجولا فيها من لندن إلى برلين إلى فيينا إلى مالمو إلى روتردام إلى كل العواصم الأوروبية، وكأني به نظم هذه المدن الأوروبية بتطريز فلسطيني، ليشهد الزمان والمكان والإنسان أيا كان وأين كان أنني فلسطيني مهما كان!

بوركت غراس أينعت في "روتردام" لتثمر بإذن الله في "حيفا"!

شكرا لكل حضر منْ هذا الشعب الأبي، شكرا لكل ثابت على هذا الحق العصي، شكرا لكل قائم على هذا المؤتمر وفي.. 

شكرا شكرا لكل فلسطيني حتى لو كان "مغربيا"!!

وإلى روتردام "سلام" على أمل أن نعود لفلسطين بسلام!