كتاب عربي 21

ما بين السيسي ومدير الـ"CIA"

1300x600
لم يعد في تصرفات قائد الانقلاب العسكري في مصر ما يثير الدهشة، لذا فعندما يمر خبر لقاء عبد الفتاح السيسي وأركان حكمه مع مدير المخابرات المركزية الأمريكية "CIA" مرور الكرام، ولا يثير استغراباً، فإن اختفاء الدهشة تعد هي الخبر، ما دام هذا اللقاء لا يمثل خبراً بحسب أحد تعريفات الخبر الصحفي، وهو في أن يعض إنسان كلبا، وليس في أن يعض كلب إنسانا!

فمن الواضح، أن منسوب الدهشة من تصرفات الرجل وأفعاله قد نفد، وهناك من أدهشتهم هذه الصورة التي ظهر عليها، في لقائه مع الرئيس الأمريكي، وإذ نفى البعض أن تكون الصورة التي نشرت وقد أحاط والوفد المرافق له بترامب، غير حقيقية، فإن صوراً أخرى كشفت عن ضآلة حجمه وهو يلتقي بقادة الدول، وأظهرته بشكل مهين، وذلك قبل أن يتأكد الجميع أن صورته والوفد المرافق، ليست بفعل "الفوتوشوب"، فقد نشرها ترامب على صفحته على "تويتر"، وكأنه يلتقي بحاشيته، أو بموظفي البيت الأبيض وطباخيه!

منكمشا، التقى عبد الفتاح السيسي بالعاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله، الذي لم يزر السيسي بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية في القصر الرئاسي، وإنما اكتفى بهبوط طائرته بمطار القاهرة، وهرول إليه السيسي، وجلس في مواجهة الوزراء السعوديين ومساعدي الملك، وليس بجواره، وكأنه مستعمر في زيارة خاطفة لمستعمراته!

ومنكمشا، أيضا التقى بالرئيس الروسي "بوتين"، وهو يرتدي "الزعبوط" الذي منحه إياه وطلب أن يراه عليه، في تصرف احتارت البرية في تفسيره، وفي الوقوف على دلالة الهدية التي تمثلت في هذا "الزعبوط"!

ولم يكن غريبا بعد ذلك، أن يظهر السيسي بهذا الشكل، مع "ترامب"، وسط "زفة" من إعلامه رأت في هذا اللقاء انتصاراً لزعيمهم المفدى، و"الدكر" التاريخي، وإن انكمش، وانحنى، بشكل غير مفهوم، وما مثل تفسيرا لمعنى الذل وقيمة العزة، التي عبر عنها الشاعر بقوله:

لا تسقني ماء الحياة بذلة/ بل فاسقني بالعز كأس الحنظل!

ومن الواضح، أن السيسي لا ينتمي لسلالة هذا الشاعر، كما لا ينتمي من نصبوا له "الزفة" إياها إلى هذه السلالة، فصوروا اللقاء كما لو جانباً من فيلم عاطفي، حيث تم استدعاء قاموس الحب العذري في وصف هذا اللقاء، وقد عبر مذيع من الحاشية السيساوية عن ذلك بقوله: "إن بين السيسي وترامب علاقة إعجاب وحب من النظرة الأولى". لتفتح هذه المناسبة الطيبة الباب للإجابة على السؤال الوجودي: "مين السبب في الحب؟ القلب ولا العين؟" ومنذ أن طرحت المطربة الخالدة "سعاد محمد" هذا السؤال لم يوجد من يجيب عليه، أو يتوصل للإجابة الصحيحة له، ومعرفة من السبب في الحب، وهل هو القلب أم العين؟!

وقد ظهر "الدكر" المختار، بهذا الشكل المهين، فلا يوجد في لقائه مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ما يجعل هناك مبرراً للدهشة، لاسيما بعد حديثه عن "صفقة القرن" بدون توضيح، فتأكد أنه جزء من مؤامرة على القضية الفلسطينية!

لولا أن خبر اللقاء أذاعه التلفزيون المصري، في واحدة من نشرات الأخبار، لشككت في صحته وإن كنت بالبحث تبين لي أن هذا اللقاء سبقه لقاءان بين السيسي ومدير المخابرات الأمريكية في القاهرة، الأول كان في أبريل 2015، والثاني في يناير 2016، ولوحظ أن السيسي التقى به بعد مقابلته مع مدير المخابرات المصرية، فلماذا ينكمش إلى حد أن يلتقي بمسؤول بجهاز أمني مهمته تجنيد العملاء، ويعد أي تواصل معه محرم بنصوص القانون؟ مع أنه إذا كان هناك مشترك، مثل قضايا الإرهاب، فإن المخابرات الأمريكية كان عليها أن تنقل ما تريد للإدارة الأمريكية التي تناقشه مع القيادة المصرية، وإذا كان "البساط أحمدي" كما هو الحال الآن، فينبغي أن يقتصر اللقاء بين مديري المخابرات في البلدين، دون حضور الرئاسة المصرية ما دامت الرئاسة الأمريكية لم تحضر، والسؤال: هل عند زيارته لمصر سيجلس ترمب والوفد المرافق له مع مدير المخابرات المصرية كما فعل السيسي وفريقه؟!

إن هذا يجرنا إلى سؤال آخر هو المهم هنا حول الأسباب الدافعة، للإساءة لمقام الرئاسة بهذا الهبوط للقاء مدير المخابرات الأمريكية؟ والسيسي ليس رجل مخابرات كما يروج البعض حتى نقول "إن الطبع غلاب"، فهو قضى خدمته في سلاح المشاة، قبل أن يرى قائد هذا السلاح منحه درجة اللواء وإحالته للتقاعد، لكن المشير محمد حسين طنطاوي وبعد أن فشلت وساطته مع قائد سلاح المشاة فقد ادخره لنفسه في سكرتارية مكتبه، قبل أن يرشحه لدى مبارك مديرا للمخابرات الحربية في سنة 2010، وقبل الثورة بأقل من سنة، فهو هبط على هذا الجهاز بـ "البارشوت"، وليس رجل استخبارات كما يروج الدهماء!

لاشك أن حرص السيسي على أن يلتقي مدير المخابرات الأمريكية سواء في القاهرة أو في واشنطن، إنما يؤكد اهتزاز ثقته في كل من حوله، فيكفي أن يقوم مدير المخابرات العامة بالتنسيق معه في المشترك بين الجهازين وهو مكافحة الإرهاب!

إنها أزمة من مارس الخيانة، حيث يورثه الله خوفا يجد مرارته في قلبه، سنة الله في الذين خلو من قبل. وقد خان السيسي رئيسه وقائده الأعلى ومن منحه رتبتين عسكريتين ورقاه ودفع به وزيراً للدفاع.
 
ولا ينتبه عبد الفتاح السيسي إلى أن المخابرات المركزية الأمريكية كانت تحمي عرش الشاه، لكن الشعب الإيراني تمكن من إسقاطه رغم هذه الحماية.

إنه لا يغني حذر من قدر!