كتاب عربي 21

كيمياوي الأسد وتحالف الاستبداد مع النظام الدولي

1300x600
ليست هذه هي المرة الأولى التي يستعمل فيها النظام الطائفي في سوريا الأسلحة الكيمياوية ضد شعبه بل كان هجوم غوطة دمشق في آب / اغسطس عام 2013 والذي خلف وراءه أكثر من 1200 قتيل وآلاف المصابين واحدا من أبشع الجرائم في التاريخ الحديث. نظام الأسد ومليشيات إيران وفرق الموت التابعة لحزب الله والتي تتحرك بإشراف روسي مباشر نجحت في تحويل الثورة السورية إلى مذبحة مفتوحة تفوق في توحشها كل أنواع الجرائم الممكنة.

المسألة اليوم لا تتعلق بتوحش نظام الأسد باعتباره واحدا من النماذج الحية على طبيعة النظام الرسمي العربي وعلى قدرته على إفناء شعبه من أجل البقاء في السلطة التي اغتصبها ذات يوم من أهلها. المسألة أكثر تعلقا بالقانون الدولي وبمجموع الشعارات الرنانة التي ترفعها المؤسسات الحقوقية الدولية بدءا بالأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية. 

فكيف يمكن للعالم أن يشاهد بالصوت والصورة كيف يباد شعب أعزل بغاز "السارين" ويقف ساكتا مكتفيا ببعض الخطابات الهزيلة والاجتماعات التي لا تنفك تمنح المجرم فرصا جديدة لإتمام ما بدأه من قتل وإرهاب؟

لم يكن النظام النصيري في دمشق ليرتكب ما ارتكبه من جرائم لولا معرفته القبلية بأن المجتمع الدولي سيغض الطرف كعادته عن كل جرائمه مهما بلغت حدود البشاعة ومهما أوغل في الدماء. هذه القناعة ازدادت رسوخا مع تحول الموقف الأمريكي مؤخرا من بقاء الأسد في السلطة حيث صرح مسؤولون أمريكيون بأن مسألة مغادرة الأسد للسلطة لم تعد أولوية الإدارة الأمريكية. 

هذا التصريح يحمل دلالات كبيرة حول الموقف الأمريكي والدولي من الثورة السورية حيث يقدم ضوءا أخضر مباشرا للمجازر المرتكبة هناك لأنها تصب مباشرة في مصلحة المشروع الأمريكي المرسوم للمنطقة العربية والمتمثل أساسا في تعميم الفوضى والخراب والدمار في كل مكان.

مشروع تدمير المنطقة العربية بالحروب الطائفية هو المرحلة الثانية التي دشنتها الحرب الصليبية الأمريكية على العراق في بداية تسعينات القرن الماضي وهي مرحلة التدمير الذاتي التي تستهدف الكيانات الإقليمية للدولة العربية. أما المرحلة الأولى فهي مرحلة الطور الاستبدادي للدولة العسكرية التي حكمت المنطقة وأقاليمها طوال النصف الثاني من القرن الماضي ولا تزال حتى انفجرت ثورات ربيع الشعوب لتعجل بدخول المخطط الدولي مرحلته الثانية.

لكن لسائل أن يسأل إذا كان التحالف بين قوى الاستعمار الدولي وبين النظام الاستبدادي العربي قائما فماذا ينتظر النظام الدولي من رموز الاستبداد العربي بعد أن استنفدوا كل شروط وجودهم؟ هل يمكن المحافظة على منظومة استبدادية أثبتت أنها وصلت إلى نقطة اللاعودة؟

الثابت هو أن الأسد لم يعد له مستقبل في سوريا مهما كانت الترتيبات التي يعدها المجتمع الدولي باعتباره المسؤول الأول عن المذبحة السورية وذلك لسبب أساسي:

لا يمكن للمجتمع الدولي والقوى المرتبطة به أن يحمل وزر مجازر الأسد خاصة بعد انكشاف كل المساحيق التي كانت تغطي المنظومات الاستعمارية العالمية من حرية وديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير وغيرها من الأكاذيب الدولية. أي أن المجتمع الاستعماري الدولي لا يمكن أن يتحمل وجود الأسد بعد نهاية الثورة السورية لأن التخلص من مجرم الحرب هذا سيكون على طريقة القذافي بشكل يمحو معها النظام الاستعماري العالمي كل الجرائم المرتكبة في خرقة واحدة هي الأسد ونظامه. 

لا يمثل النظام الرسمي العربي خاصة في نماذج الجمهوريات العسكرية إلا حَجرا وظيفيا يؤدي وظائف محددة خلال فترة زمنية معلومة. أي أن النظام الاستبدادي العربي لا يمثل في الحقيقة إلا مرحلة من مراحل التمكين الاستعماري الذي يتجسد دوره في منع الشعوب من مرحلة الوعي والسيادة على أرضهم وقيمهم وثرواتهم.

لا يهدف النظام الدولي اليوم إلى ترسيخ قدم النظام الاستبدادي العربي في شكله العسكري لأنه يعلم أنه عهد قد ولى وانتهى وأنه قد استوفى أهداف المرحلة التاريخية التي استحدث من أجلها. بل إن هدف النظام الدولي هو استغلال النظام الاستبدادي العربي لتفعيل مهمة أخيرة وهامة وهي تدمير ما تبقى من الدولة والمجتمع وإحداث أعمق الشروخ في داخلها من أجل منع الجماهير من بلوغ الهدف الذي خرجت من أجله وهو مطلب الحرية والعدالة.

إن الأسلحة الكيمياوية المستعملة في سوريا ومجازر رابعة في مصر ومجازر قنفودة في ليبيا وغيرها من مجازر الاستبداد العربي ليست إلا الشاهد الحي على حجم التوحش الذي يبلغه المنوال الاستبدادي عندما يدرك أن نهايته قد أزفت. وهي النهاية التي يريد النظام الدولي أن يوظفها لصالحه في سبيل ألا تكون بداية لمرحلة جديدة في حياة شعوب المنطقة قد ترفع عنهم وصاية الاستعمار وتحرم قوى النهب الدولية من ثروات المنطقة ومواردها.