كتاب عربي 21

القمة العربية وتدوير الوهم

1300x600
لم تخرج القمة العربية التي تنعقد بالأردن عن المألوف من سرديات النظام الرسمي العربي التي يرويها منذ نشأة جسد الجامعة العربية باقتراح من "انتوني إيدن" وزير خارجية بريطانيا في 29 مايو 1941.

الدورة الثامنة والعشرون للقمة العربية تنعقد في وضع عربي ملتهب على كل الجبهات وفي كل أرجاء الوطن الكبير مشرقا ومغربا من سوريا مرورا بالعراق واليمن وتونس وليبيا ومصر هذا فضلا عن الدول التي تقف في حالة جمود سياسي كبير مثل الجزائر أو موريتانيا.

التهديدات التي تضرب كل أرجاء الوطن العربي لم تعد تقتصر على التهديد الصهيوني وقضية العرب المحورية قضية فلسطين ورفع الاحتلال بل أصبحت القضايا العربية أكثر تعقيدا وخطورة وذلك على مستويين.

يتمثل المستوى الأول في تمدد المشاريع التوسعية زيادة على المشروع الصهيوني القديم وذلك بدخول المشروع الإيراني والمشروع الروسي خاصة حيز التنفيذ وذلك بسبب عامليْ الربيع العربي والاحتلال الأمريكي للعراق. أما المستوى الثاني فيتمثل في تآكل الجسد العربي من الداخل بسبب الصراعات الطائفية وبسبب القمع الدموي الذي واجهت به الأنظمة الاستبدادية مطالب شعوبها في الحرية والعدالة.

أي أن الراهن العربي اليوم هو أحوج ما يكون إلى التضامن والتآزر والخروج من دائرة الخطاب وفتح آليات جديدة للفعل العربي الذي يسعى اليوم إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من حالة التآكل المنفتحة على كل الاحتمالات. لكن بيانات الجامعة الهزيلة وحالة الانقسام والعداء الكبير التي تسيطر على العلاقات بين الأنظمة العربية هي التي تجعل من هذا الجسد المريض عقبة أمام العمل العربي نفسه. بل إن خروج العرب من حالة المفعول به يتطلب أولا وقبل كل شيء تجاوز مؤسسة الجامعة العربية نفسها والتي لم تعد تمثل غير حمل ثقيل على الأمة وشعوبها.

فبقطع النظر عن التاريخ الحافل بالعجز لهذا الهيكل الأجوف الذي لم يقدم للعرب وللقضايا العربية غير التسويف والوهم والإيهام بالعمل المشترك فإن القمم العربية لم تعد تشكل غير مناسبات هامة للترويح عن الجماهير بالمواقف الهزلية والصراعات الجانبية التي دخلت تاريخ المهازل العربية الرسمية.

فحول القضية الفلسطينية خرج البيان الختامي للقمة بالتأكيد على حل الدولتين في إطار المبادرة العربية شرط أن تنسحب إسرائيل من حدود 67. كما أكد البيان الختامي على ضرورة الحل السياسي في سوريا منوها بإنجازات الجيش العراقي في محاربة الإرهاب والقضاء على الإرهابيين.

ففي الوقت الذي يضاعف فيه الكيان الصهيوني عدد المستوطنات وفي الوقت الذي تدنس فيه أقدام الجنود الصهاينة المسجد الأقصى وتمارس كل أنواع العنصرية والتضييق والحصار على أهل غزة يخرج القادة العرب ببيان هزيل هُزال الفعل العربي نفسه لإدانة كيان استعماري استيطاني لا يقيم لهم وزنا ولا يعترف إلا بالقوة العسكرية حلا لفض النزاعات وفرض الأمر الواقع بقوة الحديد والنار.

أما في سوريا التي عرفت أبشع المجازر في التاريخ الحديث فإن ذكر رحيل سفاح الشام عن السلطة لم يكن على جدول أعمال القمة التي يتربع على عرش جامعتها وزير خارجية مبارك أحمد أبو الغيط الحليف التاريخي للمشروع الصهيوني في المنطقة. أبو الغيط هو صاحب العبارة الشهيرة " سنقطع رجل كل فلسطيني يتجاوز الحدود نحو مصر" وذلك في قلب الحصار على قطاع غزة من قبل قوات الاحتلال.

اكتفي النظام العربي الرسمي من سوريا التي تمثل محرقة القرن بعبارات باهتة تعكس حجم العجز و حجم السقوط المدوي للعمل العربي المشترك الذي لم يتجرأ على ذكر القوات الروسية وفرق الموت التابعة لها في بلد عربي محتل من قبل مليشيات الاستعمار الجديد.

أما محور الإرهاب بما هو الفرس الرابح للنظام الاستبدادي العربي فقد كاد يطغى على أعمال القمة دون أن يلتزم المتدخلون على الأقل بتقديم تعريف له أو بحصر مجالات المصطلح لأن التنويه بما قام به الجيش العراقي في حربه على الإرهاب إنما يتناغم في الحقيقة مع مفهوم أعداء الأمة للإرهاب.

الجيش العراقي اليوم ليس في الحقيقة غير مليشيات طائفية تتبع المؤسسة الأمنية والعسكرية الإيرانية وتأتمر بأوامرها في قتل أهل السنة وفي التنكيل بالعائلات وبالمدنيين الرافضين للمشروع الإيراني. وليس الإرهاب والجماعات الإرهابية التي خرجت غداة الربيع العربي إلا نتاجا طبيعيا للجدب العقائدي وللقمع الفكري والتصحر الأخلاقي داخل الأمة العربية وهو كذلك نتاج طبيعي للقمع الدموي الذي مارسه النظام الرسمي العربي على شعوبه خلال عقود من الزمان. الإرهاب هو كذلك الذريعة التي تسمح للطاغية العربي بممارسة كل أنواع القتل والتنكيل في حق المعارضين السلميين هذا فضلا عن الإرهاب الصناعي الذي أنتجته مخابرات الأنظمة العربية نفسها لتبرر محاربته.

لم تخطئ مواقع التواصل الاجتماعي حين نعتت القمة الحالية بأنها قمة القرارات الميتة المنعقدة في منطقة "البحر الميت " لتقدم بذلك وصفا دقيقا لحالة الموت السريري الذي تعاني منه المؤسسات العربية الرسمية. إن ثورات الربيع العربي تمثل إشارة حقيقية ومنبها على ضرورة تجاوز وهم العمل العربي المشترك الذي لا يمتلك من الآليات التنفيذية غير الورق الذي كتب به البيان الختامي للقمة نفسها.