قضايا وآراء

إيران في عنق الزجاجة.. ولكن..

1300x600
تواجه إيران مزيدا من التحديات في سوريا عقب التدخل الروسي عسكريا في أيلول/ سبتمبر 2015، لملء الفراغ الناتج عن تراجع إمكانات وقدرات إيران في المحافظة على صمود النظام السوري؛ الذي انكفأ في السنة الخامسة من عمر الأزمة أمام جيش الفتح والمعارضة المدعومة من تركيا والسعودية في حينه.

دخول روسيا على خط الأزمة السورية، وفق سياسة فلاديمير بوتين، لإسناد قوات النظام والمجموعات المسلحة المدعومة من إيران، عبر سلاح الطيران فقط.. يعني استمرار الحساب واستنزاف المحفظة الإيرانية، مقابل بضاعة أصبحت موسكو فيها شريكا أساسيا، بل متحكما في سياقاتها لكونها الأقوى عسكريا، والعضو الدائم في الأمم المتحدة، واللاعب النشط على المستوى الدولي.. ناهيك عن حاجة إيران لروسيا كمصدر للسلاح، وكظهير لمواجهة واشنطن الخصم التقليدي لطهران.

كان متوقعا، وحدث فعلا أن اتسعت مساحة التباين والاختلاف بين طهران وموسكو في سياق التنافس على الساحة السورية؛ فالأخيرة تدخلت لإحراز انتصار بالنقاط في مواجهة الإدارة الأمريكية عبر التحكم نسبيا في الملف السوري، ولتوسيع حضورها العسكري على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، مع حرصها على إيجاد مخرج سياسي يحافظ على مكتسباتها ويمنع استنزافها في المستنقع السوري المعقّد، ما دفعها للتنسيق مع تركيا الداعم الرئيس للمعارضة السورية والمنافس الأكبر لإيران في المنطقة.

في هذا الاتجاه، شاهدنا اتفاقا روسيّا تركيّا على دخول الأخيرة لشمال سوريا لمواجهة داعش، ولمنع قيام كيان كردي مقابل تخليها عن حلب.. كما تواصَلَ العمل المشترك بينهما لإطلاق مفاوضات آستانا دون طهران في البدء. واستمر التعاون الثنائي بينهما بالتنسيق مع واشنطن عبر اجتماع هيئات أركان الجيوش الثلاثة لتركيا وروسيا والولايات المتحدة في أنقرة مع بداية هذا الشهر، للتنسيق بشأن الأزمة السورية والعراقية بعيدا عن إشراك إيران.. ما يؤكد رغبة موسكو في التقارب أكثر مع أنقرة لأهمية دورها في الحلف الأطلسي، وسعيا منها لتوسيع المسافة بين أنقرة والغرب المتهم بدعمه المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا مؤخرا، هذا ناهيك عن تعاظم مستوى المصالح الاقتصادية والتجارية البينية والتي يتطلع الطرفان لرفعها إلى مستوى الـ100 مليار دولار.

تحدٍ آخر تواجهه طهران، تَمَثّل في مستوى التقارب والتنسيق بين حكومة الاحتلال بزعامة بنيامين نتانياهو والرئيس بوتين، بشأن أمن الكيان والوضع في سوريا، ما أنتج تدخلا صهيونيا عسكريا، باستهداف حزب الله وخطوط إمداده في أكثر من موقع عبر الأراضي السورية، وعلى أعين الرادارات الروسية المتقدمة.. وهو الأمر المرشّح تكراره في المستقبل.

إذن إيران لم تعد الفاعل الأول في الأزمة السورية، كما أن دورها في العراق سيصطدم لاحقا بازدياد النشاط العسكري الأمريكي هناك، وفقا لتطلعات إدارة ترامب الذي استضاف رئيس الحكومة العراقية، العبادي، في العشرين من الشهر الجاري، وأكد له دعمه للعراق، وحرصه على بناء شراكة استراتيجية لمحاربة الإرهاب والتطرف.. هذا بالإضافة لاستقبال البيت الأبيض لولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث كانت العلاقة مع إيران، أحد أهم ملفات النقاش بين الطرفين اللذين اتفقا على "أهمية التصدي لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة" حسبما ورد في بيان البيت الأبيض.. فهل هذا التوافق سيُفضي لإعادة بناء تحالفات عربية أمريكية جديدة في مواجهة إيران؟

بالنظر إلى سوريا التي تحولت إلى ساحة صراعٍ دولي إقليمي، وبالنظر إلى علاقات إيران الشائكة والمضطربة مع العديد من الأطراف الدولية والإقليمية، وتزعزع الثقة بينها وبين موسكو.. نعتقد أن إيران تسير نحو عنق الزجاجة خاصة مع التوقّع بتزايد التدخل الأمريكي في المنطقة، والذي تَبَدّى مؤخرا على خط المعارك في الموصل، ومن خلال إرسال واشنطن لقطاعات عسكرية إلى شمال سوريا بذريعة محاربة داعش هناك.

مع ذلك، ومع كل الاضطراب والنزاعات المتعددة التي تحوّلت لكرة لهب لا تكاد تنجو منها دولة في الإقليم، فإننا نعتقد أن الفرصة ما زالت سانحة أمام إيران لتعديل سياساتها؛ بوقف تدخلها في العديد من الدول احتراما لرغبات الشعوب وسيادة الدول. ولوقف الاستنزاف، وللاستدراك على مستقبل المنطقة الغامض؛ فإيران مع تركيا والسعودية، ولما لهذه الدول من حضور، وقوة مادية ومعنوية، يمكن أن يبدأ مشوار الألف ميل لإعادة ترتيب أوراق المنطقة، بما يحمي مصالح جميع الأطراف المحكومة للجغرافيا السياسية ومفاعيلها القَسْرية، فالزمن يسير باتجاهات أكثر تعقيدا مع اتساع رقعة التباين والخصومة، ومع تزايد التدخلات الدولية التي لن تأتي لصالح شعوب المنطقة، بحكم الواقع، وشواهد التاريخ.