قضايا وآراء

ضوء في نهاية النفق-1

1300x600
بسم الله الرحمن الرحيم

 على الرغم من مرور أكثر من ستة أعوام على اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ثم وصول أول رئيس منتخب إلى سدة الحكم في تاريخ مصر قديما وحديثا وانتهاء بانقلاب الثالث من يوليو الذي تم التمهيد له عبر مظاهرات منظمة تنظيما محكما في 30 يونيو إلا أن أيا من القوى السياسية التي شاركت في ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 سواء تلك التي أكملت مقاومتها بعد الانقلاب أو تلك التي نكصت على عقبيها لم تقم بواجب الوقت وهو إجراء تقييم جاد وموضوعي حول الثورة والسلطة والانقلاب ومصر التي يبدو أنها في طريقها للانهيار على يد عصابة العسكر.

كان هذا الكلام صحيحا حتى أيام قليلة مضت إذ وصلني عبر أحد وسائل التواصل الاجتماعي تقرير أولي عنون له مصدره وهو المكتب العام للإخوان المسلمين في مصر بعنوان "تقييمات ما قبل الرؤية".

في رأيي المتواضع وبعد اطلاعي على مجمل ما وصلني وقبل الخوض في تفاصيل الموضوع والذي من المفترض أن يكون له جزء ثان وثالث أو رابع لا أدري، إلا أنني أحمد الله أن مثل هذا العمل قد خرج إلى النور وإن تأخر ولكن ظهوره مهم وخصوصا في هذا التوقيت بالذات لماذا؟

أولا: الحرب الضروس التي تشن على الإخوان المسلمين دون تمييز بين أحد منها سواء من لا يزال يؤمن بأهمية الاستقرار التنظيمي ومن يرى أن المرحلة تستوجب التغيير ، فالخصم وهو هنا ليس سلطة الانقلاب وحدها بل خصوم كثر من الخليج العربي شرقا إلى الشواطئ الأمريكية غربا مرورا بأوروبا بما في ذلك بريطانيا التي رفضت وصم الإخوان بالإرهاب .

ثانيا: الصمود الهائل للتيار الإسلامي وفي القلب منه الإخوان المسلمون رغم ضراوة الهجوم وقسوة الحرب وقوتها التدميرية الهائلة يجعل من هذا العمل أهمية خاصة إذ أنه يصدر عن جهة يدها في الميدان وعقولها تعمل بلا توقف لتقييم ما تقدم من عمل، أي أنه صادر عن جهة معنية بالعمل وليست مجرد جهة منظرة أو مؤسسة أكاديمية وإن شارك في إعداده أكاديميون ومنظرون.
 
ثالثا: انتظار الجماهير العاشقة للحرية والتي أثبتت وبعيدا عن انتماءاتها الأيدولوجية للحظة تتحرك فيها القوى الثورية من جديد بوعي وبطريقة مختلفة ولا يمكن القيام بذلك دون تقييم ما سبق ووضع رؤية لما هو قادم.
 
رابعا: أن وجود رؤية مبنية على تقييم الماضي أفضل مليون مرة من الاستمرار في النهج المقاوم واستنزاف الطاقات في تحركات لا أرضية علمية ولا سياسية ولا فقهية ولا اجتماعية لها، وهي تحركات على أهميتها إلا أنها وإن كان ملؤها الحماس والرغبة في إثبات الذات إلا أنها تظل بعيدة عن النظر إلى الجدوى والنتيجة، في الوقت الذي تغير فيه نهج الإدارة من الإدارة بالأهداف إلى الإدارة بالنتائج ما يوفر الجهد والموارد بالطبع.

خامسا: الجميع ينظر وبعين التقدير للإخوان المسلمين على أنهم قاطرة مهمة في العمل الاجتماعي والدعوي وحتى السياسي بشكله العام وعبروا عن أنفسهم وتجلت تضحياتهم في الثورة وما تلاها وفي لحظات الانقلاب وحتى هذه اللحظة، وبالتالي فإن السكون الذي حل بالجميع وحالة الصمت التي فجرت العديد من الأسئلة وتسببت في اتهامات باطلة للإخوان، كل ذلك كان لا بد من الإجابة عليه بعمل حقيقي تتفق أو تختلف معه إلا أنه من المفروض أن يحدث حالة جديدة من الحراك الفكري والسياسي في بيئة يراد لها أن تصمت صمت القبور.

سادسا: صدور مثل هذا العمل في الوقت الذي تشهد فيه ساحة مقاومة الانقلاب خصومات ومشكلات مهم جدا لأنه سيعيد الجميع إلى القضية المركزية وهي الثورة ومقاومة الانقلاب وليس الخلاف بين شركاء الثورة سواء كانوا أفرادا أم جماعات.

سابعا: أن هذا التقرير ليس حكرا على مصدريه فقد أذاعوه ويعرضونه حاليا على الجميع كي يدلوا بدلوهم في هذا الشأن والجميل أن من أصدره وهو المكتب العام لا يرى لنفسه فضلا بل ينسب الفضل فيه إلى المجموعة التي عكفت على الموضوع في الداخل والخارج واستمعت وناقشت لأيام وشهور طويلة حتى تتمكن من، ليس إدارة التقييم إلى نشر، بل بناء رؤية متكاملة لما هو آت، وهذا لعمري أمر نحتاج إليه وبشدة وعلى الجميع أن يسهم فيه حتى نتحرر من فكرة أن تيار واحد يقود، أو زعيم واحد يتحكم في عقول الأمة بأسرها، أو على الأقل يتحكم في عقل الثورة الذي تم تعطيله مؤقتا، أو بالأصح تم إعادة برمجته لمواجهات داخلية لا طائل منها.

هذا التقرير الذي هو جزء من رؤية شاملة يتناول أربع موضوعات مهمة ويتحدث بشكل علمي وبطريقة منهجية واضح من مفرداتها حجم الجهود المبذولة فيه وإن اختلفت أنت أو أنا في بعض تفاصيله فلا ضير فهذا جهد بشري قال من أصدروه في ختام مقدمته "سنستفيد من كل جهد في النقد والتصويب فيرجى من جميع المهتمين القيام بذلك على أرضية النصح الأمين".

اشتمل التقرير على أربع ورقات مهمة وهي:

1- غياب ترتيب الأولويات
2- العلاقة مع الدولة
3- الممارسات الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين
4- الثورة

وإن شاء الله سنتناول في سلسلة مقالات هذه المحاور عسى أن تصلنا الرؤية التي بنيت على هذا التقييم لنعرضها على الرأي العام المعني بالأمر وصاحب الكلمة الفصل، وعسى أن تخرج القوى الثورية بخطة واضحة بعد اعتماد هذه الرؤية.