قضايا وآراء

انتخابات الصحفيين المصريين.. دلالات متباينة

1300x600
كعادتها دائما، تظل انتخابات نقابة الصحفيين المصريين الأكثر صخبا بين قريناتها، والأكثر تجسيدا لمزاج النخبة المصرية في لحظات التحول. 

وجاءت الانتخابات الأخيرة في هذا السياق، وجسدت حالة المزاج الصحفي في هذه الفترة من تاريخ مصر، وبدت إشاراتها متضاربة، فقد كان فوز مرشح دعمته السلطة علنا بمثابة رسالة أن النقابة دخلت بيت الطاعة الحكومي في نظر الكثيرين. 

لكن هؤلاء الكثيرين لم ينتبهوا إلى أن الصحفيين أنفسهم الذين انتخبوا نقيبا حكوميا انتخبوا أيضا الصحفي الذي اندلعت بسببه الأزمة بين النقابة والسلطة، وهو الصحفي عمرو بدر، الذي لاذ بالنقابة طلبا لحمايتها من تعقب الشرطة له بعد مشاركته في مظاهرات رافضة للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، الذي بسبب اقتحمت الشرطة نقابة الصحفيين. 

وبسبب ذلك، انعقدت جمعية عمومية طارئة للصحفيين يوم 4 أيار/ مايو الماضي، الذي كان فوره تعويضا عن الخسارة الرئيسة بخروج رئيس لجنة الحريات خالد البلشي الذي أبلى بلاء حسنا خلال العامين الماضيين، وكان يستحق الفوز، وكاد أن يحققه بفارق خمسين صوتا تقريبا. 

وأعاد الصحفيون انتخاب السكرتير العام للنقابة جمال عبد الرحيم بأعلى الأصوات، وهو أحد أطراف مثلث الأزمة مع السلطة أيضا. 

وبالمحصلة، أصبح مجلس نقابة الصحفيين يضم طيفا متنوعا من كل التيارات، باستثناء التيار الإسلامي بطبيعة الحال، الذي غاب عن الانتخابات منذ وقوع الانقلاب العسكري في 3 تموز/ يوليو 2013، وحتى الصحفي الوحيد الذي كان يمكن أن يمثله، وهو المحبوس احتياطيا حسن القباني الذي تقدم بأوراق ترشيحه من داخل محبسه تم منعه رغم أحقيته القانونية في ذلك. 

ورغم أن هناك من سبقه إلى هذا الطريق من سجناء سابقين في عهد المخلوع حسني مبارك.  

الذين يتخوفون من فوز نقيب حكومي محقون جزئيا بطبيعة الحال، لأنه لن يكون مهموما على المستوى الشخصي بقضايا الحريات، حتى لا يزعج السلطة التي ساندته، والتي يتوقع منها المزيد من المساندة في ظل ظروف اقتصادية بالغة السوء.

ولكن في المقابل، هل كان المرشح المنافس مشغولا بهذا الملف طيلة عامين ماضيين؟ 

الإجابة لا، وسواء كان المبرر هو افتقادة للقدرة أو افتقادة للرغبة، فالنتيجة واحدة، وهي تزايد أعداد الصحفيين السجناء، لدرجة أنه هو شخصيا أصبح مرشحا للحاق بهم بعد صدور حكم بحبسه لسنتين، لا يزال في مرحلة الاستئناف.

كان ملف الحريات عنصرا حاسما للمعركة الانتخابية قبل سنتين، حين رفع المرشح يحيى قلاش (النقيب الخاسر للانتخابات) راية الدفاع عن الصحفيين السجناء، وهو ما لاقى ترحيبا كبيرا في الوسط الصحفي، انعكس تصويتا كثيفا له، ومنحه فارقا قارب الألف صوت على منافسه المدعوم من السلطة وقتها ضياء رشوان.

لكن هذا النقيب الذي فاز قبل عامين على خلفية دعمه لقضايا الحريات وعلى رأسها قضية الصحفيين السجناء، لم ينفذ شيئا مما وعد به، ولم يقم بمجرد زيارة لزملائه السجناء، ولم يجرؤ حتى على مقابلة أسرهم داخل النقابة. 

كما أنه خجل من رفع هذه القضية بوضوح في الانتخابات الأخيرة، بالتالي تسبب في حالة إحباط كبيرة لدى قطاع واسع من أنصار الحريات، فدفعهم لمقاطعة التصويت. 

وإن كانت الأمانة تقتضي القول إن الغالبية إن لم يكن جميع من صوتوا له، هم ممن يقدمون الحريات على الخدمات بشكل عام، وهؤلاء ينتمون لتيارات سياسية متنوعة بين ليبرالية ويسارية وإسلامية إلخ.. 

وكان جزءا من هؤلاء ممن يوصفون بـ"عاصري الليمون" أي الذين انتخبوا قلاش رغم عدم ارتياحهم لأدائه، لكنهم نظروا إلى المسألة بمنظور وطني أوسع.

لا يستطيع أي نقيب للصحفيين مهما بلغت درجة اقترابه من السلطة أن يكمم أفواه الصحفيين، أو أن يمنع المظاهرات على سلالم النقابة، فقد جرب نقباء سابقون القيام بهذه المهمة، لكنهم فشلوا فيها. 

وكان أبرزهم، مكرم محمد أحمد، الذي تم طرده من نقابة الصحفيين عقب ثورة يناير مباشرة، بالتالي ليس متوقعا بأي حال أن يستطيع النقيب الجديد منع المظاهرات على تلك السلالم التي انطلقت منها شرارة ثورة 25 يناير 2011، التي احتضنت من قبل ذلك مظاهرات حركة كفاية أيام المخلوع مبارك، كما احتضنت وقفات أسر الصحفيين السجناء، ووقفات الكثير من الفئات الغاضبة عقب الانقلاب العسكري. 

ولم يستطع النقيب الحكومي وقتها، ضياء رشوان، أن يمنعها، كما احتضنت مظاهرات جمعة الأرض وغيرها من الوقفات على مدار العامين الماضيين، وستظل تحتضن كل مظلوم.

يخطئ النقيب الجديد عبد المحسن سلامة، بادعائه أن فوزه يماثل ما وصفه بثورة 30 يونيو، إلا إذا كان يقصد طريقة الحشد والتعبئة عبر الجهات الأمنية والرسمية. 

وتخطئ السلطة حين تتصور أنه بفوز مرشحها أصبحت قادرة على فرض هيمنتها على النقابة، وأنها أدخلتها بيت الطاعة، ولها في التاريخ عبرة. 

فقد حاول ذلك الحاكم العسكري الأسبق، أنور السادات، وسعى إلى تحويلها إلى مجرد ناد اجتماعي للتخلص من صداعها، لكنه فشل. 

وحاول الحاكم العسكري حسني مبارك على مدى 30 عاما ترويضها، لكنه فشل، ولن يكون السيسي أكثر قدرة من قادته السابقين، ولن يكون الصحفيون أقل قدرة على المقاومة من أسلافهم في العهود الماضية أيضا، خاصة مع عودة الوعي بالنسبة للكثيرين الذين تماهوا مع الانقلاب العسكري من قبل، خاصة في عاميه الأولين، حتى ظهرت لهم خياناته وفشله المتواصل. 

وقد ظهر هذا التحول الكبير للصحفيين في الجمعية العمومية غير العادية في 4 أيار/ مايو 2016، التي انتفضت دفاعا عن النقابة بعد اقتحامها. 

وقد أصدرت تلك الجمعية قرارات وتوصيات قوية، وحملت السيسي مباشرة المسؤولية وطالبته بالاعتذار، كما أنها قررت نشر صور مقلوبة (نيجاتيف) لوزير الداخلية، ولكن النقيب وغالبية المجلس هم الذين "بردوا" تلك الغضبة، بحجة عدم الصدام مع السلطة.

تقديري أن المعركة ونتائجها كانت مليئة بالمتناقضات، التي تشي بحالة تشوش وارتباك في الوسط الصحفي حاليا، الذي ينظر بعين لملف الحريات بعد أن طالت نيران القمع غير الإسلاميين وعلى رأسهم النقيب ووكيل وسكرتير النقابة(السابقين)، وعينهم الأخرى على الخدمات وتحسين أوضاعهم المالية عبر زيادة البدل النقدي الذي وعدهم به سلامة. 

وهو رغم قلته، إلا أنه يسد عجزا في ميزانية أسر الصحفيين نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والارتفاع الفاحش للأسعار. 

وربما بسبب هذا التدهور المعيشي، مالت الكفة لصالح فئة الخدمات على حساب الحريات، التي ظل لها ممثلون في المجلس الجديد، ننتظر منهم إثبات جديتهم في الدفاع عنها.