قضايا وآراء

هل يكرر العدالة والتنمية خطيئة الاتحاد الاشتراكي؟

1300x600
رغم وجود القليل من الفرق، لا بأس في إجراء هذه المقارنة، حيث إن الكثير من مثقفي اليسار وعموم الديمقراطيين بالمغرب، يعتبرون أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبي ارتكب خطيئة كبرى، كانت بداية بارزة لنهايته حينما وافق على المشاركة في حكومة يقودها التكنوقراط إدريس جطو سنة 2002م، رغم تصدر حزب الوردة للانتخابات المنظمة حينها، ورغم إقرار الحزب بأن تعيين العاهل المغربي محمد السادس للوزير الأول آنذاك من خارج الحزب المتصدر للانتخابات، يعد خروجا عن المنهجية الديمقراطية، وطبعا فقد أجاب الزمن عن كل أسئلة تلك اللحظة، بما فيها هل: تم ذلك لمصلحة الوطن العليا؟ أو لفائدة مصالح خاصة جمعت نخبة من حزب الاتحاد بنخبة من السلطة؟

اليوم، بعد أن قرر الملك إعلان توقف مشاورات تشكيل الحكومة الثانية بقيادة عبد الإله بن كيران؛ الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وعزمه اختيار شخصية أخرى من الحزب نفسه، يتبادر إلى الذهن لحظة 2002م ومخاضها، وكأن التاريخ يعيد نفسه مع اختلاف طفيف في السياق والإخراج والتسميات، إلا أن الثابت هو إهانة إرادة شعبية ودستور حديث بعد ما فوت ابن كيران الفرصة عليهم بصموده المتبصر، رغم كل المناورات المكشوفة منذ البداية، حيث أشهد بصموده العالم على حقيقة الحالة الديمقراطية التي يعرفها مغرب العهد الجديد، وعلى حقيقة هشاشة وضعف استقلالية البنية الحزبية بالمغرب، وتداخلات السياسي بالتجاري بالسلطوي، ولعل بيان "انتهى الكلام" الشهير كان صرخة عرّى بها ابن كيران الفاعلين والمفعول بهم سياسيا.

ما المطلوب من حزب العدالة والتنمية اليوم، وهو الذي أدار المرحلة بالكثير من التبصر والتعقل والذكاء في واقعٍ غاية في التركيب والتعقيد والصعوبة والغرائبية أحيانا؟ وما السيناريوهات المطروحة أمامه؟
تتجه جل التحليلات ظاهريا إلى أن الملك باجتهاده هذا الذي استند فيه إلى الفصلين 42 و47 من الدستور، لم يحد كثيرا عن الدستور كما عبر عن ذلك ابن كيران نفسه، رغم ما سجل من ملاحظات عن هذا القرار، فما الاختيارات والسيناريوهات المطروحة أمام العدالة والتنمية اليوم، التي عليها أن تراعي أساس وجوهر اللعبة والعملية ككل، وهي الإرادة الشعبية والخيار الديمقراطي وأيضا المرونة اللازمة لاستمرار وتعميق رؤيتهم للإصلاح، مع مراعاة التوازنات والدوائر الصعبة التي تفرض نفسها، ولا يكفي في تفسرها دائما لغة الصناديق فقط، وذلك ما لم تصل إلى الإجهاز على الأساسي والمبدئي والمرجعي.

تغيير الشخص دون تغيير الشروط

أعتقد أن حزب العدالة والتنمية سيستمر في التعبير عن حسن النية كما كان دائما حتى النهاية، كما أنه سيعمل منطق الإشهاد وإقامة الحجة، من هذا المنطلق سيقبل على مضض مبدئيا التعيين الملكي لشخص آخر غير ابن كيران – رغم البياضات الدستورية في الموضوع-، لكن الذي لا ينبغي أن يغيره حزب العدالة والتنمية، هو الشروط التي كان يعبر عنها ابن كيران بتشاور ودعم وتفويض من طرف كل قيادات الحزب، وهو ما يعني عمليا عدم تغيير أي شيء في شروط المعادلة، إلا باختلاف الطباع والشخوص.

فبالتأكيد ابن كيران ليس ولن يكون هو سعد الدين العثماني ولا مصطفى الرميد ولا العزيز الرباح ولا محمد يتيم ولا غيرهم من القيادات، حينها والحالة هذه لا أعتقد أن وضع البلوكاج سيتغير، اللهم إذا أوحي لرباعي  أحزاب (الحمامة والسنبلة والوردة والحصان) بالتيسير الفعلي للمهمة، المكلف الثاني بتشكيل الحكومة، حينها سيكون فقط المشكل نفسي مع رجل اسمه ابن كيران بكاريزما وخصائص أصبح يعرفها القاصي قبل الداني، وإلا ستراوح المفاوضات مكانها ويتأكد من ما يزال لديه ذرة من شك أو حمق، بأن العدالة والتنمية هو سبب العرقلة.

وأعتقد أن رئيس الحكومة الذي سيعوض ابن كيران يتوفر على عناصر قوة جديدة، حيث هو غير مرتهن ببعض أعباء الخمسة أشهر الماضية من المفاوضات، كما أنها توفر له تحربة غنية للاستفادة، وأعتقد أن هذا المنحى قد يرجع الكرة للمربع الآخر، لتصبح وتنفضح مرة أخرى مصادر عرقلة تشكيل الحكومة الأساسية، فلو تمكن ابن كيران من تشكيل حكومته الثانية وحتى لو لم يدخل الاتحاد الاشتراكي الذي يراد أن يفرض عنوة، فإن ابن كيران سيتنازل عن أمور أخرى، مما يعني أن رئيس الحكومة الجديد والمرتقب ما عليه سوى أن يكون في حجم اللحظة التاريخية؛ لأن وراءه حزب متراص وقيادة موحدة ومتماسكة، فضلا عن قرابة المليوني صوت التي تحصل عليها العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة قبل خمسة أشهر.

وبهذا التوجه سيكون العدالة والتنمية حافظ على الكثير للوطن والديمقراطية والحزب، بأن غير في التكتيكي فقط وليس في الاستراتيجي. وبه أيضا سيتأكد فاقدو البوصلة أو مخربوها والمتفرجون وأصحاب الجهل أو الحقد الأعمى، أن المستهدف ليس ابن كيران ولا العدالة والتنمية، بل وطن غال وعزيز اسمه المغرب.

السيناريو الأسوأ والأسود

السيناريو الأسوأ والأسود هو أن يقبل العدالة والتنمية بالتغيير والتنازل في الاستراتيجي والمبدئي والقيمي، وذلك بأن يتم التغيير في الشخص وفي الشروط، وحينها سيكون البيجيدي كرر خطيئة الاتحاد الاشتراكي التي ارتكبها في 2002م وما يزال يدفع ثمنها إلى اليوم، ولن تتوقف حتى بعد موته البيولوجي، أما السريري فقد دخله عمليا منذ استقدام إدريس لشكر لقيادته، حينها ستكون بداية شق الحزب نصفين أو تشرذمه والعياذ بالله، حينها سيكون المصباح منطفئا ومساهما في التقهقر والردة والنكوص الديمقراطي بالبلد، حينها سيعطي الحزب الدليل على أنه لم يكن قيادة واحدة ومتراصة إلى جانب ابن كيران، وعلى أن للسلطوية شريكا داخل العدالة والتنمية...وأنها بداية النهاية لا قدر الله على أكثر من مستوى وصعيد.

في هذه الحالة، ما على العدالة والتنمية إلا أن يرفع شعار "المعارضة أحب إلي مما يدعونني إليه"، وفي هذه الحالة أعتقد أن أمورا كثيرة ستتغير وتعتمل، لكن منحاها سيظل هو الأفق الديمقراطي الذي هو بالتأكيد في صالح البلاد والعباد. ولنترك حينها عقل الدولة العميقة يتعرض للصدمة تلو الأخرى حتى يرشد ويستوعب أن زمن السلطوية انتهى، وأنه لم يعد ممكنا التحكم في أرواح وأرزاق العباد، وأن لا قيمة حقيقية للأوطان إلا بالديمقراطية والشفافية والنزاهة والانخراط الجاد في تجفيف منابع الفساد والاستبداد؛ لأن هذا التوجه وحده ضامن لسلامة الجميع حتى يعيش الجميع ولا نهلك كلنا كأغبياء.

لا بد من القول إن ابن كيران سيتعب من سيأتي بعده بالنظر إلى المرتبة التي أوصل لها الحزب والبلد أيضا كمساهم في الحكم، وبالنظر إلى الكاريزما التي يتمتع بها، ولا بد من القول أيضا إن من يدفع الدولة للتخلص من ابن كيران خوفا من وضوحه وصرامته ونزاهته وخطابته المتفرطة، هم يبيعونها الوهم؛ حيث إن ابن كيران لن يسكت ولن يعتزل الحياة السياسية حيث ما كان أو وضع، وها أنتم أعفيتموه من مفاوضات يعرف القاصي والداني من عرقلها ولصالح من، فهل ستحرمونه أيضا من مقعده في البرلمان؟ وهل ستنزعون محبة الناس له؟ ما رأيكم دام عزكم يا أنتيكات، إن انتخبه إخوانه لولاية ثالثة الصيف القادم على رأس الحزب؟ وماذا لو اختاره رئيس الحكومة الجديد وزيرا إلى جانبه أو مكلفا بحقيبة أو حتى ناطقا رسميا باسم الحكومة؟ هل وهل وهل تستطيعون تأجيل الجواب والمواجهة الحتمية مع أسئلة العدالة والديمقراطية والتوزيع العادل للثروة؟ لا أعتقد أن ما يحاك من مناورات ولعب واستخفاف بإرادة الناخبين سيطول أمده. المعضلات وعلى رأسها الفساد والاستبداد تعالج بمواجهتها لا بالهروب إلى الأمام، فهي جراح إما ألا نخجل من تعريتها ونصبر على علاجها لما فيه مصلحة البلد، وإما التغطية والتجاهل الذي سيؤدي لا قدر الله لتعفن الجرح، وربما تهديد عضو أو الجسم ككل، فكلما أخرنا الإصلاح ترتفع تكلفته وآلامه.