كتاب عربي 21

الشايب الذي في القصر ونجله.. أو انحطاط السياسة

1300x600
في سلسلة تسريبات لتسجيلات أحد اجتماعات أعلى هيئة قيادية للحزب الأول في تونس، وهو أيضا حزب رئيس الجمهورية قائد السبسي على أعمدة أحد الصحف  التونسية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، تعرى لعموم الناس ما تعرفه أصلا الأوساط السياسية، تعرى "الحزب الأغلبي" الذي اعتبرناه بشكل مبكر أنه "أكبر عملية تحايل في تاريخ تونس"، ليظهر كما هو أي حالة بائسة من عديمي الكفاءة الأقرب إلى عصابة فاشلة منها إلى أي شكل سياسي. نحن الحقيقة في وضع انحطاط السياسة لا أكثر ولا أقل. 

التسجيلات التي بلغت ثلاثة حتى الآن، تعكس تصور نجل قائد السبسي وهو الذي يتموقع بدعم من أبيه، ليكون الشخص الثاني في البلاد، وبعض أعضائه وغالبيتهم من عناصر الصفين الثاني والثالث من حزب التجمع المنحل، الذي حكم البلاد لعشريتين أرسى فيهما أسوأ أنواع أنظمة الاستبداد والفساد. 

لنبدأ بنجل الرئيس ومدير الحزب الأغلبي الذي يقود التحالف الحاكم، وهو شخص لا يملك في سيرته التنظيمية قبل الثورة سوى عضوية هيئة مديرة لأحد الفرق الرياضية، ولا يتقن تكوين جملة مسترسلة ذات معنى. بمعزل عما وسم جميع التسجيلات من نقد مركز على الوزير الأول الحالي يوسف الشاهد، الذي ينظر إليه كصنيعة للسبسي الأب، والذي يبدو أنه في صراع مواقع مع السبسي الابن وفي تحالف مع مدير ديوان القصر، وجميع هؤلاء بالمناسبة تربط بينهم علاقات مصاهرة لعائلات تنتمي لوسط اجتماعي يعدّ نفسه "مالكا تاريخيا للبلاد". 

السبسي الابن عرض في مداخلته المسربة العناصر كافة، التي تؤشر إلى أن السلطة بالنسبة لهؤلاء هي إما اغتصاب على أسس عائلية ومصلحية، وإلا فهي محل استهداف. إما هم في السلطة وإلا فليعم الخراب والتخريب، على قول أبي فراس الحمداني: "فلا نزل القطر". وتتضح هذه الرؤية من خلال دفعه في اتجاه تغيير الدستور لحصر السلطات لدى السبسي الأب، وإبقائه في القصر (ربما أيضا مرشحا في الانتخابات القادمة سنة 2019). 

إذ كما سيظهر في التسجيل، قال السبسي الابن مخاطبا أعضاء الهيئة السياسية: "سنكون في المرتبة الأولى في الانتخابات البلدية…لأن التونسيين ليس لديهم خيارات سياسية كبيرة". وأضاف: "كيف ما قال سي البشير (في إشارة للنائب البشير بن عمر): “مادام عندنا الشايب في قرطاج ما تقلقوش ما يُهرب علينا شي". كما دعا إلى ضرورة التفكير في مبادرة تشريعية لتغيير النظام السياسي قائلا :"إذا تواصلت منظومة الحكم كما هي عليه، فنحن في طريقنا إلى الهاوية". 

وطالب من الحضور ضرورة التفكير في مبادرة تشريعية لإرجاع النظام الرئاسي، مبديا تخوفه من المنظومة الحالية بالقول: "هذه المنظومة بتركيبتها الحالية قد تمنحك في المستقبل رئيس جمهورية من حزب ورئيس حكومة من حزب ورئيس برلمان من حزب آخر…تصوروا إن حصل ذلك فماذا سنفعل؟ تصوروا أن يكون رئيس الجمهورية من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، ورئيس البرلمان من النهضة، ماذا سنفعل؟" وتابع قائلا: "هذا وارد وسأقترح عليكم تشكيل لجنة تُعنى بالمبادرة، أو إن أردتم سأجلب مختصين لتحضير المشروع، ومن ثمة نحاول إفهام حركة النهضة أننا لا نستطيع التواصل معها إن بقيت المنظومة مثلما هي عليه". 

في أحد التسريبات الأخرى من الاجتماع نفسه، يعرض أحد نواب الحزب في البرلمان معطيات بعضها معروف ومؤكد، تخص شبهات فساد لوزيرة الصحة في الحكومة. ويتبين في كلامه أن غيرته هذه لا تنبع أساسا من رغبته في مقاومة الفساد، بل في سياق أن يكون الفساد في مصلحته هو وحزبه تحديدا. لكن من أطرف ما يدعو الحزب على حالة الانحطاك التي وصلنا إليها، ما جاء على لسان هذا النائب الذي يمثل ولاية المهدية الساحلية من اعتراف صريح أمام زملائه والسبسي الابن، بممارسة العنف وتوظيف العصابات الإجرامية في تهديد مخالفيه وفرض مواقفه، فجاء على لسانه باللسان الدارج التونسي: "أنا فديت من دور الكلوشار والباندي في المهدية …أنا وليت نتعامل بالكف في المهدية.. نحب نكون نهار عضو مجلس نواب ..إني نتعامل بالكف  في المهدية يا تقضيلي يا نجيبلك جماعة يفشخوك وليت حمزاوي2 ماو الحمزاوي  (نائب حزب السبسي في ولاية القصرين) يخدم بالكف في القصرين إني وليت هكاكة على خاطر ماعنديش حزب ياقف معايا وماعنديش رئيس حزب وماعنديش رئيس حكومة". 

يحدث كل ذلك على خلفية تواصل فضائح وزراء الحكومة وآخرها الكذب الصريح لوزير التنمية المحلية، الذي نفى أن يكون أمضى على عقد بمبلغ عال بالنسبة للمتعاقدين مع الحكومة، ويهم أحد المحكوم عليهم بالفساد لأكثر من مرة، في حين نشرت النائبة سامية عبو العقد على المباشر بإمضائه في جلسة استماع في البرلمان. 

ووزير النقل الذي ساءله أكثر من مرة بالوثائق والحجج النائب عماد الدائمي حول شبهات قوية للفساد في صفقات اقتناء حافلات قديمة من فرنسا. أو تواصل مخلفات صفقة شراء الشركة التونسية للاتصالات التي تساهم فيها الدولة لشركة مالطية بدفع من الشريك الإماراتي في الوقت الذي تشير كل الدلائل إلى أنها صفقة رابحة لهذا الشريك، (وهو أيضا شريك في الشركة المالطية ويريد الخروج من الشركتين والتخلص من عبئهما) في صفقة أقرب منها للمضاربة. 

مع حزب السبسي وفي عصره نحن إزاء انحطاط السياسة. من الطريف أن أحد أتباع المنظومة القديمة كتب بشكل هاو (أساسا بالاعتماد فقط على مصادر صحفية ودون إجراء أي حوارات مباشرة مع المعنيين أو الاعتماد على وثائق داخلية متاح الحصول عليها)، في التاريخ الراهن عن أن سلطة الترويكا هي سلطة الهواة. الحقيقة لم يصبح هناك مجال لوصف هؤلاء حتى بالهواة. نحن إزاء سلطة انحطاط.