قضايا وآراء

هل سيتخلى الرئيس ترامب عن حل الدولتين؟

1300x600
جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال المؤتمر الصحفي مع نتانياهو في ختام زيارته الأخيرة إلى واشنطن، والتي تحدث فيها بصراحة بأنه "يقبل بحل الدولتين او حل الدولة الواحدة او أي حل آخر يتفق عليه الطرفان"؛ لتُفهم من أكثر من جهة على أنه تخلٍ من إدارة الرئيس ترامب عن حل الدولتين من جانب، ومن جانب آخر؛ فتح الطريق أمام خيارات أخرى بديلة لحل الدولتين.

لم يكن واضحا ماذا يقصد الرئيس ترامب بحل الدولة الواحدة.. هل يقصد بذلك دولة ثنائية القومية تجمع الشعبين في دولة واحدة على أرض فلسطين التاريخية؛ يتساوى فيها العرب واليهود في الحقوق والواجبات، وهذا خيار من المستحيل أن تقبل به أي حكومة في إسرائيل، أم أنها ستكون دولة تمييز عنصري يسيطر عليها اليهود بالدعم الخارجي؟ وهو حل لا يمكن لأي إدارة أمريكية أن تتبناه أو تتحمل مسؤولية السير في تحقيقه.

أما الحديث عن أي حل آخر يقبل به الطرفان، فماذا سيكون شكل هذا الحل، في ظل هذه المعادلة المعقدة، وفي ظل تراجع هذه الإدارة عن التمسك بحل الدولتين كحل قابل للتطبيق على أرض الواقع؟ لا أحد يعرف الجواب. إلا إذا كان المقصود بدولة "غزة وشمال سيناء"، كما يسرب البعض بأحاديث هنا أو هناك عن هذه الدولة، وهو أمر يحتاج الوقوف عنده في غير هذا المقال.

في المقابل، هناك بعض المؤشرات يمكن رصدها من خلال التصريحات الأمريكية حول موضوع حل الدولتين؛ تشير إلى ان الإدارة الأمريكية من الناحية العملية لم تتخل عن حل الدولتين. فدعوة ترامب لنتنياهو لوقف الاستيطان في الضفة الغربية، والإعلان عن الاتفاق بين الطرفين على تشكيل طاقم مشترك لتحديد الأماكن التي يمكن ان يسمح فيها بالبناء الاستيطاني في الضفة الغربية، مؤشر على أن الإدارة الأمريكية لن تقبل بتمدد الاستيطان في كل مكان بشكل يحوّل فكرة حل الدولتين إلى فكرة مستحيلة، ولذلك هناك أنباء عن أن المناطق المسموح بالبناء فيها ستكون محصورة في الكتل الاستيطانية الكبرى، ولن يسمح بإقامة بؤر استيطانية جديدة.

إلى جانب ذلك، يمكن الإشارة هنا إلى أن الرئيس الأمريكي ترامب أكد أمام الصحافة، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ أن تبنت الإدارة الأمريكية مشروع حل الدولتين عام 1995، على ضرورة وقف بناء المستوطنات؛ لأن بناء المزيد منها سيشكل عقبة أمام السلام، وعلى ضرورة أن يقدم الطرفان تنازلات متبادلة، وهي سابقة لم يقدم عليها حتى الرئيس أوباما الذي اتصفت فترته بأنها الأكثر فترات التوتر في العلاقات بين نتنياهو والرئيس الأمريكي أوباما، علاوة على تأكيده بأنه يقبل بأي حل يقبله الطرفان، وهذا يمكن اعتباره فيتو على ضم الضفة الغربية أو جزء منها؛ من دون أن يكون هناك اتفاق مع الطرف الفلسطيني على ذلك، وإن كان هذا لا يمنع من السكوت عن ضم الكتل الاستيطانية الكبرى، والذي أبدت الإدارات السابقة تفهمها لحاجة إسرائيل له.

هذه المواقف تعطي مؤشرات واضحة على أن الإدارة الأمريكية لم تتخل عن حل الدولتين من الناحية العملية، لكن الإدارة الحالية لا تريد أن تتبنى هذا الحل نتيجة قناعتها بصعوبة تطبيقه، ولا سيما أن كل الرؤساء السابقين فشلوا في تحقيق هذا لهدف، ولذلك فإن الرئيس ترامب لن يكرر تجربة فاشلة، وهو لا يريد أن يشارك في الفشل، فمنطق ترامب التجاري يجعله لا يتمسك بصفقات لا يضمن الفوز بها. ولذلك فإنه يفتح الطريق لأي خيار يمكن أن يكون بديلا لحل الدولتين، المهم لدى الرئيس أن يكون هناك حل، وليس المهم شكل الحل بقدر أن يتحقق الهدف الأسمى، وهو التوصل إلى السلام. لذلك يمكن اعتبار تصريحات "نكي هيلي"، مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة، بأن بلادها ما زالت متمسكة بحل الدولتين؛ بأنها جزء من السياسة الأمريكية الثابتة بعدم التخلي عن حل الدولتين، وإن لم تعمل على تحقيقه.

فماذا يمكن أن يكون الموقف الأمريكي إذا لم يتفق الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي على أي حل؟ هذا الوضع لن يكون مزعجا للرئيس ترامب، وبمنطقه التجاري فإنه لن يشغل نفسه كثيرا بهذه المسألة، إلا بقدر ما يمكن أن تحقق له مكاسب سياسية. فبالرغم من تكليف صهره اليهودي "كوشنير" بلعب دور الوسيط الأمريكي في ملف الشرق الأوسط، فلن يغير من الأمر شيئا، فقط عيّن هذا الوسيط لإعطاء رسائل طمأنينة للجانب الإسرائيلي بأن شيئا لن يفرض عليه، أو أي حل لا يقبله الإسرائيليون على الأقل في المرحلة الحالية. فالرئيس لن يكون متحمسا للانخراط في عملية سلام في الشرق الأوسط، وسيعمل على تأجيل البت فيه حتى يقبل الطرفان بحل الدولتين، أو ينتقل إلى سياسة إدارة الموقف أو ترحيل الأزمة إلى الإدارة القادمة، أي ما بعد خروجه من الرئاسة. وأعتقد أنه سيكون الأسلوب الأمريكي المفضل في التعاطي مع الملف الفلسطيني في عهد الإدارة الحالية.