ملفات وتقارير

أراضي الحزام الأخضر.. كيف يجني رجال السيسي المليارات؟

أثارت قضية أراضي الحزام الأخضر احتجاجات ومحاكمات سابقا - أرشيفية
انتقد معلقون ومحللون في مصر، قرار قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الاثنين، بتحويل منطقة "الحزام الأخضر" بمدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة) من أراض زراعية إلى مناطق سكنية، في الوقت الذي أشعل فيه القرار أسعار تلك الأراضي.
 
ورأى مراقبون في القرار منحة تقدر بمليارات الجنيهات لأصحاب تلك الأراضي، بـ"جرة قلم" من قصر الاتحادية الرئاسي، وأنه يأتي ضمن سلسلة قرارت لـ"شراء الولاء" وكسب ود كبار رجال الدولة والجيش والشرطة والقضاء.
 
من المستفيد!

وتبلغ مساحة الحزام الأخضر 60 فدانا تحيط بمدينة السادس من أكتوبر من جهتي الشمال والغرب، ويمتلك 35 فدانا منها كبار رجال الدولة والأجهزة السيادية (سابقون وحاليون) ورجال أعمال مصريون، كما يخضع جزء كبير منها للقوات المسلحة، فيما قام رجال أعمال عرب بعمليات شراء واسعة في المنطقة مؤخرا.
 
ويؤكد منتقدو القرار أن ملاك "الحزام الأخضر" حصلوا على أراضيه بمبالغ زهيدة، وتم تخصيصها لهم بالأمر المباشر في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، معتبرين أن السيسي يكافئ رجال الدولة بهذا القرار، في الوقت الذي يتحدث فيه وزير التموين الجديد، علي المصيلحي، عن تخفيض حصة الفرد من رغيف العيش من خمسة أرغفة يوميا إلى ثلاثة فقط.

من مبارك للسيسي

وكان تخصيص أراضي "الحزام الأخضر" بين قضايا الفساد التي يحاكم فيها وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان، وأربعة مسؤولين سابقين في هيئة المجتمعات العمرانية، بتهم الإضرار العمدي بالمال العام، وتسهيل استيلاء بعض رجال الأعمال على أراضي الدولة.
 
كما كانت أراضي "الحزام الأخضر" من بين الملفات التي أثارها رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، المستشار هشام جنينة، كدليل على "تفشي الفساد في عهد مبارك، وتخصيص تلك الأراضي لكبار رجال الدولة بالأمر المباشر"، وعن "تقسيمها بين أعضاء النيابة العامة ونادي القضاة والرقابة الإدارية، وشركات تابعة لجهات عليا".
 
 مدللو سيد الاتحادية

من جانبه، انتقد نائب رئيس تحرير جريدة المصريون، محمود سلطان، القرار، بقوله: "في حين يدفع النظام بقراراته الاقتصادية المصريين يوميا إلى جحيم الفقر، فإنه بجرة قلم من "سيد الاتحادية" يحيل "الكبار" و"المدللين"، وذوي المهن السيادية إلى مليارديرات".
 
وأضاف سلطان عبر صفحته الشخصية في فيسبوك، الأحد: "ستون ألف فدان وزعت على باشاوات المهن السيادية، أخذوها بالفدان ويبيعونها الآن بعد القرار الجمهوري بالمتر، ليصبحوا في غمضة عين من أصحاب الحسابات البنكية الأسطورية".
 
وفي مقال له بصحيفة الشروق الخميس الماضي، قال الكاتب الصحفي أشرف البربري: "القرار يعني ببساطة شديدة، تحول المئات من المحظوظين إلى مليارديرات في لمح البصر بعد أن تحولت رمال هذه الأرض التي حصلوا عليها بتراب الفلوس إلى ذهب".
 
يشتري الولاء

من جانبه، أكد المحلل السياسي عمرو خليفة، أن تحويل السيسي أراضي الحزام الأخضر للبناء، له جانب سياسي.

وأضاف خليفة لـ"عربي21": "أول أهداف السيسي، والأهم، هو بناء جبهة فاصلة لحماية شخصه في حال انفجار الغضب الشعبي كنتيجة مباشرة للكارثة الاقتصادية"، معتبرا أن"السيسي يشتري الولاء".
 
أما "الهدف السياسي" الثاني للسيسي، بحسب خليفة، فهو "محاولة شراء جبهة دفاعية ضد أي محاولات انقلابية محتملة"، مشيرا إلى "أن السيسي كرجل مخابرات سابق، يستخدم خبرته لقراءة الموقف"، وفق تقديره.
 
لكن خليفة رأى أن للمسألة جانبا آخر، يتمثل في "تجسيد ما يحدث من فساد بمجال الأراضي في العموم"، معلقا بقوله، بحسب التعبير الدارج: "حاميها حراميها"، على حد وصفه.
 
سلسلة لن تنتهي

وأكد الكاتب والمحلل الاقتصادي، ممدوح الولي، أن القرار يأتي بين "سلسلة من الإجراءات التي لا تتوقف لإرضاء الفئات العليا والمساندة للنظام"، معتبرا أن "السياسة الحالية تقوم في الأساس على استمالة الجهات السيادية وفئات الجيش والشرطة والقضاة؛ بإغداق المكافآت وزيادة الأجور وتقديم المزايا العينية".
 
وضرب الولي مثلا لعمليات الاسترضاء التي تتم لبعض الفئات، وقال لـ"عربي21": "إن مدينة "تحيا مصر" بالمقطم صوّرها الإعلام المصري على أنها الملاذ الآمن لسكان العشوائيات، وعند تسليمها أظهرت صور سكانها الجدد أنهم ليسوا من طبقة العشوائيات"، كما قال.
 
وأضاف: "بالبحث تم التأكد أنه تم تسليم مساكن "تحيا مصر" لأمناء الشرطة (رتبة أقل من الضابط)، مشيرا إلى "أنهم الحلقة التنفيذية الأهم في قطاع الأمن العام والسجون، التي يجب إرضاؤها والإغداق عليها".
 
ورأى الولي أن استراتيجية النظام في التعامل مع المشكلات الاقتصادية خاطئة، مشيرا إلى أن "تحويل تلك المساحات من الأراضي الطينية جيدة التربة، التي تنتج آلاف الأطنان من المحاصيل التي يحتاجها الشعب، تعد خسارة كبيرة في ظل عجز كلي في إنتاج المحاصيل، رغم أنه ليس لدينا البديل لتلك الأراضي"، وفق قوله.
 
من جهته، أكد البرلماني السابق طارق مرسي، أن "السيسي جاء ليعاقب الشعب على خروجه بالثورة مطالبا بالحرية والكرامة، ولأن الشعب تجرأ على مواجهة الفساد والفاسدين"، وتابع ساخرا: "ها هو السيسي يقنن الفساد ويحميه بقرار جمهوري"، بحسب تعبيره.
 
وأضاف لـ"عربي21" أن "السيسي يدير منظومة الانقلاب، وهو يعلم أن الفساد ركن أساسي في نظامه، ولا مانع عنده أن يكون هو نفسه ومؤسسات الدولة السيادية الراعي الرسمي للفساد"، مشيرا لعزل السيسي المستشار جنينة "لمجرد أن الرجل تصدى لبعض مظاهر الفساد".
 
وأكد مرسي أن "قرار البناء على أراضي الحزام الأخضر؛ يوضح أن السيسي يتعامل بوجهين: وجه بشوش للحيتان والمفسدين ويمنحهم المليارات، ووجه عابس كئيب للشعب المسكين، مع إصرار على "مفيش ومعنديش" لشعب أصبح أكثر من ثلثه تحت خط الفقر"، كما قال.
 
وطالب مرسي الإعلام "بتقصي الحقائق في من استفاد بهذا القرار"، مؤكدا أنهم "أسماء شركاء الانقلاب، وهيئة الرقابة الإدارية، ورموز القضاة وجنرالات الجيش والقائمة تطول"، وفق قوله.