كتاب عربي 21

السبسي.. المرزوقي ليس شماعة فشلك واقتربت ساعة المحاسبة

1300x600
مرت حتى الآن سنتان منذ صعود السبسي وحزبه إلى السلطة، وإمساكهم تحت عناوين "ائتلافية" و"وحدة وطنية" بمقاليد الدولة.

كان ذلك منذ حوالي عامين من الدعاية الفجة المليئة بالأكاذيب، على رأسها الادعاء المتواصل أنه مع مساعديه وبعكس أحزاب الترويكا خلقوا لقيادة أربع دول وليس دولة واحدة.

يجب أن نقر، بأنه نتيجة لسلسلة أخطاء وخطايا حكومة الترويكا، بقي السبسي ومن معه يقتاتون من شماعة الترويكا، خاصة من الشيطنة المسترسلة المنفلتة بحق الرئيس السابق المنصف المرزوقي.

غير أن ردة الفعل الفورية على الشبكات الاجتماعية المناهضة لهذا السلوك المتكرر، تحيل إلى واقع جديد، لم يعد من الممكن لهذه السلطة أن تستعمل الرئيس السابق شماعة لفشلها.

بدأت آخر حملة للشيطنة في نهاية الأسبوع الماضي، في مواقع وصفحات موالية للسبسي، اجتزأت عن عمد تصريحات للمرزوقي (في برنامج "المقابلة" على قناة "الجزيرة") تحدث فيها عن تأثر التونسيين بمنظومة الاستبداد والفساد، وشيوع منظومة لا أخلاقية في البلاد.

تأثير منظومة سياسية فاسدة على مجتمعها أمر بديهي ذكره حتى تقرير "لجنة تقصي الفساد والرشوة" سنة 2011.

وهذا لا يعني أن كل أفراد المجتمع فاسدون (فشباب تونسيون تربوا تحت هذه المنظومة، هم من قاموا بالثورة على هذه المنظومة في نهاية الأمر)، لكنه يعني هيمنة عقلية جماعية تأثرت بمنظومة الاستبداد والفساد. وهي عقلية ساهمت في تواصل الفساد، بعد سقوط منظومة الحكم.

ويعني أن الصراع الحقيقي سيكون حول ثقافتين وعقليتين، وأن هذا الصراع يستغرق وقتا أطول من الطفرات السياسية، فتاريخ الثقافة أبطأ بكثير من تاريخ السياسة.

الموضوع الحقيقي سياسيا في المقابل، هو تهرب منظومة الحكم الحالية وأنصارها إلى تصريحات رئيس سابق من أزمة حكمها وفشلها الذريع في كل شيء.

تهرّب الرئيس الحالي وأنصاره إلى شيطنة المرزوقي أو المربين أو اتحاد الشغل أو أي طرف آخر، المهم أن تجد واجهة تختفي وراءها أمام الضحالة القياسية في سياساتها وأدائها.

والأخطر، هو التجاء هؤلاء وبتحريض موقع إعلامي يملكه "مستشار أول" في القصر، إلى التحريض والحشد للتهجم على المرزوقي في منزله، وتهديد أمنه الشخصي، وهو المهدد أساسا من قبل المجموعات الإرهابية، مثلما تؤكد تقارير أمنية.

هذا "المستشار الأول" نفسه، الذي بالمناسبة لا يملك أي شهادة جامعية في سيرته الدراسية، ويتهمه معارضون سابقون أنه كان مخبرا لدى البوليس قبل الثورة، وهو مؤشر آخر على "الكفاءات" المميزة لهذه السلطة، متهم في قضية عالقة في المحاكم، تخص فبركة تصريحات سابقة للمرزوقي أيضا. 

لنستعرض بعض المعطيات التي تم نشرها في الأسبوع الماضي فقط، الدالة على فشل أداء السلطة الحالية، التي تحاول في المقابل تصدير مشاكلها إلى خصومها، والاختفاء وراءهم:
 
- رئيس هيئة مكافحة الفساد، شوقي الطبيب، يعلن تواصل تعرض المبلغين على الفساد إلى المضايقة والوقت ذاته،تسعى الحكومة إلى تعطيل مناقشة قانون يحمي المبلغين عن الفساد في البرلمان.
 
- بحسب المعهد الوطني للاستهلاك، ارتفعت تكلفة قفة التونسي بقيمة 14 دينارا، في ظرف أربعة أشهر من 48 دينارا في تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 61 دينارا في شهر شباط/ فبراير.

وفي السياق ذاته، حمل اتحاد الفلاحة، الذي شارك في صياغة "وثيقة قرطاج" -أي الأرضية التي تقوم عليها الحكومة الحالية- المسؤولية للسلطة فيما يخص ارتفاع الأسعار من "خضر" (الطماطم الفلفل)، واعتبر أنها ناتجة عن شح في مياه الري، بسبب تجاهل السلطة القيام بأي استراتيجيات في معالجة هذا الشح، وركزت فقط على مياه الشرب.

وفي هذا السياق، أعلن مسؤولو الاتحاد عن "أسبوع الغضب الفلاحي"، إذ سيمتنعون عن جني المنتوجات الفلاحية وجمعها، وعن تزويد الأسواق بأي منتوجات، احتجاجا على أداء الحكومة الراهن تجاه القطاع الفلاحي، رغم أن هذا القطاع كان مصدر فائض مالي ساهم في تقليص العجز في الميزانية.
 
- قاضية الأطفال ليلى عبيد: 80 في المئة من جرائم الطفل تقع داخل المدارس وفي محيطها الخارجي، وتعتبر أن ذلك نتيجة مباشرة لتخلي الدولة عن دورها في حماية الأطفال.

- تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر بداية الأسبوع، يتحدث عن عودة التعذيب المنهجي منذ سنة 2015، أي إثر صعود السبسي وحزبه إلى السلطة، وهو ما يتزامن مع تضييقات السلطة التنفيذية على عمل الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب.

فيما يلي مقتطف من التقرير تحت عنوان "انتهاكات حقوق الإنسان في سياق حالة الطوارئ في تونس":
"يتضمن هذا التقرير تفاصيل 23 حالة تعذيب، وغيرها من أشكال المعاملة السيئة، وقعت منذ كانون الثاني/ يناير 2015 على أيدي الشرطة، والحرس الوطني، وفرقتي مكافحة الإرهاب.

وأبلغ الضحايا وأفراد أسرهم منظمة العفو الدولية، بأنهم تعرضوا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة لإكراههم على الإدلاء "باعترافات"، أو تجريم آخرين، أو كعقاب في مراكز الاحتجاز.

وكانت أساليب التعذيب الأكثر ورودا في إفادات الضحايا: الضرب بأدوات مثل العصي والخراطيم المطاطية، والتهديد بالاعتداء الجنسي على المحتجزين أو أفراد أسرهم، واستخدام الأوضاع الجسدية المؤلمة مثل وضع "الفروج المشوي"، أو الإجبار على الوقوف لفترات مطولة، فضلا عن الصعق بالصدمات الكهربية، والحرمان من النوم، وصب الماء البارد على المحتجزين.

ووثقت منظمة العفو الدولية حالة اغتصاب واحدة، ومزاعم معتقل سابق قال إنه شاهد رجلا آخر يتعرض للاغتصاب".
 
-أخيرا وليس أخيرا، استقبال رئيس الجمهورية حامي الدستور للحبيب عمار، أول وزير داخلية في حكومات المخلوع بن علي الصادرة في شأنها بطاقات جلب متواترة من قبل المحكمة العسكرية، على خلفية اتهامات بالتورط في التعذيب المؤدي للقتل سنة 1988.

ومثلما أشار الأستاذ أحمد الرحموني رئيس مرصد القضاء، "فإن التقارير الوطنية والدولية تؤكد أن مقر وزارة الداخلية قد تحول في فترة إشرافه عليها إلى مركز للإيقاف والتعذيب. كما تم في أيلول/ سبتمبر 2003 تتبعه والمطالبة بإيقافه لدى القضاء السويسري، من المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب (التي يوجد لها فرع في تونس) إلى جانب بعض ضحاياه.

وآلت الإجراءات إلى حفظ التتبع ضده من الوكيل العام في منطقة جنيف في سويسرا لتمتعه بالحصانة.

رئيس الجمهورية الذي من المفترض أن يكون حاميا لدولة القانون والمؤسسات، يستقبل في قصر الجمهورية فارا من العدالة، بما يضفي عليه حماية إضافية.
 
حتى وهم في السلطة، يتصرفون كأن المرزوقي هو الذي يحتاج للحساب، وهو الذي يستوجب الحشد في الشارع.

إلا أن الوضع تغير، والتونسيين ملوا من السلوك الصبياني لهذه السلطة في التخلي المتواتر عن مسؤولية الحكم، والتضخيم المتواتر لتصريحات رئيس سابق، ومعارض في نهاية الأمر. انتهت شماعة المرزوقي وجاء وقت الحساب.