كتاب عربي 21

إيران تختبر إدارة ترامب مبكرا

1300x600
خلال بضعة أيام فقط، قام النظام الإيراني بإجراء تجربة لصاروخ بالستي متوسط المدى (شهاب-3) كان قد طوّره بالاستعانة بتكنولوجيا كورية شمالية، ثم تبع ذلك تنفيذ مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا لهجوم إرهابي ضد قطعة بحريّة سعودية، وقد تم تصوير الهجوم الإرهابي وبثّه باتباع الأسلوب التقليدي للمليشيات المدربة من قبل الحرس الثوري الإيراني وتحديدا كبروبغندا حزب الله اللبناني.

ردّ إدارة ترامب كان سريعا وقويا عبر مستشار الأمن القومي مايكل فلين الذي وجّه تحذيرا رسميا لإيران، تلا ذلك تغريدات للرئيس ترامب تصب في نفس المسار، لكنّ الجانب الإيراني رد على الرد أيضا، فحرص أن ينفي الاتهامات الموجّهة إليه، ثم سرعان ما انتقل إلى مستوى أعلى حيث قال علي أكبر ولايتي، مستشار  المرشد علي خامنئي، بأنّها ليست المرة الأولى التي يقوم بها شخص يفتقد إلى الخبرة بتهديد إيران، وأنّ على الجانب الأمريكي أن لا يطلق التهديدات الفارغة وأن يعي أنّ إيران أكبر قوّة في المنطقة.

لم تكن التجربة الصاروخية الإيرانية اعتباطية بطبيعة الحال سواء لناحية التوقيت أو المضمون. وعلى الرغم من التقارير التي أشارت إلى أنّ التجربة الصاروخية فشلت عمليا، فإنّ هدف النظام الإيراني كان إختبار موقف إدارة ترامب من هذا الموضوع الشائك والمرتبط بشكل أو بآخر بالاتفاق النووي الذي عقده أوباما مع نظام الملالي سابقا.

يجادل البعض بأنّ إدارة ترامب كانت قد أعلنت موقفها المتشدد من الاتفاق مسبقا، وأنّه لا مصلحة إيرانية في استفزاز هذه الإدارة أو إعطائها ورقة للضغط على إيران لاحقا. لكن في حقيقة الأمر، من يفهم النظام الإيراني جيدا، يدرك أنّه لا ينظر إلى الأمر بهذا الشكل. 

النظام الإيراني يعتبر أن سكوته في هذا التوقيت بالتحديد قد يُفسر من قبل إدارة ترامب على أنه ضعف ما يشجّعها على اتخاذ قرارات تصعيديّة سريعة، ولذلك فهو يفضّل إجراء التجربة الصاروخية ليقول بأنّه لن يتراجع عن هذا المكسب بالتحديد، على اعتبار أنّ هذه النقطة ستكون مكمن الاشتباك الأول بين الطرفين في الاتفاق النووي.

أضف إلى ذلك، أنّ النظام الإيراني يسعى من خلال التجربة الصاروخية إلى إحداث انشقاقات في الموقف الدولي بين مؤيد لترامب ومعارض له، وهذا سيساعد نظام الملالي على معرفة مدى تجاوب الدول الأخرى مع الإدارة الأمريكية حول نشوب نزاع بين الطرفين.

روسيا على سبيل المثال قالت بأنّ التجربة الإيرانية لا تخرق الاتفاق النووي، وأنّ فرض أي عقوبات جديدة على إيران قد يعقّد تطبيق الاتفاق النووي. لا بدّ أنّ إيران تعتقد أيضا بأنّ الموقف الصيني سيكون مماثلاً للموقف الروسي، أمّا الاتحاد الأوروبي فلديه مصالح مع إيران، وقد يؤثر ذلك على موقفه النهائي، ما يعني أن إدارة ترامب قد تجد نفسها وحيدة في هذا الموقف التصعيدي وفقا للحسابات الإيرانية.

وفق التبريرات الإيرانية الدائمة، فإن التجربة الصاروخية الأخيرة كما غيرها من التجارب تصب في الخانة الدفاعيّة، وبالرغم من هذا  الإدّعاء، لم تكتف إيران بهذه الخطوة، وسرعان ما اتبعتها بخطوة هجومية تمثّلت في استهداف الحوثيين لسفينة سعودية. لا يوجد أحد لا يعلم بأنّ إيران تحاول منذ أكثر من عقد من الزمان أن تقول بأنّها قادرة على إغلاق مضيق هرمز  وعلى إيقاع خسائر مؤلمة بالقوى المتواجدة هناك بما في ذلك البحرية الأمريكية من خلال  استراتيجية لاتناظريّة.

هذه الخطوات تشير إلى أن إيران تريد أن تقول بأنّها "لن تتراجع، وإذا ما حاولتم استخدام القوة، فإن النتيجة ستكون مؤلمة"، ويهدف هذا التصعيد إلى دفع الإدارة الأمريكية إلى التفكير جيدا قبل اتخاذ أي قرار متسرّع، وبمجرّد حصول مثل هذا الأمر تكون الإدارة الأمريكية قد خضعت لردع "سيكولوجي" على الأقل، وهذا ما يريده النظام الإيراني بالضبط.

لكن، من قال بأنّ إدارة ترامب إدارة عقلانيّة وتخضع لنفس منطق الحسابات الذي تحاول إيران فرضه؟

ولايتي اعترف بنفسه بأنّ ترامب إنسان يفتقد إلى الخبرة، ولذلك، فإن الاستنتاج الذي من الممكن أن نخرج به من هذه المعطيات يقول بأنّه إذا  كان هناك من جهة على إيران أن تخشاها فهي "الجهة غير العقلانية وغير الخبيرة". في المقابل، وحتى لا تفقد إدارة ترامب مصداقيتها في هذا الملف بالتحديد، سيكون من المهم بمكان أن تجعل أفعالها أقوى وأكثر وضوحا من أقوالها على الدوام، فالنظام الإيراني في نهاية المطاف لا يستجيب بشكل جيّد للكلام ولكنه يستجيب بشكل فعّال للأعمال.