كتاب عربي 21

ترامب المستعرِب.. يا هلا بالضيف

1300x600
ارتجفت الكرامة العربية عن بُعد رفضا لدخول قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "العنصري" حيز التنفيذ. والقرار يقضي بتعليق دخول المواطنين من ست دول عربية إلى جانب إيران أراضي الولايات المتحدة، وذلك في خطوة تأتي ضمن إجراءات "التدقيق الشديد" التي دعا إليها ترامب خلال حملته الانتخابية.

على الأرض في الولايات المتحدة كان هناك أمريكيون يرفضون القرار دون نفاق، بوعي وصدق وانسجام مع الذات والقيم التي ربّوا عقولهم عليها. هؤلاء الأمريكيون توزعوا أفقيا وعموديا داخل المؤسسات الدستورية وخارجها، فسارت التظاهرات الشعبية وتمرد قضاة وأُقيلت وزيرة وأعلن حكام ولايات تباينهم مع مسار العهد الجديد انسجاما مع الوعد الأمريكي، مثلما عبّر حاكم ولاية نيويورك آندرو كومو الذي خاطب ترامب مذكرا بأن الأمريكيين ليسوا في الأساس إلا جماعات المهاجرين.

في الفضاء العربي بدت الكثير من المواقف متطابقة مع شخصية "شعبولا"، شعارات فضفاضة وثورية، تتهم ترامب بذاته حينا والغرب المسيحي أحيانا بانتهاك حقوق الإنسان ومن ضمنها حرية التنقل والإقامة، على أسس دينية وعرقية.

يحق لآندرو كومو أن يتهم ترامب بالعنصرية. لكن هل يحق لعراقي منَع عراقيا آخر من عبور جسر "بزيبز" هربا من حرب داعش والحشد، وتَركه لأيام في العراء، بالتشدّق حول الطائفية في أمريكا؟

هل يحق للبناني يكتب على جدران بيروت "السوري عدوّك.. اطرده" و"ما بدنا شعب بلبنان إلا الشعب اللبناني" أن يعترض على وضع أمريكا حدا لتدفق الهجرة العربية إليها؟

هل يحق لخليجي أن يعترض على رفض استقبال أمريكا بعض الجنسيات، ومطارات الخليج تمنع أكثر من ذلك بكثير لكن دون قرارات معلَنة؟ وهل يحق لمصري يوافق على خنق مليونَي فلسطيني في قطاع غزة أن يعاين نقص الأوكسيجين في الولايات المتحدة؟

هل يحق لعربي يرفض تسمية قرية كردية باسمها الكردي أن يفحص دماء دونالد العنصرية؟ كيف يعيش الأمازيغ والنوبيون والتركمان بيننا، ووفق أي تصنيف على سلّم الدرجات؟ أيها أكثر حضارية، الشروط العربية للحصول على الجنسية، أم شروط الدول العظمى في أميركا الشمالية وأوروبا وأستراليا؟

إن السياسات الأمريكية السوداء تجاه الشعوب العربية منذ عشرات السنين، لا تجعل من قلوبنا بيضاء ولا تنظّف أحقادنا ولا تنظم طريقة تفكيرنا التي تحتاج إلى ورشة قومية شاملة لتتحول من وقوعنا تحت تأثير العواطف المتقلّبة، إلى تبني عقولنا لقيم سادت عندما وقرت في القلوب وصدّقتها الأعمال.

وعليه فبدل أن يرشق العرب ترامب بحجر فليمنحوه عضوية فخرية في نادي زعمائهم المعاصرين، لأنه يستعرِبُ بغير قصد ويحاول تقليدهم، وما زالت الطريق طويلة أمامه ليبلغ ما وصلوا إليه، لكننا نستطيع أن نقول له منذ الآن.. يا هلا بالضيف.