ملفات وتقارير

بعد مصادقة البرلمان.. هل اعترف المغرب بجبهة البوليساريو؟

مجلس النواب الغرفة الأولى بالبرلمان المغربي ـ أرشيفية
فتحت مصادقة البرلمان المغربي بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين) على القانون الأساسي للاتحاد الأفريقي، المجال لجدل واسع بالمغرب بسبب ما يصفه البعض باعتراف الرباط بجهة البوليساريو الانفصالية.

ولم يحظ القرار المغربي بالانضمام إلى الاتحاد الأفريقي بالإجماع من طرف الباحثين الدستوريين والسياسيين، خلافا لما كان عليه الأمر بالنسبة للبرلمان.

وبلغت ذروة الخلاف عندما اعتبر باحثون أن المصادقة على القانون الأساسي للاتحاد الأفريقي مناقض للدستور المغربي، فيما سجل آخرون أن جبهة البوليساريو ليست المستفيد الأول من انضمام المغرب للاتحاد الأفريقي.

اعتراف غير مباشر

يرى عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن المادتين الثالثة والرابعة من قانون الاتحاد تزكيان القول بـ"اعتراف غير مباشر للمغرب في حال عودته بما تعلنه جبهة البوليساريو من جمهورية".

وأضاف العلام في تصريح لـ"عربي21"، أن "المادة الثالثة من قانون الاتحاد الأفريقي تنص على الدفاع عن السيادة على الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها، بينما تنص المادة الرابعة على المبادئ، ومنها المساواة والترابط بين الدول الأعضاء في الاتحاد، واحترام الحدود القائمة منذ الاستقلال، وتسوية الخلافات بين الدول الأعضاء في الاتحاد بوسائل مناسبة".

وأوضح أن "المادة الرابعة من قانون الاتحاد الأفريقي، تنص أيضا على ضرورة الاعتراف بالحدود القائمة عند نيل الاستقلال، مما يعني أن المغرب عليه أن يعترف فقط بحدوده التي كانت قائمة سنة 1956، والتي كانت لا تضم الكثير من الأراضي الجنوبية".

وأفاد العلام أن "الاتحاد الأفريقي يساوي بين هذه الأخيرة وبقية الدول الأعضاء، كما أن قانون الاتحاد يشترط كذلك على المغرب احترام الحدود التي نالها بعد استقلاله عن فرنسا عام 1956".

وأوضح أن "قرار المغرب بالانسحاب عام 1984 كان صائبا، في حين يطرح طلب العودة إشكاليات من قبيل جلوس ممثلي البوليساريو إلى جانب ممثلي المغرب في الاجتماعات الداخلية وفي هياكل الاتحاد كالبرلمان والمكتب التنفيذي، ممّا يخالف بنود الدستور المغربي الذي يشدّد على احترام الوحدة الترابية للمملكة".

وسجل أن "عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي ستكون سهلة بما أن جبهة البوليساربو والجزائر ترحبان بهذه العودة باعتبارها تخدم مشروعهما داخل الاتحاد الأفريقي، القاضي باستدراج المغرب إلى اعتراف غير مباشر بالبوليساريو".

واعتبر أن "حديث الرباط عن تحقيق أغلبية من الدول المرحبة بانضمامه إلى الاتحاد الأفريقي، لا يمكن البناء عليه للقول بأن هذه الدولة هي نفسها ترفض بقاء جبهة البوليساريو الانفصالية عضوا في الاتحاد الأفريقي".

وشدد على أن "هناك فرقا بين رغبة أغلبية الدول في انضمام المغرب، واستعدادها العمل على إخراج البوليساريو من الاتحاد الأفريقي، لأن ذلك يعني الدخول في مواجهة دبلوماسية مع دول كبرى أفريقيا كالجزائر وجنوب أفريقيا".
 
وأفاد أن "هناك العديد من مواد القانون الأساسي للاتحاد الأفريقي تخالف الدستور المغربي، سيما فيما يتعلق بقضية الوحدة الترابية"، مشيرا إلى أن "بنود الاتحاد تنص على ضرورة الدفاع عن وحدة الدول الأعضاء، وهذا يعني أن المغرب ملزم بالدفاع عن وحدة كل الأعضاء بما في ذلك البوليساريو لأنها أيضا عضو في الاتحاد".

لا اعتراف بالانفصاليين

وعلى النقيض من طرح العلام، قال عبد الرحيم منار السليمي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، ورئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، إن مصادقة المغرب على القانون الأساسي للاتحاد الأفريقي لا يعني أبدا الاعتراف بالانفصاليين.

وتابع منار السليمي في تصريح لـ"عربي21" حول "الاعتراف والحدود الموروثة عن الاستعمار المستعملان من طرف دعاية البوليساريو والجزائر في مواجهة عودة المغرب للاتحاد الأفريقي".

وأضاف السليمي: "جبهة البوليساريو والجزائر تروجان إطار حرب إعلامية ضد المغرب تستعملان فيها قضية (الاعتراف) و(الحدود الموروثة عن الاستعمار) في ادعاءاتهما بخصوص عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي".

وأوضح أن "عودة المغرب للاتحاد الأفريقي بوجود البوليساريو لا تعني نهائيا الاعتراف به لكون نظرية الاعتراف تتضمن شقين، الشق الأول يسمى الاعتراف التصريحي والشق الثاني يسمى الاعتراف التأسيسي".

وأفاد أن "الجزائر إلى جانب القدافي قاما بتأسيس البوليساريو والاعتراف به بطريقة منفردة وأدخلاه إلى منظمة الوحدة الأفريقية وقاما بفرضه على مجموعة من الدول الأفريقية".

وزاد بأن العديد من الدول المساندة للمغرب ظلت حاضرة ضمن منظمة الوحدة الأفريقية وبعدها الاتحاد الأفريقي دون الاعتراف بالبوليساريو، لذلك يجب التمييز بين العضوية في منظمة من جهة وقضية الاعتراف بمن فيها من جهة أخرى، فالأمر يتعلق بموضوعين مختلفين".

وسجل أن "المغرب يسعى اليوم بعد حصوله على أغلبية تضمن له العودة للاتحاد الأفريقي إلى قيادة معركة دبلوماسية أكبر من داخل الاتحاد وهي الحصول على 36 دولة من داخل الاتحاد الأفريقي تسحب الاعتراف من البوليساريو لتعليق عضويته".

وفي مستوى آخر أضاف السليمي: "بخصوص قضية الحدود الموروثة عن الاستعمار، فالأمر يتعلق بمبدأ سياسي وليس قانونيا، أثار صراعات داخل منظمة الوحدة الأفريقية في لحظة تأسيسها، كما أثار صراعات داخل التنظيم الإقليمي لدول أمريكا اللاتينية".

وشدد: "يجب الانتباه إلى أن هذا المبدأ السياسي يوجد في تناقض تام مع مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، فمبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار استعمل من طرف بعض الدول الأفريقية للحد من مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، لذلك يمكن ملاحظة أن الجزائر والبوليساريو توجدان في وضعية تناقض صارخ بين المطالبة بحق الشعوب في تقرير مصيرها أمام الأمم المتحدة والمطالبة بتطبيق مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار في الاتحاد الأفريقي".

المغرب المستفيد الأكبر

وعلى مستوى ثالث يرى خالد يايموت أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، والباحث في الشؤون الاستراتيجية، أن "جبهة البوليساريو الانفصالية ليست المستفيذ الأول من انضمام المغرب للاتحاد الأفريقي".

واستعرض خالد يايموت في تصريح لـ"عربي21"، عناصر عدم استفادة البوليساريو قائلا: "أولا: المتابع للسياسة الخارجية المغربية التي شهدت تحولا كبيرا منذ 2007، يمكنه القول إن المغرب الحالي ليس لديه أي مشكل عملي في التواصل المباشر مع جبهة البوليياريو برعاية دولية؛ وللتذكير فقد كان أول لقاء حقيقي ووازن بين البوليساريو وممثل المؤسسة الملكية بمدينة مكة بالعربية السعودية بداية الثمانينات من القرن العشرين، وللتذكير كذلك فإن لقاء مراكش المباشر مسجل في ذاكرة الملك محمد السادس".

وأضاف يايموت: "اليوم يبدو أن عوامل السياسة الدولية تسير نحو خلق توترات عنيفة أي الحرب المدمرة، أو خلق حلول تعايش مجتمعي مؤقتة تمهد لحروب مستقبلية، ومثال ذلك تيمور الشرقية وجنوب السودان".

وأوضح في ثاني الاعتبارات أن "المغرب اليوم يربح أكثر مما يخسر بناء على نظرية القانون الدولي، لأنه من جهة صادق على القانون التأسيسي للاتحاد وهو اعتراف بكل دوله، لكن هذا الاعتراف حبيس منظمة قارية، واتحاد شهد سحب دوله المنضوية تحته للاعتراف بالجمهورية الصحراوية المعلنة من طرف البوليساريو، وهذا يعني أن الاعتراف هنا محكوم بقواعد مسطرية".

وأفاد من جهة أخرى: "في 20 سنة الماضية شهدت قواعد القانون الدولي تطورا كبيرا وتحولا جوهريا سواء تعلق الأمر بالفقه الدولي واجتهادات خبرائه المعينين ضمن اللجان السياسية والإدارية التي تنشئها الأمم المتحدة، أو الفقه المستقل عنها؛ كما أن القضاء شهد نفس المسار".

وزاد: "من جهة ثالثة ولو حصرنا الحديث حول كلمة تقرير المصير مثلا فسنجد أنفسنا اليوم أمام فقه وقواعد قانونية تقول إن تقرير المصير حكم محلي مبني على مؤسسات شعبية محلية، وتخضع لدستور مركزي وقضاء محلي محكومة بقضاء مركزي، وفقا لقواعد دستورية تنظم استقلالية المؤسسات وتحدد تراتبيتها".

ثالث الاعتبارات حسب يايموت: "هناك تحولات دولية معقدة يطول الحديث عنها، لكنها ليست بالتأكيد في صالح البوليساريو ولا المغرب بل هي دينامية لصراع مصالح حول البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء".

وزاد: "المشكل بالنسبة لكل هذه التحولات أن حركات التحرر الوطني والحركات الانفصالية العنيفة مثل البوليساريو لا يمكنها أن تكون منظمة مستقلة أمام التفاعلات الدولية لما بعد القطبية الواحدة؛ رغم ظهور وحدات جديدة في المنتظم الدولي كالصين والهند ومنظمة بريكس وغيرها".

وسجل أن "المشكل الذي يجب الانتباه إليه إذن هو استقلالية البوليساريو عن الجزائر بعدما فقدت ليبيا القدافي إقليميا، هذا الاستقلال أو البحث عنه هو النقاش الجوهري الذي يجب خوضه فقبل الحديث عن الجغرافية والأرض، فلا يمكن خلق تقدم شامل لحقوق الإنسان دون تقدم في استقلالية البوليساريو عن الخارج وولائها لدينامية الداخل الصحراوي".

وشدد على أن "هذه الاستقلالية بدأ يبحث عنها المغرب بشكل جدي اليوم، وعلى كل من يبحث عن الحل المساهمة في خلق أكبر استقلالية ممكنة للبوليساريو عن الجزائر وعن السياق الصراعي الدولي الذي يخلق حروبا تشهد فظائع إنسانية".

وصادق البرلمان المغربي بغرفتيه على طلب انضمام المغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي، الأسبوع الماضي، في انتظار أن تشرع الرباط في المؤتمر المقبل للاتحاد الأفريقي في وضع الطلب رسميا لدى المنظمة القارية.

هذا وتبقى العودة المرتقبة للمغرب إلى الاتحاد الأفريقي، محفوفة بالمخاوف من الاعتراف بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" التي تعلنها جبهة البوليساريو، إذ رغم عدم اعتراف الأمم المتحدة بها، فالاتحاد الأفريقي يعتبرها دولة عضوا.