قضايا وآراء

البنوك التشاركية المغربية بين التحامل والتفاؤل

1300x600
سأل أحد المغاربة في العام 2006 فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي عن الاقتراض بفائدة من البنوك التقليدية لعدم وجود بنوك إسلامية بالمغرب فتبنى فضيلته فتوى المجلس الأوربي للإفتاء الذي أجاز برئاسة فضيلته للأقليات المسلمة في أوربا شراء بيوت للسكن عن طريق القروض المصرفية معتبرا أن هذه الفتوى تنطبق على الأخوة بالمغرب ما دامت الأبواب مسدودة أمامهم لامتلاك بيت بطريق غير طريق البنك.

ورغم ما اندرج على هذه الفتوى من جدل سياسي وديني في المغرب وقتها، ولكن قصة هذه الفتوى تؤرخ لما كان الوضع عليه في المغرب وما آل إليه الحال من إقرار للبنوك الإسلامية أو التشاركية بالمغرب.

إن هذه الواقعة تكشف النعمة التي أنعم الله بها على أهل المغرب وتحول الحلم إلى حقيقة من خلال مصادقة البرلمان المغربي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، على مشروع قانون البنوك التشاركية (الإسلامية)، ودخول القانون حيز التنفيذ، بعد نشره بالجريدة الرسمية، في يناير/ كانون أول عام 2015.

لقد كان صدور هذا القانون إيذانا بتوفير البدائل الإسلامية في المعاملات المصرفية التي يحتاج إليها آهل المغرب في واقعهم المعاصر، ومن ثم رفع الحرج عنهم في ما يتعلق بهذا الجانب، فضلا عن تنمية الوعي الادخاري وتشجيع الاستثمارات، وتصحيح وظيفة النقود بكونها أداة يتاجر بها لا فيها بعيدا عن كبيرة الربا، إضافة إلى الإسهام في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب.

وقد شهدت بدايات هذا الشهر صدور قرار البنك المركزي المغربي بالموافقة على الترخيص لخمسة بنوك تشاركية لمزاولة نشاطها، وذكر بيان البنك المركزي بذات الخصوص أن "إطلاق المنتجات المالية الإسلامية، سيتيح استكمال وتعزيز العرض من المنتجات التي يقدمها القطاع المصرفي، وضمان انفتاحه على سبل أخرى للتمويل". ولكن ما إن صدر هذا البيان حتى اشتد وطيس الأصوات ما بين متفائل ومتحامل بالترخيص للبنوك التشاركية. 

فخرج علينا ما بين متحامل أو جاهل برسوم وكتابات تسخر من البنوك التشاركية مدعين أنها لا فرق بينها وبين البنوك التقليدية وهذا القول جانبه الصواب فهناك نحو 20 اختلافا بين البنوك الإسلامية والتقليدية سطرتها في كتابي أساسيات العمل المصرفي الإسلامي فالبنك التشاركي يختلف في نظامه وطبيعة عمله عن البنك التقليدي فيكفيه أنه يتعامل مع متعامليه غنما وغرما وليس من خلال ربح مضمون كما أنه لا يستثمر في محرم بعكس البنك التقليدي الذي لا يهمه الحلال أو الحرام ما دام ذلك في إطار القانون الوضعي.

كما أن من يرددون مثل هذا الكلام ليس كلامهم مستحدثا فقد ردده المشركون من قبل وسطر ذلك القرآن الكريم في سورة البقرة في قوله تعالي (وأحل الله البيع وحرم الريا) فشتان ما بين بيع النقد بالنقد بزيادة وهو الربا الذي حرمه الله تعالى وبين البيع الذي يتم فيه بيع سلعة بنقد حتى ولو كان بزيادة. فالأول يخرج النقود عن وظيفتها كوسيط للتبادل ومقياس للقيم وحفظ الثروة وتسوية الديون والالتزامات ومن ثم تحويل النقود لسلعة تباع وتشتري مما يفسد على الناس حياتهم الاقتصادية ويصيب الاقتصاد بأمراض التضخم والبطالة والكساد والاحتكار والجشع وغيرها. أما بيع السلع بنقد فهو يؤدي إلي زيادة معدل دوران السلع نتيجة زيادة الطلب عليها، مما يزيد من المنافسة بين الشركات وهو الأمر الذي يندرج أثره الإيجابي علي المجتمع من ناحيتين: الأولى: توفير السلع للمستهلك بسعر أقل وجودة أعلى، والثانية: التوسع في المشروعات الٌإنتاجية ومن ثم تشغيل عمالة إضافية وعلاج مشكلة البطالة، وزيادة القيمة المضافة.

إن الذين يتحاملون على البنوك التشاركية قبل أن تفتح أبوابها ليس غريبا عليهم ذلك فالعهد بهم أنهم مرضى بالإسلاموفوبيا حتى لو تسموا باسمنا ظاهرا وتمرغوا في وحل العلمانية والشيوعية باطنا وظاهرا. أما العيب الأكبر على من يردد كلام هؤلاء بجهل ولو أنهم كلفوا أنفسهم عناء البحث والتحري ما وقعوا في ما وقعوا فيه.

أما المتفائلون فمن حقهم أن يفرحوا بهذا المولود الجديد، مع أهمية العقلانية في الطرح والسلوك، فالبنوك التشاركية ليست دولة ومن ثم لا يمكنها بناء اقتصادا وحدها، كما أنها ليست جمعية خيرية وإن كان العمل الخيري من صميم عملها، فهي بنوك تهدف للربحية مع المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية سواء بسواء، وسعيها لتحقيق الربح يتفق ومقصد حفظ المال كمقصد من المقاصد الكلية الشرعية، ولا يمكن بغير الربح أن يمارس البنك نشاطه فمن خلال الربح يقبل المساهمون على شراء أسهم البنك، والمودعين على إيداع أموالهم فيه، ويفتح البنك أبواب الرزق لبيوت العاملين فيه من خلال استمرارية عملهم وعدم تسريحهم وإنهاء خدماتهم.

كما أن المتفائلين عليهم أن يعذروا الجاهلين لما لمسوه من تجارب سيئة لبعض البنوك الإسلامية، مع التأكيد على أن البنوك الإسلامية هي تجربة بشرية القائمين عليها بشر منهم المحسن ومنهم المسيء، ولا يمكن محاكمة تجربة تلك البنوك ببعض سلوك أبنائها سواء أكانوا عاملين آو رقباء شرعيين أو مديرين.

وختاما أتمنى للبنوك التشاركية المغربية أن تبتعد كل البعد عن تقليد البنوك التقليدية وتستفيد من أخطاء من سبقها من البنوك الإسلامية في الدول الأخرى، وأن توازن بين التمويل بالمداينات والتمويل بالمشاركات، بين تمويل السلع الإنتاجية والسلع الاستهلاكية، وتضع نصب أعينها المساهمة في تنمية الاقتصاد المغربي وفق الضروريات والحاجيات والتحسينات بعيدا عن الوقوع في سجن السلع الاستهلاكية، وأن تنجو بنفسها من فقه الحيل الشيطانية من تورق منظم وغرامات تأخير ونحوها وأن لا تتخذ بعض أراء المالكية في المعاملات ذريعة للوقوع في الحرام، خاصة وأن المالكية ممن يقولون بسد الذرائع.