قضايا وآراء

البيعة للإسلام لا الإخوان!!

1300x600
في مسيرتنا الدعوية أخطاء - نتجت بلا شك – بسبب غياب الفقيه المتمرس عن سدة القيادة والتوجيه، ووظفت بحسن نية بعض المصطلحات، وبعض النصوص الشرعية التي نزلت في حالات عامة، لتنزل على حالات تنظيمية لا تمت للنص الشرعي المنزل عليها بصلة، وتم الخلط بين الأهداف الثابتة، والوسائل المتغيرة، مما أصاب البعض بالتشدد تجاه من يخالفه، أو يترك تنظيمه، أو جماعته، أو حزبه، ومن هذه المسائل الخطيرة قضية (البيعة) في جماعة الإخوان المسلمين، هناك مجموعة مراجعات شرعية ينبغي أن تتم حول (البيعة)، فما مكانة (البيعة) للجماعة من الدين، وهل هي البيعة التي وردت في نصوص الشرع، وأن من مات ولم يبايع مات ميتة الجاهلية؟! وما حكم مخالفة هذه البيعة إذا استقر في ضمير الإنسان ما يخالف توجه الجماعة في أمر ما؟ وهل تنوب الجماعة عن الإمام ونائبه في الحكم الشرعي؟ وأخيرا: هل الجماعة هدف أم وسيلة؟ 

البعض للأسف ينظر للبيعة وكأنها بيعة الإسلام، ناسيا أن الإخوان يلحون في أدبياتهم على قولهم: نحن جماعة من المسلمين، ولسنا جماعة المسلمين، والوقوع في الخلط بين بيعة أفراد الجماعة للتنظيم وبين بيعة الإسلام، خلط خطير جدا، يصل أحيانا إلى الحديث عمن يترك التنظيم، سواء مفصولا، أو منسحبا، أو مغاضبا له، أو مختارا لفصيل آخر أقرب إلى تفكيره وتحمله وطاقته، فترى التعليق من البعض على هذه الحالة: نسأل الله الثبات. رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما دعا بالثبات كان بهذا الدعاء: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، فالثبات على الدين، لأنه أكبر وأسمى هدف يسعى الإنسان لتحقيقه، أما الجماعات والأحزاب وغيرها فهي وسائل فقط، ولا تصل بحال من الأحوال إلى أن تكون هدفا.

أما عن بيعة الجماعات، فهي أشبه ما تكون بعهد، يقطعه الإنسان على التعاون مع الجماعة في البر والتقوى، وعلى عمل الخير، وعلى الوسيلة، التي يصلح بها دنيا الناس، وتستقيم بها طاعتهم، وليست البيعة للجماعات هنا هي البيعة التي للحكام، ولا البيعة التي للإسلام.

ومصطلح (البيعة) الوارد في أحاديث نبوية كثيرة، والتي يتم توظيفها في طاعة الحاكم حتى عند انحرافه، مستخدمة ضد معارضيه معارضة سلمية شرعية، أو للطاعة للجماعات الإسلامية، فالأحاديث التي تتحدث عن البيعة، مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من مات على غير طاعة الله مات ولا حجة له، ومن مات وقد نزع يده من بيعة كانت ميتته ميتة ضلال".

ينسى هؤلاء أن (البيعة) التي يتحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم هنا هي (البيعة) التي بايعه المؤمنون بها، أي البيعة على الإسلام والإيمان، وبها ينتقل المبايع من الجاهلية إلى الإسلام، ومن الضلالة إلى الهدى، فهي ليست البيعة السياسية لحاكم من الحكام، ولا لمسؤول في جماعة من الجماعات، والخروج عنها يكون خروجا إلى الكفر، والتي قال الله عز وجل عنها في كتابه: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) الفتح: 10، و(من يطع الرسول فقد أطاع الله) النساء: 80، فتلك بيعة خاصة على الإيمان والإسلام، وهذا مقام خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم كمبلغ عن الله، فبيعته بيعة لله، وطاعته طاعة لله، وموضوعها الإسلام ـ. 

وإلا لحكم بذلك على فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، بأنها معاذ الله ماتت ميتة جاهلية، فقد ماتت ولم تبايع أبا بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة، وعلي بن أبي طالب ظل فترة لم يبايع أبا بكر الصديق. وغيره من الصحابة.

والتكييف الفقهي لبيعة الجماعات، كما ذكرت أنها من باب الاتفاق على العمل للإسلام بصيغة معينة، مثله مثل السعي لدخول الجنة، فمن الناس من يتخذ لذلك كثرة الصلوات والتصدق، ومنهم من يتخذ له أبوابا أخرى، حسب طاقته، بعد أداء الفرائض العينية عليه، فمن صلى في مسجد فلان، ليس خيرا ممن صلى في مسجد علان، المهم أن تكون صلاته صحيحة. 

وما يساق من الأصل الخامس من الأصول العشرين للإمام الشهيد حسن البنا: عن رأي الإمام ونائبه، فهو هنا يتحدث عن إمام المسلمين، الذي اختارته جموع المسلمين، برضا الجميع، وهنا في المسائل التي لا نص فيها في مصلحة الدولة، فهذا مقام الحاكم لا مقام المسؤول في الإخوان، ومقام الحاكم المنتخب انتخابا حرا، وكان على علم بالشرع، فاجتهاده هنا فيما لا نص فيه من الشرع يقدر ويحترم ويراعى، مع خلاف بين الفقهاء هل رأيه يلغي خلاف الناس أم لا. ولو كان حسن البنا يقصد بذلك مسؤول الجماعة، لأعطى لنفسه هذه السلطة، وهو ما لم يحدث مطلقا في تاريخ حياته. 

وبعد وفاة البنا جعل البعض البيعة للمرشد، فاعترض علماء الإخوان، وعلى رأسهم الشيخ القرضاوي، وسعى إلى تغيير الصيغة لتكون بيعة عامة للعمل للإسلام، وليست بيعة للمرشد، وقد أقرت الصيغة. انظر: مذكرات القرضاوي (ابن القرية والكتاب) الجزء الرابع ص: 39.

وقد سمح حسن البنا لأفراد تابعين لجماعته أن يكونوا في نفس الوقت عاملين ومسؤولين كبار في جماعات أخرى، فقد رأيت في مجلة النذير سنة 1940 مقالا لأحد علماء جمعية أنصار السنة المحمدية، وهو الشيخ محمد عبد السلام الشقيري مؤلف كتاب (السنن والمبتدعات)، وقد تعجبت عندما رأيت الإمام البنا يعرف به القراء فكتبه تحت اسمه: النائب الثاني لجمعية أنصار السنة المحمدية، ومسؤول شعبة الحوامدية بجماعة الإخوان المسلمين، أي: أن البنا سمح لرجل في تنظيمه هو الرجل الثالث في جماعة أخرى غير جماعته، ولم يخيره بين أن يكون هنا أو هناك، من باب التزامه ببيعة للإخوان! وهذا هو فهم حسن البنا للبيعة للعمل للإسلام، لا لتنظيم بعينه، فالإسلام أكبر من كل الكيانات مهما كان فضلها.

Essamt74@hotmail.com