قضايا وآراء

سوريا.. مفاصل جوهرية في 2016

1300x600
يمكن وصف عام 2016 في سوريا بأنه عام المفاصل الكبيرة، ففيه شهد الشمال السوري أسوأ الكوارث الإنسانية نتيجة استمرار قصف النظام وروسيا لشرقي حلب، وفيه خسرت فصائل المعارضة أهم موقع جغرافي لها في البلاد.
 
لكن مقابل ذلك، نجحت فصائل من "الجيش الحر" في تثبيت نفسها كلاعب معترف به دوليا من خلال عملية "درع الفرات التركية" التي منحت أنقرة بعد طول انتظار موطئ قدم في الشمال السوري من شأنه أن يحمي عمقها القومي ويحول دون تشكيل كانتون جغرافي موحد للأكراد.
 
بدأ العام بانتصارات للنظام في ريفي اللاذقية الشمالي والشرقي، ثم في بعض أرياف حلب وبعض أرياف حمص، وخصوصا مدينة تدمر التي هلل النظام وروسيا كثير لاستعادتها من "تنظيم الدولة الإسلامية".
 
انحسرت فصائل المعارضة في محافظة إدلب وريف حماة الشمالي، وفي مناطق مشتتة في حلب وأريافها وبعض المناطق في محيط دمشق ودرعا.
 
لكن هذه الانتصارات العسكرية لم تترجم إلى حسم عسكري ولا إلى صفقة سياسية، بسبب قدرة فصائل المعارضة على المناورة والتحرك.
 
اضطرت روسيا إلى إعادة تعزيز تواجدها العسكري في سوريا بعدما سحبت جزءا منه مع انطلاق جولة جنيف، وبدت عازمة هذه المرة على إجراء تغير جذري في ساحة الصراع، فتم التوافق بشكل مضمر مع الولايات المتحدة على اختيار حلب عنوانا للمعركة الكبرى، وبداية لعملية فصل المعارضة المعتدلة عن "جبهة فتح الشام".
 
أدركت تركيا بسرعة المتغير الدولي الحاصل عن تفاهمات كيري ـ لافروف، وأدركت أن تحقيق مصالحها العليا في سوريا لن تأتي من البوابة الأمريكية، وإنما من الجارة روسيا، في حين فشلت فصائل المعارضة في قراءة التحول الدولي الحاصل، أو بدت عاجزة عن تحقيق المطلب الدولي في الانفصال عن "جبهة فتح الشام".
 
وما كان لتركيا أن تدخل الأراضي السورية عبر "درع الفرات" من دون تفاهم مع روسيا تأخذ بموجبه أنقرة حصتها مقابل التخلي عن حلب.
 
وللأسف لم تقرأ فصائل المعارضة أيضا هذا التحول وتداعياته، وأن الولايات المتحدة وروسيا عازمتان منذ الهدنة العسكرية الأولى على صناعة واقع عسكري جديد لا مكان فيه للفصائل الإسلامية "المتطرفة" خصوصا تلك التي تندرج تحت اسم المعارضة، من أجل تهيئة المناخ لحصر الصراع بين ثنائية النظام / المعارضة، وإزالة أو إضعاف القوى الراديكالية تمهيدا للتسوية السياسية وفق الرؤية الروسية ـ الأميركية.
 
أعطت الهدنة العسكرية الثانية في أيلول / سبتمبر فرصة أخرى للمعارضة لتمييز نفسها عن "فتح الشام"، لكن الهدنة سرعان ما انتهت، وكان من نتائج فشل هذه الهدنة أن سمحت واشنطن لموسكو الاستمرار في تنفيذ أهدافها بإحداث جغرافية عسكرية جديدة تكون حلب قاعدتها، ولتبدأ عملية إقصاء المدينة وعزل المعارضة المعتدلة عن "جبهة فتح الشام".
 
انتهت المعركة لا بإخراج "فتح الشام" من مدينة حلب فحسب، وإنما إخراج كافة فصائل المعارضة، وخسارة موقع جغرافي استراتيجي سيكون له ما بعد على مسار الصراع العسكري.
 
سمح هذا النصر العسكري لروسيا بإعادة ترتيب الأوراق العسكرية والسياسية، وبدت موسكو مستعدة لإدخال أنقرة ضمن التفاهمات الكبرى بسبب قدرتها على إحداث الفرق، فجاء إعلان موسكو تتويجا لهذا المسار، وخطة إطار تضع قواعد التفاوض لحل الأزمة.
 
وما فشلت موسكو في تحقيقه منذ الهدنة العسكرية الأولى، بدت اليوم قادرة على تحقيقه (وقف إطلاق النار، فصل المعارضة المعتدلة عن تلك المنضوية تحت قائمة الإرهاب)، وليست المشاورات العسكرية بين روسيا وفصائل من المعارضة برعاية روسية إلى تعبيرا عن هذا التحول، وليست الضغوط التركية لعزل "جبهة فتح الشام" إلا تعبيرا أيضا عن هذا التحول.
 
وسيشكل إعلان موسكو واجتماع الأستانة المقبل منصة عسكرية وسياسية، جديدها أنها لم تعد مقتصرة على المحور الروسي الإيراني بعدما أضحت تركيا جزءا رئيسا وفاعلا في هذه المنصة.
 
وبقدر ما استفادت روسيا من تركيا في إنهاء معركة حلب والتركيز على أولوية محاربة الإرهاب واستبعاد مسألة إسقاط النظام عسكريا، بقدر ما استفادت تركيا من روسيا، من خلال تعزيز تواجدها كرقم مهم في المعادلة السورية، وتأمين الحماية لفصائل "الجيش الحر" مع بعض القوى الأخرى واعتبارها جزءا من الحل السوري وجزءا من الترتيبات المستقبلية.
 
وإذا كان عام 2016 عام التمفصلات الكبيرة، فإن العام الجاري هو عام الاختبار لهذه التمفصلات مع ظهور بوادر الخلاف بين روسيا من جهة وإيران والنظام السوري من جهة ثانية، بعدما بينت الأحداث الأخيرة وجود تباينات واضحة ما يدفعنا إلى القول إن المحور الروسي ـ السوري ـ الإيراني متوحد إزاء المخاطر، لكنه متباين إزاء الحلول.