ملفات وتقارير

دول الخليج تعلق آمالا على ترامب بعد مكاسب إيران في سوريا

هل يكون ترامب الملاذ الآمن لدول الخليج؟
"أين أنتم يا عرب.. أين أنتم يا مسلمين. نحن نذبح؟"

صيحة عجوز من بين أطلال حلب في مقطع فيديو نشر على الإنترنت، تطرح فيه سؤالا مزعجا على الكثير من الدول العربية ذات الأغلبية السنية الداعمة لمسلحي المعارضة الذين يقاتلون الرئيس بشار الأسد وحليفتيه إيران وروسيا.

بالنسبة للسعودية التي تخوض صراعا إقليميا مع إيران، فإن سيطرة الأسد على المدينة التي كانت معقلا لمقاتلي المعارضة تعكس ميلا خطيرا في ميزان القوى بالشرق الأوسط صوب طهران.

وتشعر السعودية بقلق كبير بسبب هذه الدفعة التي تلقتها مطامح إيران في تكوين "هلال شيعي" من النفوذ يمتد من أفغانستان إلى البحر المتوسط، وقد عقدت الرياض العزم على حرمان طهران من مكاسبها إن آجلا أو عاجلا.

تلقت إيران دفعة كبيرة بعد الاتفاق النووي الذي أبرمته عام 2015 مع القوى العالمية، ولا يزال التصدي لها محورا رئيسيا لسياسات دول الخليج العربية، لكن ليس واضحا كيف يمكن تحقيق ذلك، خاصة في ظل تزايد المخاوف الأخرى.

ويقول دبلوماسيون إنه في الوقت الذي تعاني فيه السعودية من هبوط أسعار النفط، وتخوض حربا في اليمن، وتشهد العلاقات بينها وبين مصر توترا، تتساءل الرياض ودول الخليج الأخرى عن حجم مساعدات التسليح التي يجب أن تقدمها لمقاتلي المعارضة.

وتشعر دول الخليج بالغضب من نهج إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، المتراخي إزاء الحرب، الذي يعتمد على المقاتلين المحليين بدلا من نشر قوات أمريكية بأعداد كبيرة أو تنفيذ ضربات صاروخية.

لكن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يمثل نقيضا مثيرا للاهتمام.

"نعقد صفقة"

ينظر إلى ترامب على أنه أكثر حزما من أوباما، وقد جاء اختياره للجنرال المتقاعد بالقوات البحرية جيمس ماتيس، الذي لا يثق بإيران، وزيرا للدفاع، ورجل صناعة النفط ركس تيلرسون لمنصب وزير الخارجية، ليسعد دول الخليج المصدرة للنفط والغاز.

لكن لا يزال هناك الكثير من الجوانب الغامضة، أبرزها تعبير ترامب عن إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين حليف الأسد.

وقال الأمير تركي الفيصل، رئيس المخابرات السعودية سابقا: "ما تعلمناه من الانتخابات الأمريكية هو انتظار الأفعال لا الأقوال".

وقال دبلوماسي غربي كبير إن المسؤولين السعوديين يتطلعون ليروا كيف سيترجم ترامب انتقاداته لإيران وإشادته ببوتين خلال حملته الانتخابية إلى سياسات.

وقال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إنه قضى وقتا في الولايات المتحدة؛ للاطلاع على فكر الإدارة القادمة.

وقال مسؤولون إن دول الخليج تطرح على مساعدي ترامب أسئلة بشأن سوريا؛ لتقييم ما إذا كان سيواصل الجهود التي تقودها واشنطن مع دول الخليج وتركيا ودول غربية لتسليح مقاتلي المعارضة.

وكان ترامب أشار إلى أنه قد يتخلى عن مقاتلي المعارضة؛ للتركيز على محاربة تنظيم الدولة.

وقال مسؤول غربي إن دول الخليج تريد اختبار هذه الرؤية. ووصف مسؤول بوزارة الخارجية في إحدى دول الخليج ترامب بأنه "رجل أعمال يمكننا أن نعقد صفقة معه".

المساعدات ستستمر

ستظل المساعدات الإنسانية من دول الخليج مستمرة. ولن تقبل المجتمعات العربية السنية الحد من جهود الإغاثة للدولة ذات الأغلبية السنية بعد الحرب التي أجبرت خمسة ملايين سوري على الفرار وأسفرت عن مقتل 300 ألف.

لكن حجم دعمها التسليحي يبدو محل شك.

وتقول قطر، بالإضافة إلى السعودية، أكثر داعمي مقاتلي المعارضة حماسا، إنها تميل لاستمرار المساعدات العسكرية، لكنها تصر على أن هذه الجهود ينبغي أن تظل جماعية.

وقال أسعد الزعبي، رئيس وفد التفاوض بالهيئة العليا للمفاوضات السورية، إن بعض داعمي جماعات المعارضة المسلحة اجتمعوا مع مستشارين لترامب، ليتحدثوا عن قضيتهم. وأضاف أنهم لم يتلقوا ردا من فريق ترامب. وقال الزعبي إن مستشاري الرئيس الأمريكي المنتخب يريدون أن يسمعوا أكثر مما يريدون الإجابة.

وقال سامي الفرج، وهو مستشار أمني لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، لرويترز، إن دول الخليج تحتاج إلى "إعادة تنظيم صفوفها، وأن تكون لها وقفة استراتيجية، وأن تدرس كيف سنسعى لتحقيق أهدافنا في الفترة المقبلة".

وأضاف: "القضية السورية لم تغلق بعد." وستسعى دول الخليج إلى تشكيل إدارة انتقالية في سوريا، وهو ما لا يقبله الأسد أو طهران.

تأثير

يبدو أي تصور لأن يكون لدول الخليج تأثير على المفاوضات مستقبلا احتمالا بعيدا في ظل عزم الأسد وموسكو وطهران على تحقيق مكاسب؛ من خلال استعادة أراض سيطر عليها مقاتلو المعارضة.

لكن الجبير قال أمام جامعة الدول العربية في القاهرة إنه إذا فشلت القوى العالمية في إيجاد وسيلة ضغط فعالة على النظام السوري، فإنه لن يتسنى التوصل لحل سياسي للحرب.

وأضاف: "إذا لم نستطع إيجاد وسيلة ضغط فعالة على النظام السوري، فلن نصل إلى حل سياسي، وسيستمر القتل والتشريد والظلم في سوريا".

وبينما تشعر دول الخليج بانجذاب تجاه ترامب، فإنها تشعر بأن آراءه لم تأخذ شكلا نهائيا بعد، ولا تريد القيام بأي تحرك قد يدفعه للإضرار بمصالحها.

وقال الفرج إنه يتوقع من ترامب أن يتعامل مع دول الخليج بطريقة إيجابية، فهي لديها الثروة لتسهم في توفير فرص عمل للأمريكيين. وعبر عن اعتقاده بأن اقتراح ترامب أن تتحمل دول الخليج تكلفة إقامة مناطق آمنة في سوريا تستحق الدراسة.

وأضاف الفرج: "إذا كان يريد توفير فرص عمل، فليس هناك مجال أفضل من بيع الأسلحة... نحن الوحيدون الذين لديهم فائض نقدي".

لكن الاستياء العربي من تقاعس الغرب عن التحرك إزاء سوريا يبدو عميقا ومستمرا.

وقال الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، وزير خارجية البحرين، لرويترز: "الوضع كله في سوريا سببه الانفصال من جانب القوى العالمية حيال كيفية التعامل مع الأمر. لذا في ظل كل التغيرات في القيادة السياسية (بالغرب) فلنأمل في نوع من الالتزام الجديد تجاه سوريا".

ولدى سؤاله عما إذا كان من الواقعي دعم مقاتلي المعارضة الذين فقدوا معقلهم الحضري الرئيسي، أجاب قائلا: "هل تعتقد أن من الواقعي أن نسمح أيضا باستمرار سفك الدماء وموت الناس. ماذا ستكون المدينة التالية بعد حلب؟"