قضايا وآراء

مخاطر ما بعد حلب

1300x600
لم يكن مفاجئا أن تبدأ وسائل إعلام النظام السوري وحلفائه الحديث عن ما مرحلة ما بعد حلب، ضمن نوستالجيا سياسية وإعلامية غايتها تضخيم الانتصار العسكري في المدينة.
 
في مقابل هذا السلوك، درجت بعض أطراف المعارضة على التقليل من أهمية انتصار النظام في حلب الذي لن يؤدي برأيها إلى إنهاء الحرب لصالحه، ولن يؤدي أيضا إلى ترجمة سياسية له على طاولة المفاوضات.
 
ثمة مبالغة واضحة في الموقفين لأسباب مرتبطة برفع معنويات القاعدة الشعبية والقتالية لكلا الطرفين، ولأسباب مرتبطة بعجزهما عن فهم حقيقة الموقف الدولي من الأزمة السورية، وقد بدا هذا العجز واضحا لدى المعارضة أولا حين رفضت إخراج مقاتلي "جبهة فتح الشام من المدينة" على أمل الحصول على نجدة إقليمية من شأنها أن تعيد ترتيب الموقف الميداني، لكن هذه القراءة المبسطة انتهت إلى سقف عسكري لا يقبل بأقل من خروج كافة المسلحين من المدينة.
 
بالمقابل لم يفهم النظام الذي ما يزال يعتمد الحل العسكري كأساس وحيد لحل الأزمة السورية، أن المقاربة العسكرية هذه غير مسموح بها كحل نهائي للأزمة، وما جري في مناطق معينة لا يمكن تعميمه على مجمل الساحة السورية.
 
ومع ذلك فما يجري في حلب لا يمكن المرور عليه سريعا من نواحي عدة:
 
ـ تشكل حلب أهمية كبرى للنظام، ليس فقط من الناحية المعنوية، كونها المدينة التي شكلت الساحة الأكثر عنفاً في الصراع، وأرّقت النظام ثلاث سنوات، بل لأن السيطرة عليها تشكل مقدمة للسيطرة على الريف الحلبي الكبير.
 
لا شك أن ما بعد حلب لن يكون مثل قبلها على الصعيد العسكري، فسيطرة النظام على هذه المدينة الكبيرة يعتبر تحولا عسكريا مهما في عموم المحافظة، حيث تشكل المدينة جبهة أمامية وخلفية معا لمن يسيطر عليها، وتصبح منطلقا سهلا نحو الأرياف الأربعة للمحافظة، في وقت تصبح المدينة قاعدة رجوع وحماية خلفية أمام أي هجوم طارئ ومفاجئ.
 
ومن شأن السيطرة على المدينة أن تمنح النظام الفرصة لتوسيع خياراته العسكرية في عدة جبهات (الباب، ريف حلب الجنوبي، الرقة، ريف حماة الشمالي، وربما محافظة إدلب)، ولذلك يحاول النظام وحلفائه تصوير الانتصار العسكري هذا بأنه الانتصار الأبرز والأهم، وأن له تداعيات على مجمل الساحة السورية.
 
ـ لحلب واقع مختلف عن كل ساحات المعارك في سوريا، فهي تختزل الصراع المحلي والإقليمي والدولي بشدة، وفيها تتحارب كل أطراف الأزمة، وفيها تنتهي المعارك الكبرى.
 
لقد بدا واضحا منذ أشهر عبر التفاهمات الأمريكية ـ الروسية غير المعلنة أن مرحلة الجغرافية العسكرية المتنوعة يجب أن تنتهي في سوريا، ولا بد من إعادة التموضعات العسكرية بشكل منفصل، ومن هنا سُمح للأتراك بالتدخل شمالي سوريا، وسمح للروس والنظام بالهيمنة على حلب.
 
وجاء هذا التغير في الموقف الدولي بناء على متطلبات المعركة ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق، حيث لم يعد الوضع يسمح بوجود ساحات معارك واسعة تتقاتل فيها جميع الأطراف خصوصا تلك القريبة من تواجد التنظيم من جهة، ولضرورة تحييد المناطق الجغرافية الحدودية لتقليص التدخلات الخارجية.
 
ووفقا لذلك يمكن ملاحظة أن المناطق التي استعادها النظام وحلفائه معظمها مناطق حدودية (ريف اللاذقية الشمالي، ريف حلب الشمالي الغربي، ريف الرقة الشمالي، الحسكة، تدمر ومناطقها الحدودية، معظم الشريط الحدودي مع الأردن).
 
وقد استثنيت من ذلك مناطق سيطرة درع الفرات في ريف حلب الشمالي لأسباب استراتيجية، ومحافظة إدلب التي تشكل المعقل الرئيسي لفصائل المعارضة.
 
خطورة مقولة ما بعد حلب لا ترتبط فقط بتغير المشهد العسكري لصالح النظام منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا في الثلاثين من سبتمبر / أيلول العام الماضي، بقدر ما ترتبط بالمزاج والرؤية الدولية لمفهوم الحل في سوريا.
 
بعبارة أخرى يخشى أن تشكل مرحلة ما بعد حلب مقدمة لتغييرات عسكرية كبيرة في سوريا تطيح بالمعادلة التي ظلت قائمة طوال السنوات الأربع الماضية (لا حسم عسكري لطرفي الصراع)، لصالح الرؤية الروسية التي تريد إعادة شرعنة النظام عسكريا وسياسيا وقانونيا بحيث يكون هو عراب الحل في سوريا، وتعود البلاد إلى سيرتها الأولى قبيل اندلاع الثورة، وهذا الأمر متوقف على رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة التي ما تزال غامضة إلى الآن رغم التصريحات التي خرجت عن ترامب شخصيا.