ملفات وتقارير

"إسرائيل اليوم" تكشف كواليس مؤتمر فتح: "حرب الكل ضد الكل"

مؤتمر فتح
بين "جريمة القرن"، وعد بلفور، ومحاولة لجنة التحقيق التي عينها رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، حل لغز موت الرئيس الرحل ياسر عرفات، وتوجيه أصابع الاتهام للقيادي المفصول محمد دحلان، بدس السم لعرفات، انشغلت رام الله خلال عقد المؤتمر السابع لحركة "فتح" بمسألة: من يخلف عباس؟، أو بصيغة أخرى: مسألة اليوم التالي.

ورثة عباس المحتملون

حاول المؤتمر السابع العام لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، الذي عقد مؤخرا في رام الله بتاريخ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي واستمر خمسة أيام، أن "يقدم أجوبة موثوقة أكثر مما مضى للغز الوريث (من سيخلف الرئيس عباس)"، بحسب الكاتب الإسرائيلي نداف شرغاي، في مقال له نشر في صحيفة "إسرائيل اليوم".

وشكك شرغاي في مقدرة عباس الذي بلغ عمره (81 عاما)، وتم اختياره من جديد ليرأس حركة "فتح"، في أن يتم مدة ولايته الجديدة، والتي تصل لخمس سنوات، لأنه "رجل مريض وعمل قسطرة مرة أخرى في قلبه، وأعرب أكثر من مرة عن رغبته في الاستقالة من منصبه".

ولفت الكاتب الإسرائيلي إلى أن الانتخابات الداخلية لـ"فتح"، التي جرت خلال المؤتمر السابع، "تحدد لأول مرة بشكل رسمي مروان البرغوثي (المعتقل لدى الاحتلال) وجبريل الرجوب، كوريثين محتملين لأبي مازن، وهما الرابحان الكبيران، وتضعهم (البرغوثي والرجوب) في موقع جيد للتنافس على إرث اليوم التالي".

وتصدر انتخابات اللجنة المركزية القيادي في "فتح" المعتقل لدى الاحتلال مروان البرغوثي بـ(930 صوتا)، وجاء في المرتبة الثانية القيادي جبريل الرجوب بـ(830 صوتا).

وقال: "هذه الانتخابات أكدت أن دحلان ركل من فتح من قبل أبي مازن، بقدم فظة وبشكل علني"، منبها أن "دحلان -صاحب القوة الكبيرة في الميدان- لم يقل بعد كلمته الأخيرة، وهو الذي يشكك بشرعية مؤتمر فتح ونتائجه، ويهدد بإقامة فتح الحقيقية من الخارج".

ورجح شرغاي أن دحلان بقدرته أن "يشعل الضفة، لأن الموالين له ممن يحملون السلاح في مخيمات اللاجئين سبق أن اثبتوا ذلك".

البرغوثي مرغوب لكنه معتقل

وأشار الكاتب إلى أن الرجوب برز في السنوات الأخيرة كمن يقود الكفاح ضد الرياضة الإسرائيلية، من خلال منصبه رئيسا اللجنة الأولمبية الفلسطينية ورئيس اتحاد كرة القدم الفلسطينية، لكن البرغوثي، الذي يقضي حكما بالسجن في "إسرائيل" بخمسة مؤبدات و40 سنة، هو الزعيم الأكثر شعبية لدى الفلسطينيين؛ حيث يعتبرونه "رئيس أركان الانتفاضة الثانية"، وذلك وفق ما تؤكده استطلاعات الرأي العام التي يجريها المركز الفلسطيني للمسوح والأبحاث السياسية.

وأعلن البرغوثي رسميا عن نيته التنافس على رئاسة السلطة في اليوم الذي يترك كرسيها عباس، لكن الكاتب الإسرائيلي يستبعد "أن تجرى مثل هذه الانتخابات قريبا؛ لأن إسرائيل وعباس -اللذين يخشيان انتصار حماس- لا يعتزمان السماح بحملة انتخابية كهذه".

ونوه شرغاي في مقاله المطول إلى إمكانية أن "تحرر إسرائيل البرغوثي، وتسمح له بالتنافس كإنسان حر على منصب الرئيس"، ملمحا أنه في حال لم تقم "إسرائيل" بإطلاق سراح البرغوثي ليخوض الانتخابات حرا، "ستجري في السنوات القريبة القادمة الانتخابات، وسينتخب البرغوثي رئيسا، وستجد إسرائيل نفسها تحت ضغوط دولية شديدة لتحريره من السجن وفتح صفحة جديدة معه".

ولفت إلى أن البرغوثي، الذي يعد نفسه ليوم التحرير، يؤيد المصالحة مع حماس، ويطالب بوقف التعاون الأمني مع إسرائيل، ويؤيد حل الدولتين".

وكشف الكاتب الإسرائيلي أن البرغوثي كـ"نشيط سلام"، أقام "علاقات مع رئيسي المخابرات الإسرائيليين السابقين، كرمي غيلون وعامي ايالون، وتربطه علاقة مع رئيس حزب "ميرتس" السابق، حاييم اورون، والوزير السابق حاييم رامون.

الرجوب وريث محتمل لعباس

لكن موضوع إطلاق صراح البرغوثي، عندما طرح، عارضة بشدة وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، وآفي ديختر، رئيس المخابرات الأسبق ورئيس لجنة الخارجية والأمن في "الكنيست" الآن، حيث رأى الكاتب، أنه "يتعين على الحكومة الإسرائيلية في حال رغبت بإطلاق سراح البرغوثي في المستقبل، أن تشرح للجمهور الإسرائيلي، كيف تحرر سجينا بالمؤبد قاد خلايا (إرهابية) وكتائب شهداء الأقصى، وساعد في تمويل وتسليح خلايا (إرهابية)، وصادق على تنفيذ عمليات ما لا يقل عن 37 عملية ونشاط (إرهابي)".

وبين شرغاي أن استمرار اعتقال "إسرائيل" للبرغوثي "يضع الرجوب كوريث محتمل لعباس، وكرقم اثنين عمليا"، منوها بأن ما "يقلق إسرائيل من الرجوب أنه سجين مؤبد سابق، تحرر في صفقة جبريل عام 1985، وشارك في الانتفاضة الأولى، وأبعد إلى لبنان عام 1992، كما أنه في السنوات الأخيرة يساند الشهادة، على حد تعبيره".

وذكر الكاتب أن الرجوب "عاد بعد اتفاقية أوسلو عام 1994، وتولى منصب رئيس جهاز الأمن الوقائي في الضفة، وساعد إسرائيل في إحباط بضع عمليات، ومنع رجاله من المشاركة في (الإرهاب)، لكن مقر قيادته دمرها الجيش الإسرائيلي بعد حملة السور الواقي".

وقال: "الرجوب يتحدث بلغة واحدة، أرق مع الإسرائيليين، وبلغة مختلفة مع الفلسطينيين"، منوها بأن "قطر الغنية دعمت الرجوب في انتخابات فتح الأخيرة، وهي التي تدعم حماس وتستضيف خالد مشعل (قائد حماس)".

وألمح الكاتب الإسرائيلي إلى "وجود تنسيق محتمل بين مشعل الذي حيا مؤتمر فتح السابع، وبين الرجوب الذي يحظى بتأييد القطريين، على خلفية نشاطه كمتفرغ رياضي شديد النفوذ، أو على خلفية دعم مصر (عدوة قطر) لدحلان، الخصم الأكبر لعباس (والرجوب أيضا)".

هل سيثأر دحلان لركله وإهانته؟


وبين الكاتب شرغاي أن عباس عندما "ركل دحلان بلا أي اعتبارات دبلوماسية، وهو السبب -وفق عباس- في سقوط غزة بيد حماس، حيث كان يتولى وقتها رئيس مجلس الأمن القومي عام 2007، وفر بعض من مؤيديه إلى خارج القطاع"، لافتا إلى أن لجنة التحقيق في موت عرفات، "تتهم دحلان بإدخال الأدوية السامة لغرفة عرفات في مستشفى بباريس، بل وأيضا تتهمه بأنه حاول تجنيد ضباط وقادة من مؤسسة الرئاسة لتنفيذ انقلاب ضد أبو مازن".

وتابع: "وسواء أكان لهذا أساس من الصحة أم لا، فقد سارع عباس للعمل في قضية دحلان حتى قبل المؤتمر، ورفض اقتراحا مصريا للوساطة بينه وبين دحلان، ومنع المئات من مؤيدي دحلان من المشاركة في المؤتمر"، مشيرا إلى قيام عباس بفصل "القيادي جهاد طمليه، لتنظيمه اجتماعا لمؤيدي دحلان، كما قام بتجميد دفع رواتب العشرات من مؤيدي دحلان".

ولم يستبعد الكاتب قيام دحلان بـ"إطلاق تمرد حقيقي ضد أبي مازن، وهو أحد السيناريوهات في جوارير محافل التقديرات الإسرائيلية"، موضحا أن "هذا السيناريو يعتمد على تبادل إطلاق النار، مثل الذي تم في مخيمات اللاجئين في مناطق نابلس وجنين ورام الله، بين مؤيدي أبي مازن ومؤيدي دحلان".
 
وقال: "دحلان الذي أعلن على الملأ تأييده للبرغوثي، لا يجلس مكتوف الأيدي أمام إبعاده عن فتح"، لافتا لحديث محمد رشيد، المقرب من دحلان، عندما وصف عباس بأنه "جثة سياسية تنتظر الدفن"، لكن رجال عباس لم يتأخروا في الرد على رشيد، وكتب رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة" التابعة للسطلة، محمود أبو الهيجا، "لا شيء منكرا من سارق (رشيد) يتحدث عن الاستقامة ونقاء اليدين".

مرشحو الحل الوسط لليوم التالي

ونبه الكاتب الإسرائيلي إلى أن "رسميا، الذي من المفترض أن يملأ مكان عباس في حالة لم يتمكن فيها من المواصلة، هو رئيس البرلمان الفلسطيني الدكتور عزيز دويك، وهو قيادي في حركة حماس"، مؤكدا أن "فتح لن تسمح لدويك بأن يحقق هذا الخيار، وعليه فإن انتخاب خليفة لعباس يعتبر مهمة عاجلة للغاية".

ورجح شرغاي أن "يتم انتخاب البرغوثي أمينا لسر اللجنة المركزية، الذي يعتبر القائم بأعمال رئيس فتح، وفي هذه اللحظة البرغوثي يضع نفسه كرقم اثنين لأبي مازن وكمرشح طبيعي للحلول معه حين يحين اليوم"، مبينا أن "التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن عام 2017، سيكون عام عدم الاستقرار في السلطة الفلسطينية".

وأضاف: "في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية، يخشون من إمكانية انهيار عباس، ومن حرب الكل ضد الكل التي ستنشب هناك بعد لحظة من رحيل أبي مازن"، لافتا إلى أن "الرجوب ودحلان وحماس سيشاركون في هذه الحرب، وسيحاول كل منهم السيطرة على السلطة".

وأكد الكاتب أن "إعادة انتخاب عباس لمنصب رئيس فتح تمنح إسرائيل والأطراف المتصارعة على خلافته تمديدا للاستعداد لليوم التالي"، موضحا أن "إسرائيل لا تستبعد سيناريو انهيار السلطة، ومن أجل ذلك يعتقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن على إسرائيل أن تعمل كي تمنع مثل هذا الانهيار".

ويوجد "في بورصة المرشحين لاستبدال عباس وتولي القيادة الجديدة التي ستأتي بعده، أسماء وشخصيات حل وسط ومن المقربين من عباس، مثل رئيس المخابرات الفلسطينية، ماجد فرج، حسين الشيخ، المقرب من الرجوب والمقبول من إسرائيل، ومحمد اشتيه، مقرب آخر من الرجوب، وتوفيق الطيراوي، وهو أحد خصوم الرجوب، ومن الأسماء المطروحة في البورصة ناصر القدوة، ابن أخت عرفات، ووزير خارجية السلطة الفلسطينية السابق"، وفق تقديرات الكاتب الإسرائيلي.

ومن ضمن السيناريوهات المتوقعة، في محاولة لمنع الفوضى والمواجهة المحتملة بين الرجوب والطيراوي وآخرين عن القيادة المستقبلية، يحتمل أن يعين أبو مازن في أمانة سر اللجنة المركزية مقربه صائب عريقات"، بحسب شرغاي، الذي لفت إلى أن "عريقات أركم ساعات كثيرة جدا من المفاوضات مع الإسرائيليين".