كتاب عربي 21

لا تتكلم عن الوطن.. ولكن تحدث في العمولة!

1300x600
لم تعد مشكلتنا فقط مع عبد الفتاح السيسي، في أن حكمه هو نتاج انقلاب عسكري، أطاح بالمسار الديمقراطي، أو في كونه حكما فاشلا يترأسه من هو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير، كما لم تعد مشكلتنا معه في أنه فقط حكم يفرط في السيادة الوطنية وفي تراب الوطن "تيران وصنافير أنموذجا"، أو في أنه يضر بالأمن القومي للبلاد كما حدث في توقيعه على اتفاق المبادئ لسد النهضة، كما لم تعد المشكلة فقط في أنه يحكم بالحديد والنار، ولا يرقب في المصريين إلا ولا ذمة!

فهذا الحكم بالإضافة إلى كل ما سبق، صار عنوانا للفساد، وإذ كانت تجارب الحكم على مر التاريخ عرفت فساد الوزراء، بل وفساد رؤساء الحكومات، فإن مصر في العهد الحالي عرفت فساد رأس الدولة، الذي يصدر القرارات من أجل أن يفيد ماديا شخصا أو أشخاصا بعينهم، وهو نوع من الفساد يؤسس للدولة الفاسدة، بعد اصطلاح الدولة الفاشلة!

فلم نكد نمر مرور الكرام على ما قيل من أن أحد رجال الأعمال استفاد من قرار تعويم الجنيه نصف مليار جنيها، في شركة واحدة من شركاته، حتى صدمنا بقرار رفع الضرائب الجمركية عن استيراد الدواجن المجمدة من الخارج، وهو قرار صدر بصيغة تؤكد أن مصر سقطت في قبضة مجموعة من اللصوص الأشقياء، فهذا ليس فساد الكبار المتعارف عليه، ولكنه فساد موظف بالمحليات، كان يفتح درج مكتبه لاستقبال الرشاوى بينما ينظر حوله، مخافة اكتشافه، وإذا فجأة وجد نفسه في سدة حكم لدولة بحجم مصر، فلم يرتق سلوكه الفاسد كما ترقي وظيفيا وإلا فما معنى أن يصدر القرار في 22 نوفمبر، بالإعفاء من الضرائب الجمركية لكمية الدواجن المجمدة التي ستستورد، "أو تم استيرادها"، ثم يطبق القرار بأثر رجعي لينص على أن بداية العمل به ليست في اليوم التالي من نشره في الجريدة الرسمية كما تنص القرارات بل والقوانين، ولكن تطبيقه يبدأ من يوم 10 نوفمبر، لنكتشف أن صفقة مستوردة قد وصلت لميناء الإسكندرية هي التي عناها القرار بالأثر الرجعي!

وتبدو السلطة الفاسدة بهذا القرار، كما لو كانت تسعى لرفع الأعباء عن الشعب الذي يئن من ارتفاع الأسعار، وبعد ارتفاع أسعار الدواجن كما كل شيء ارتفع سعره في المحروسة، لنكتشف أن هذا القرار/ الجريمة، استهدف تدمير الثورة الداجنة في مصر، ذلك بأن محاربة ارتفاع الأسعار تكون برفع الضرائب الجمركية عن الأعلاف التي تستخدم غذاء للدواجن، وأيضا فيما ذكره مسؤول عن رابطة مربي الدواجن بزيادة منافذ البيع التابعة لهيئة المجمعات الاستهلاكية، وضرب مثالا بأن سعر أجنحة الدجاج يبيعه المربون للهيئة بسبعة جنيهات، وارتفاع سعره يكون بواسطة التجار!

واللافت أنه قبل صدور هذا القرار/ الجريمة كانت نغمة أنفلونزا الطيور قد بدأت في العزف، وبدا أنها خطوة لتدمير الثروة الداجنة كما حدث من قبل على نغمات أنفلونزا الطيور وانطلقت السلطة لتبيد هذه الثروة. وبهذا القرار عرفنا من هو المستفيد من عملية الإبادة هذه، وسط حديث عن موت بعض الأفراد من جراء أكلهم دجاج حامل للفيروس!

كنا نعلم أننا أمام جريمة يرتكبها النظام الحاكم، دون أن نضع أيدينا على القرينة التي تؤكد الاتهام، وها هي القرينة فالمستفيد هي الجهات التي تستورد الدواجن المجمدة من الخارج، والتستر على اسمها الآن، جريمة مضافة، فما الذي يجعل السلطة الحاكمة في مصر لا تجيب على سؤال حول "المحظوظ" صاحب الصفقة التي دخلت ميناء الإسكندرية، والتي حرص القرار الصادر في 22 نوفمبر على أن يشملها الإعفاء؟ وهل هو شخص "محظوظ" أم جهة "محظوظة"؟!

لقد قيل في البداية إن القرار استهدف تحقيق الربح للشركة التي تستورد اللحوم وقيل إنها تابعة للمخابرات، ثم انتشر على نطاق واسع أن الصفقة التي قدمت لمصر هي لرئيس الغرفة التجارية، الذي نفى علاقته بالأمر، وقال إن شركته توقفت عن استيراد الدواجن منذ ست سنوات، وعاد الحديث مرة أخرى عن المخابرات وقيل أن الصفقة خاصة بشركة "ميدي تريد"، وهي إحدى شركات جهاز المخابرات العامة!

والذي يلقي بالريبة على الموضوع برمته، هو عدم إقدام السلطة على ذكر من صاحب صفقة ميناء الإسكندرية، إذا كانت بالفعل استهدفت بقرارها مواجهة جشع التجار ورفعا للأعباء عن المواطنين!

الغريب أن من اتخذ قرار الإعفاء لم يتفق مع مستورد اللحوم المعفاة من الجمارك على خفض الأسعار، كما لا توجد براهين كاشفة عن أنه تقرر خفض الأسعار بما يفسر هذا القرار، وبما يؤكد أننا أمام عصابة اتخذت قرارا لتسطو به على المال العام بطرق ملتوية، لاسيما عندما يقال إن الشركة المستوردة للدواجن، وفرت لها العملة الصعبة المطلوبة من البنوك لاستيراد الصفقة، في وقت تم وقف الاستيراد كلية حفاظا على العملة الصعبة ولأسبوعين، وقد حصلت عليها بسعر ثمانية جنيهات و60 قرشا للدولار، وفي اليوم التالي يتم تعويم الجنيه، لينخفض سعره إلى أقل من النصف، كما أن المبلغ الذي سقط على الدولة من الإعفاء هو مليار جنيه.

وهذا ما يؤكد صحة ما قاله مسؤول بصندوق النقد من أن الصندوق لم يطلب من مصر تعويم الجنيه، وإنما تعويمه كان مطلب السلطة المصرية! ليستفيد منه بعض الأفراد والجهات، وهذا ما يفسر احتفاء نجيب ساويرس به!

فلا تتكلم عن الوطن، ولكن تحدث في العمولة، فكم يكفيك لتشبع؟!