سياسة عربية

بعد "العساكر".. تهدئة إعلامية بمصر وتصعيد سياسي مع قطر

التصعيد الإعلامي وصل إلى حد المطالبة بطرد السفير القطري من القاهرة - أرشيفية
لجأ نظام حكم رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، إلى التصعيد الدبلوماسي ضد قطر، عبر تقديم مذكرة احتجاجية إلى جامعة الدول العربية، في وقت جنح فيه إلى التهدئة على صعيد أدواته الإعلامية، والعسكرية، والدينية، والبرلمانية، على خلفية عرض فضائية الجزيرة "القطرية"، فيلم "العساكر.. حكايات التجنيد الإجباري في مصر"، مساء الأحد، الذي وُصف بعد عرضه بأنه لم يكن يستحق كل هذه الضجة.
 
وكان نظام السيسي لجأ إلى التصعيد الإعلامي، قبل عرض الفيلم، الذي وصل إلى حد المطالبة بطرد السفير القطري من القاهرة، واعتبار عرضه بمثابة إعلان حرب من قبل قطر على مصر، وإطلاق العنان لأذرعه الإعلامية للتطاول على أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مع التهديد بنشر أفلام "إباحية" مزعومة لأفراد في العائلة الحاكمة بقطر.
 
مذكرة احتجاجية للجامعة العربية

وفي أحدث تطور، نقل موقع "دوت مصر" الإلكتروني، المقرب من المخابرات المصرية، عن "مصدر رفيع المستوى"، الاثنين، تأكيده أن مصر أرسلت مذكرة عاجلة إلى جامعة الدول العربية، وتحديدا إلى الأمين العام أحمد أبو الغيط، تطالب فيها رسميا بـ"اتخاذ موقف جاد ضد الإساءات القطرية المتكررة تجاه مصر"، وفق المذكرة.

وتابع المصدر أن مصر ستتخذ مزيدا من الإجراءات للرد على الإساءات القطرية، وستطلب من السفير القطري في مصر توضيحات على عدد من الأسئلة حول أسباب إنتاج فيلم يسيء إلى المؤسسة العسكرية المصرية، أو تناول الجيوش العربية من خلال وسائل الإعلام بهذا الشكل، موضحا أن مصر وضعت السيناريوهات كافة للتعامل، وعلى رأسها استدعاء السفير القطري، ولكن فضلت أن تكون هذه هي الخطوة الأخيرة للتصعيد.

وأضاف المصدر، وفقا لـ"دوت مصر"، أن مصر لن تجري أي مناورات عسكرية تكون طرفها أي قوات قطرية، فيما قال "مصدر عسكري مسؤول" إن المؤسسة العسكرية لن تعلق ما تناولته قناة "الجزيرة"، لأن القوات المسلحة أكبر من الرد على هذه المهاترات، مؤكدا أن أبناء القوات المسلحة يحصلون على أكبر مظاهر الدعم داخل المؤسسة، وهناك تضحيات وشهداء وبطولات تتحدث عن المؤسسة العسكرية المصرية، لذلك لن نعلق على فيلم "الجزيرة"، لأنه حتى لو أنتج الملايين من هذه النوعية لن يؤثر على المؤسسة العسكرية، بحسب الموقع.

الخارجية.. تصعيد سياسي وهدوء دعائي 

وفي رد فعل رسمي على عرض الفيلم، اتبع المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، أسلوب التصعيد الدبلوماسي، وفي الوقت نفسه التهدئة في الخطاب الإعلامي.

فقال، في مداخلة هاتفية مع برنامج "السادة المحترمون"، عبر فضائية "أون تي في لايف" مساء الأحد، إن الرد على قناة "الجزيرة" لا يكون بالوسائل الإعلامية، ولكن هناك أدوات كثيرة في الدولة تستطيع من خلالها أن تبعث بالرسائل المطلوبة إلى الدول والحكومات الأخرى.

وأردف، ملمحا إلى النية المصرية في التصعيد الدبلوماسي: "ليس بالضرورة أن تكون مواقف الدولة معلنة، فهناك أدوات مختلفة للدولة تعبر فيها عن مواقفها.. وهناك اتصالات تقوم بها وزارة الخارجية مع أقرانها والمسؤولين في الدول الأخرى تعبر من خلالها عن مواقفها بالشكل القوي والمطلوب والمؤثر"، حسبما قال.

ومعبرا عن خطاب إعلامي هادئ، قال أبو زيد إن الوزارة غير مسؤولة عن الرد على أي عمل تقوم به قناة فضائية خاصة أو أي وسيلة إعلامية أخرى.

وقال: "ليس من دور الدولة رسميا الرد على عمل تقوم به قناة إخبارية أو أي وسيلة إعلامية".

وأضاف أن الإعلام المصري قادر على التصدي لتلك المحاولات، وتوضيح مكانة وهيبة الجيش المصري، وفق وصفه.

وتابع: "أعتقد أن الجميع، بعد أن رأى هذا الفيلم، شاف المستوى والأداء في هذا العمل المفضوح، ولكن هذه القناة مفترض أنها قناة خاصة"، مشيرا إلى أن الإعلام هو الذي يرد على هذا العمل، وأن الإعلام المصري قادر على أن يؤكد الدور الوطني للجيش المصري وكفاءة ومهنية الجيش المصري، وفق قوله. 

وعن الفيلم قال إنه عمل مفضوح وواضح، وهو عمل ركيك، ويستهدف زعزعة ثقة المواطن المصري في جيشه، ونحن هنا نتكلم عن الجيش المصري اللي اتكلم عنه القرآن الكريم، وكونه "خير أجناد الأرض".

وأردف أن أي محاولة للتشكيك، وزعزعة ثقة المواطن المصري في جيشه، هي محاولة مكتوب عليها الفشل قبل أن تبدأ، بحسب تعبيره.



وزير مصري: ملازم وأفتخر

 وفي إطار الأسلوب الهادئ نفسه بعد عرض الفيلم، أعرب وزير الشباب والرياضة المصري، خالد عبد العزيز، عن افتخاره بفترة خدمته في القوات المسلحة.

 وكتب عبد العزيز، عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "ملازم أول خالد محمود عبد العزيز دفعة 66 احتياط وأفتخر.. تحيا مصر".

الجيش يرد بفيلم "الصاعقة"

وعلى صعيد رد فعل الجيش المصري على عرض الفيلم، نشر المتحدث العسكري، العميد محمد سمير، على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك" مقطع فيديو من برنامج "هنا العاصمة"، تناول حياة رجال الصاعقة داخل معسكرات الجيش، تحت عنوان "يوم في حياة رجال الصاعقة المصرية البواسل (خير أجناد الأرض)".

وتدور أحداث الفيديو عن جولة للإعلامية الموالية للسلطات، لميس الحديدي، داخل معسكرات "الصاعقة" بالجيش المصري، حيث يعرض لقطات من التدريبات الخاصة لرجال الصاعقة، وتدريبات الاشتباك والدفاع والهجوم، مستضيفا بعض القيادات العسكرية داخل المؤسسة العسكرية.

وكانت "الحديدي" خصصت حلقة الأحد من البرنامج للحديث عن الجيش بعد أن أطلقت وسم "دولا عساكر مصريين"؛ ردا على فيلم "العساكر"، واصفة إياه بالمفبرك، قائلة: "التجنيد جزء من عقيدة الشاب المصري، والجيش المصري هو مصنع الرجال".

عضو سابق بالعسكري: "فيلم مزيف لا يستحق الرد"

وغير بعيد، هاجم العضو السابق بالمجلس العسكري، محافظ الإسكندرية السابق، اللواء طارق المهدي، الفيلم، قائلا: "هذا فيلم مزيف، ولا يستحق الرد عليه أصلا".

وأضاف المهدي، في لقائه مع برنامج "يوم بيوم"، عبر فضائية "النهار اليوم"، الأحد، أن الفيلم الذي أنتجته القناة القطرية هزلي، وتمت صناعته بلا رؤية حقيقية، قائلا إن تاريخ الجيش المصري وبطولاته أكبر رد عليه.

وتابع: "إحنا جيش وطني قوي، ولنا تصنيف عالمي محترم للغاية، والحمد لله إحنا مش بنتأجر للخارج، ولا للداخل، ولا عندنا قواعد عسكرية.. نحن أكبر بكثير من أننا ننجر إلى مستوى هذا الفيلم أو من أنتجه".

"الإفتاء": 3 أحاديث عن فضل الجيش المصري

وبينما تجاهلت مؤسسة "الأزهر" الأمر برمته، وتجاهلت تماما التعليق عليه، جددت "دار الإفتاء" المصرية فتواها بشأن صحة جميع الأحاديث الواردة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في فضل الجيش المصري، مؤكدة أن تلك الأحاديث لم يطعن فيها بالإنكار أو التضعيف.

واستشهدت "الإفتاء" بحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أن "جند مصر خير أجناد الأرض، وأنهم في رباط إلى يوم القيامة"، مؤكدة أن هناك ثلاثة أحاديث شريفة ذكرت في فضل الجيش المصري، وهي صحيحة المعاني، ولا طعن على مضامينها بوجه من الوجوه.

إعلاميو السيسي: "هيافة" و"هواء" و"فستيك"

وعلى الصعيد الإعلامي، مال الإعلاميون الموالون للسيسي إلى التهدئة، وتراجعوا عن تهديداتهم السابقة لقطر وأميرها، وتنفسوا الصعداء، بعد عرض الفيلم، وحسبما قال أحدهم: "إحنا أضعنا وقتنا.. كنا نتصور أن الفيلم سيعرض الجيش بيقتل جنوده، ويقتل الناس أحياء مثلا"، بحسب تعبير الإعلامي سعيد حساسين، في برنامجه "انفراد"، على فضائية "العاصمة"، المقربة من المخابرات المصرية، مساء الأحد. 

ووصف حساسين الفيلم بأنه "هيافة"، و"هواء"، و"فستيك"، قائلا: "عملنا له ضجة من الهواء"، مؤكدا أن قناته سترد عليه بإنتاج فيلم عن الجيش القطري، ساخرا: "ده لو عندهم جيش يعني".

واستطرد: "الفيلم كان فستيك، قال لي يا بابا علمني الهيافة قال له تعال في "الجزيرة" واتصدر".



وقريبا من هذا الأمر، علق عمرو أديب، على الفيلم قائلا: "فيلم تافه، وأنا ضيعت مجهودي على الفاضي".

وتابع، في برنامجه "كل يوم"، على قناة "أون إي": "فيلم تافه ما يستحقش إننا نتابعه أو ناخد بالنا منه حتى".

وأشار إلى أنها قد تكون المرة الأولى التي تصدر فيها قناة "الجزيرة"، بيانا، للرد على الهجوم عليها بعد الفيلم المسيء، من قبل المصريين، قائلا: "عايزينا نعمل إيه، دا فيلم زبالة وتمثيل سيء، وعايزينا نستنى لما يعرضوا الفيلم، وكأنها مولودة إمبارح، ومش عارفين أنها بتسيء لمصر ".

 لجنة برلمانية تدعو لتجاهل الفيلم

وعلى صعيد التهدئة البرلمانية، دعا رئيس لجنة الإعلام بمجلس نواب ما بعد الانقلاب، أسامة هيكل، جموع المصريين إلى تجاهل الفيلم، واصفا إياه بالفارغ.

وقال، في تصريحات لصحيفة "اليوم السابع": "يجب تجاهل هذا الفيلم، وعدم الانزعاج منه، فالجيش المصري وقيمة مصر لا يمكن أن تتأثر بفيلم لقناة الجزيرة المعروف توجهها".

وأشار إلى أن هناك من يعطي لهذا الفيلم أهمية رغم أنه كلام فارغ، زاعما أن قناة "الجزيرة" لها أغراض خبيثة، وأن الجيش المصري أعظم من مثل هذه التفاهات، وفق وصفه.

صحف الإثنين ترد بـ"الصاعقة"

إلى ذلك، ردت مانشيتات وعناوين الصحف المصرية، الصادرة الاثنين، على عرض الفيلم بمتنشيتات مشابهة تتحدث عن حياة المجندين المصريين في سلاح "الصاعقة".

فقالت "الأهرام": "داخل وحدات مدرسة الصاعقة تدريبات شاقة وروح معنوية عالية واستعداد لتنفيذ المهام القتالية".

وقالت صحيفة "الشروق" في مانشيتها باللون الأحمر: "داعش حاولت استدراج الجيش المصري للقتال في ليبيا "، مضيفة: "الشروق مع وحوش الجيش المصري في مدرسة الصاعقة".

 وجاء مانشيت صحيفة "الوطن" مشابها بعنوان: "الوطن داخل عرين الأسود بمدرسة الصاعقة".

وفي صحيفة "المصري اليوم" جاء العنوان: "يوم في عرين تدريب الصاعقة، نوفمبر المناخ المناسب للوصول لأعلى معدلات الكفاءة القتالية".

 وعرضت قناة "الجزيرة"، الأحد، الفيلم الوثائقي المشار إليه، مما أثار الهجوم الإعلامي المصري المكثف، وتصاعد الأزمة السياسية بين البلدين.