صحافة إسرائيلية

يديعوت: الموصل "ستالينغراد" داعش.. ولكن ماذا بعدها؟

نهاية التنظيم في الموصل لا تعني نهاية "أفكاره" بحسب الكاتب الإسرائيلي- أرشيفية
ناقشت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، الأحد، معركة الموصل وآثارها على تنظيم الدولة، واصفة إياها بـ"سالتينغراد داعش"، مشيرة إلى أن السيطرة العملية للتنظيم ستتراجع، لكن الفكرة "لن تتراجع".

وقال محرر الشؤون العسكرية والأمنية في الصحيف أليكس فيشمان، إن "تدفق المتطوعين لداعش من أوروبا الغربية والعالم الإسلامي بدأ بالتراجع في الأشهر الأخيرة"، موضحا أنه من أصل 1000 إلى 2000 متطوع شهريا في صيف 2014 تقلص الرقم إلى العشرات الذين يمكنهم بشكل أو بآخر الوصول إلى العراق أو سوريا والانضمام لصفوف التنظيم.

"تسونامي"

وأشار فيشمان إلى أن التنظيم كان في صيف 2014 في ذروة قوته بعد احتلال الموصل، المدينة الثانية من حيث حجمها في العراق، وانتصر على أربعة ألوية للجيش العراقي وسيطر على ثلث الدولة، وبدا في حينه أن "التنظيم لا يمكن هزيمته"، ما دفع "الشباب المسلمين المتحمسين للانضمام لتسونامي داعش"، بحسب تعبيره، مستدركا بأنه "بعد عامين ونصف بقيت الموصل هي القلعة الأخيرة تقريبا لداعش في العراق، وتراجعت الحماسة في العالم الإسلامي، ومعها تراجع تدفق المتطوعين لداعش".

وأشار المحلل الأمني والعسكري إلى أن هذا "يقض مضاجع أجهزة الاستخبارات والأمن في غرب أوروبا وفي تركيا، وفي إسرائيل إلى حد ما أيضا"، حيث إن التنظيم طلب من وكلائه إبقاء المتطوعين لـ"استمرار محاربة الكفار في أوطانهم"، بحسب تعبيره، مشيرا إلى أنه "كلما زادت الأنباء حول استعداد الجيش العراقي من أجل احتلال الموصل؛ زادت احتمالية العمليات في المطارات والأماكن المكتظة في أوروبا".

وأوضح الكاتب أنه "حتى لو اختفت فكرة الخلافة الإسلامية من العالم، فإن التنظيم والأيديولوجيا لن يختفيا، ووحده الشكل سيتغير وسيستمر الجسم الجهادي في العمل على مستوى العالم، الأمر الذي قد يشغل العالم لسنوات أخرى طويلة".

وتابع: "الدعاية الرسمية والعلنية لداعش موجهة لمؤيدي التنظيم في أرجاء العالم، من الولايات المتحدة وحتى تايلاند، وهي تحثهم على تنفيذ العمليات"، مؤكدا أن "سقوط الموصل لن يخفف من خطر داعش، بل العكس هو الصحيح"، على حد تعبيره.   

"جيش صدام حسين"

عسكريا، أشار الكاتب إلى أن تنظيم الدولة يستعد منذ أشهر للهجوم الكبير على الموصل، مناقشا الإجراءات التكتيكية والعسكرية التي قام بها.

وقال: "أغرق داعش نهر دجلة الذي يقطع المدينة بالوقود، وسيتم إشعاله في لحظة دخول القوات إلى المدينة، وستغطى السماء بالغيوم السوداء لتشويش القصف الجوي"، مؤكدا أن "الدفاع عن الموصل يتم على أيدي قائد عسكري، يبدو ضابطا سابقا في جيش صدام حسين، حيث إنه تم تشكيل كتائب وألوية وتم وضع عدد من العوائق والأنفاق والكمائن".

وتابع: "رجال داعش قاموا بنقل عائلات المقاتلين قبل المعركة من الموصل إلى الرقة، وفي المقابل وصلت إلى الموصل تعزيزات من بعض المواقع التي أخلاها داعش، والتقارير التي تفيد بأن مقاتلي داعش يقومون بإخلاء المناطق المحيطة بالموصل، هي تحليلات فقط"، متابعا بأن "التقدم السريع غير المتوقع للقوات العراقية هو عبارة عن خدعة بصرية، وليس نتيجة انهيار الخطوط"، بل نتيجة قرار عسكري "حكيم"، بحسب تعبير فيشمان، عن طريق تركيز المقاتلين على الجهد الأساسي.

"ستالينغراد داعش"

وتابع فيشمان بقوله إن "أداء داعش كدولة في حالة تدهور حتى قبل بدء معركة الموصل، ففي العام الأخير تقلصت المنطقة التي يسيطر عليها داعش في العراق إلى الثلث، والتنظيم لم يحتل مناطق جديدة، والقوة البشرية لديه انخفضت 30- 40 في المئة، رغم أنه ما زال يملك 20 ألف مقاتل"، والميزانية "انخفضت بـ50 في المئة، خصوصا بفقدان المدخولات من الضرائب والنفط، والعمل الأمريكي المكثف ضد أموال التنظيم"، مشيرا إلى أن "أجرة مقاتل داعش تتراوح اليوم بين 100 دولار و150 دولارا شهريا، مقارنة مع 300 دولار في الأيام الجيدة"، على حد تعبيره.

وفي بداية طريق تنظيم الدولة؛ قدم داعش خدمات بلدية: المدارس والشرطة وجمع القمامة، بينما راقب حكام المحافظات والمجالس الشرعية تطبيق قوانين الشريعة، وكل قرار مناطقي كان يجب أن يحصل على موافقة الحكم المركزي في الرقة. ولعب التنظيم أيضا "دورا سياسيا" في مجالات مثل الأمن والاقتصاد والصحة، بحسب فيشمان، الذي أوضح أن كل ذلك آخذ في الاختفاء مع ترك المواقع البلدية الكبيرة، ويمكن رؤية ظواهر قلة الكهرباء أو الجوع، على حد قوله.

وتراجع الإنتاج الإعلامي لتنظيم الدولة في السنة الماضية، حيث إننا "لم نر تقريبا أفلاما دعائية توثق قطع الرؤوس للأسرى بالملابس البرتقالية"، بحسب فيشمان، الذي أوضح أن "هذا ليس صدفة، وقد تراجعت دعاية داعش، التي كانت رافعة من الرافعات ووفرت النجاح للتنظيم في أوساط الشباب المسلمين وبثت الرعب في قلوب الكفار كما ونوعا".

ومن جانب آخر، تراجع حجم النشاط في الشبكات الاجتماعية ونشر الأفلام والخطابات والمدونات بنسبة عالية، حيث إن أعمالا مثل إحراق الطيار الأردني، لا توجد تقريبا في الشبكة، موضحا أن هذا التراجع حصل قبل قتل العدناني، إلى أنه منذ بدء المعركة على الموصل، كان هناك تزايد في حجم الدعاية التي تهدف إلى تخويف القوات المهاجمة مع قصص حول الأنفاق المفخخة والشوارع المفخخة أيضا.

وأشار فيشمان إلى أن "داعش لم يختف بل غير مكانه، فحين ترك مدنا تحت الضغط العسكري للتحالف الامريكي في العراق، انتقل إلى المحيط، إلى القرى، وقام بممارسة الإرهاب من هناك"، أما في سوريا فإن داعش يتقلص باتجاه الرقة، وهي مركز سلطته الأهم منذ صيف 2013.

وأوضح أنه في الرقة، تتواجد القيادة المدنية والعسكرية، وهناك يتم تحديد الاستراتيجية، وهناك يتواجد الزعيم أبو بكر البغدادي، حيث إن المعركة التي ستحدث في الأيام القادمة على الرقة هي بالنسبة لداعش مثل "معركة ستالينغراد"، مهمة، لكنها تأتي بعد الرقة، ويوجد فيها 220 ألف نسمة، وعندما ستسقط الموصل سينسحب رجال داعش إلى الرقة، وعندما ستسقط الرقة ستنهي "الدولة الإسلامية" دورها ككيان سياسي مع منطقة جغرافية، ولكن رغبة استهداف الكفار لن تختفي، بحسب تعبيره.

وأوضح الكاتب أن التقلص والتوسع بحسب التطورات الميدانية قرار "عسكري"، وليس أيديولوجيا، موضحا أن من يقف وراءها ضباط سابقون في الجيش العراقي من مؤيدي نظام صدام حسين، مؤكدا أن "تقنية داعش الدفاعية هي نفس التكتيك الذي استخدمه "المتمردون" ضد الجيش الأمريكي في حرب الخليج الثانية، وفي بعض المدن التي كانت تحت سيطرة داعش وسقطت في الأشهر الأخيرة في أيدي الجيش العراقي مثل الرمادي وتكريت ورتبا والفلوجة".

واختتم الكاتب بقوله إن الموصل لم تسقط بعد، لكن منذ الآن هناك نقاشات حول تأثير انهيار داعش على أمن أوروبا والشرق الأوسط"، ومن الواضح أنه حتى بدون دولة أو مناطق جغرافية، فإن أيديولوجيا التنظيم الجهادي السلفي ستستمر، واللغز الكبير هو الشكل الذي سترتديه هذه الأفكار بنظر الشباب المسلمين المتطرفين وإلى أين سيتم صب هذه الطاقة وكيف ستؤثر على الأمن العالمي، على حد تعبيره.