كتاب عربي 21

رهبان وليسوا قساوسة!

1300x600
استنكر أن يكون أداؤهم يليق بكونهم قساوسة، ولم يعلم أنهم رهبان، وهو السلك الأكثر انضباطاً، في الفضاء الكهنوتي!

إنه صديقنا الدكتور "حمزة زوبع"، الذي عرض في برنامجه على قناة "مكملين" في يوم الأربعاء الماضي، فيديو لمنصة ضمت مجموعة من القوم، كان من الواضح أنهم ضمن الفرقة الكهنوتية، التي أرسلها البابا تواضروس، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليحثوا المسيحيين هناك على المشاركة في زفة استقبال عبد الفتاح السيسي!

كان "زوبع" قد عرض قبل هذا الفيديو، لقاء للبابا المذكور على قناة تلفزيونية مصرية، وهو يعلن أن هذا الاستقبال ليس سياسياً، ولكنه من باب الواجبات الاجتماعية، فمن الطبيعي أن يرحب الإنسان بضيفه. فاته أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست من أملاك رعاياه، كما أن مقر الأمم المتحدة، ليس دار المناسبات الملحق بكنيسة "أبو سيفين" في المعصرة، وإذ كان الاستقبال واجبا اجتماعيا، فلماذا لم يقم القوم بذلك في السابق لرؤساء آخرين!

لم يحتج دفاع تواضروس إلى تفنيد، فالفيديو اللاحق له، كان يتحدث فيه الرهبان من منطلق سياسي، عندما استدعى أحدهم السنة التي قضاها الرئيس محمد مرسي في الحكم، وانتظرنا أن يوضح كلامه، وأن يذكر أمثلة، فلم يقل شيئاً، فمعلوماتي أن المسيحيين لم يذبحوا في عهد مرسي، فالمذبحة التي ارتكبت أمام ماسبيرو ضدهم قام بها عبد الفتاح السيسي. فلم يذكر الأب الراهب أدلة توضح حالة الفزع التي كانوا يعيشون فيها في عهد الرئيس محمد مرسي، وإن كان ذكر أن هذه المرحلة شهدت فرض إتاوات عليهم في الصعيد!

الراهب يكذب ويتحرى الكذب، ولم يعد هناك معنى لاستمراره في الانخراط في فضاء الكهنوت، أو الاستمرار في سلك الرهبنة، الذي يبدو أنه لا يتمسك بشيء من مظاهره سوى امتناعه عن الزواج، وتمسكه باسمه الجديد، فالرهبنة تعني التقشف والزهد، والابتعاد عن شؤون الدنيا، والعزلة عن أهلها، والاستغراق في العبادة والتأمل. وبدأت الرهبنة في أعلى الجبال وفي الكهوف بعيداً عن الناس!

والشخص الذي تتم رسامته راهباً، يغير اسمه، ويعامل على أنه مات، ومن ثم تنقطع صلته بأهله، ومصر سبقت العالم في ابتداع الرهبنة، ويأسف المرء أن يبدأ التحلل من ضوابطها، بدفع الرهبان إلى دروب السياسة، وأن يتحولوا إلى أداة عزف تطرب الحاكم، وإلى أنفار يجمعهم البابا ليحشدوا الأنفار المسيحيين لاستقبال قائد الانقلاب، في توظيف للدين لخدمة السياسة!

لا بأس، فقد كنت لفترة من الزمن مشغولاً بالمعارضة داخل الكنيسة، وارتبطت بعلاقة مع رموزها في فترة التسعينيات، ولا زلت أذكر هذا المنشور الذي أصدره أقباط المهجر، ويأخذون على أحد الرهبان الذين أرسلهم البابا للخدمة في الخارج، انشغاله بالملذات، وقيامه بشراء سيارة مرسيدس. وينسب للراهب نظير جيد، أو البابا شنودة، أنه من بدأ عملية إخراج الرهبنة من المحتوى الذي أسست عليه!

ومع هذا، فلم يكن المرء يتصور أن يتم توظيف الرهبان في مهام حزبية ودنيوية على النحو الذي شاهدنا، والذي وصل إلى درجة ممارسة الكذب البواح، فماذا حدث للمسيحيين في مصر في فترة حكم الرئيس محمد مرسي، حتى يشاركوا في الانقلاب عليه، ويحضروا في كل الفاعليات، التي تخرج المسيحيين من نطاقهم الوطني ليكونوا مجرد "هتيفة" لحاكم فرط في الأرض، وفي مقدرات مصر وقيمتها.

محمد مرسي لم يفجر كنيسة القديسين، لكن الذي فجرها هو نظام مبارك، الذي يمثل السيسي الامتداد الطبيعي له.

ومحمد مرسي لم يقتل المسيحيين أمام ماسبيرو، ولكن هذا فعله عبد الفتاح السيسي.

ومحمد مرسي لم يدفع بالدبابات لتؤدب الرهبان، الذين استغلوا الفوضى الأمنية في الأيام الأولى للثورة، واجتاحوا أراضي الدولة الملاصقة للأديرة، ولكن من فعل هذا هو حكم المجلس الأعلى للقوة المسلحة، والسيسي كان عضواً فيه.

قولوا إن المسألة مرتبطة بأنكم ضد محمد مرسي لأنه ينتمي للتيار الإسلامي ولو أشعل أصابعه لكم شمعاً، ولا يجوز للأب الراهب أن يكرر مزاميره عن السنة السوداء التي عاشوها قبل عزل مرسي، فلماذا كانت سوداء عليكم؟!

اللافت، أن الشعب المصري يعرف دوافع هذه الحرب ضد الرئيس الإسلامي، وتكمن الكارثة أن تواضروس لا يعلم أنه بما يفعل أنه يعرض المسيحيين للخطر، في حال سقوط السيسي بثورة، لم يكن لمرسي ولا لغيره قدرة على السيطرة على تصرفات الناس خلالها، وقد احتشد الإسلاميون حول الكنائس بعد الانقلاب الذي شارك فيه البابا، وبعد المجازر التي ارتكبها السيسي بموجب التفويض الذي حصل عليه ممن خرجوا بناء على طلبه وعلى أمر البابا، ولا أظن أنه سيكون هناك دور للعقلاء إذا حدث ثورة جديدة، والسيسي لم يأت ليحكم ثلاثين عاماً، أو عشر سنوات!

البابا الذي لا ينظر إلا تحت قدميه، يغامر بمستقبل المسيحيين في مصر، وقبل هذا وبعده هو يخدم التيار الإسلامي من حيث لا يدري، وهو صاحب أفضال في هذا الاتجاه وسابق بالخيرات!

لقد خسر التيار المدني الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس 2011، فإذا كان الإسلاميون حشدوا للتصويت بـ"نعم"، التي قال السلفيون إنها لله ورسوله، وذلك للحفاظ على المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة والدين الرسمي، فقد وفر لهم البابا المصداقية عندما دفع برعاياه ليخرجوا بحشود للتصويت بـ "لا" وكانوا يقولون حتى يمكن إلغاء هذه المادة، مما كان له الأثر الكبير في حشد ما يسمى بحزب "الكنبة" وغير المعنيين بالدستور وبالسياسة وبالثورة، بل ومن ينتمون لدولة مبارك في الريف، حماية للمادة الثانية!

إن تواضروس يمثل تحدياً كبيراً أمام الدولة المدنية التي نريدها في مصر، وأمام قضية التحول الديمقراطي.