قضايا وآراء

الانتخابات النيابية في الأردن وخروج الإخوان من المأزق

1300x600
لسنوات طوال كان ينظر لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن بأنها درة التاج الإخواني، فهي الجماعة الوحيدة في المنطقة العربية المرخصة باسم (جماعة الإخوان المسلمين) ويافطتها مشرعة بشكل واضح في الشارع الأردني وتأثيرها عميق في الحالة السياسية الأردنية، وهي تعتبر مخزونا بشريا معتبرا للطاقات الإخوانية في العالم، وجعلها تبنيها للقضية الفلسطينية تتمتع بمقام تجاوز حدود الأردن. 

لقد كانت الحالة السياسية المستقرة في البلاد العربية قبل الربيع العربي حالة مريحة إلى حد كبير لجماعة الإخوان التي آثرت أن تعمل وفق معادلة سياسية محددة، فمقابل السماح لها بممارسة أنشطتها كانت تقارب قضايا العمل العام في الدولة دون أن تدخل في صلب سؤال الإصلاح السياسي ذي التكلفة العالية، فالأنشطة الاجتماعية والدعوية والمشاركة البرلمانية وتبني شعارات الدعم والمناصرة لفلسطين والعراق وللمسلمين في العالم كلها تسير وفق المعادلة السياسية، ولم تكن البرامج العملية لإصلاح النظام السياسي أو الاقتصادي في البلاد مطروحة أو تحظى باهتمام، ولم تملك الجماعة رؤية إصلاحية تتقدم بها مستغلة ظرف الربيع العربي سوى الاحتجاجات.

جاءت لحظة الانقلاب المصري الدموي قاسية على الإخوان في الأردن وانعكست آثاره عليهم بشدة، ودخلت جماعة الإخوان في المنطقة العربية في مأزق جراء تداعيات هذا الانقلاب، وظهر أن رأس الإخوان مطلوب إقليميا، وكان المنتظر بجماعة إخوانية بحجم وعراقة جماعة إخوان الأردن أن تتقدم الصفوف لتقييم تجربة الإخوان ومراجعتها، والنظر في نجاحاتها وإخفاقاتها واستخلاص الدروس والعبر، وقيادة الصف نحو التجديد والتغيير بما يلائم الظرف والعصر.

في تلك اللحظة التاريخية الفارقة لم تملك جماعة الإخوان القدرة على قراءة المشهد والتعامل معه واستمرت بطريقتها التقليدية وكأن شيئا لم يحدث معتبرة ذلك صورة من صور (الثبات على المبدأ) ومن الطبيعي في مثل هذا الظرف أن تدب الخلافات في صفوفها لكنها لم تحسن إدارة الخلاف في هذا الظرف الحرج، فحتى الخلافات بل والانشقاقات تحتاج قيادة قادرة على إدارتها.

المعضلة الرئيسية أن قيادة الإخوان في الأردن قيادة يغلب عليها الطابع التنظيمي وليس الفكري ولا السياسي وبالتالي فهي قيادة لا تحسن قراءة المشهد الإقليمي وتداعياته وانعكاس ذلك على الوضع الداخلي لقد كانت قراءتها قائمة على توقع سقوط الانقلاب المصري بوقت سريع، وقد حدث بالفعل أنها أهملت في حساباتها جميع الشواهد التي تشير لاستهدافها وركنت إلى بعض المظاهر المريحة لها، مثل قراءتها للتغير في السعودية بعد وفاة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز بل وخروج فضيلة المراقب العام السابق على الجزيرة في مقابلة يدعم فيها سياسات الملك الجديد، وسبق ذلك تسويق مقابلة له مع وزير الأوقاف السعودي باعتبارها استفتاحا للنهج الجديد، وفهمت قيادة الإخوان أن النهج السعودي الجديد سيقوم على التحالف معها، كما أنها ابتلعت تسريبا من جهة ما يقول بأن العاهل الأردني حفظه الله يريد أن ينقل الحكم لابنه لأسباب صحية ولذلك هو حريص على أن تمر هذه العملية بهدوء ودون منغصات، بالإضافة إلى بعض التصريحات التي قيلت لهم من رئاسة الحكومة في لقاءاتهم معها وكلها تسير باتجاه الطمأنة، لقد أغفلت القيادة الحقائق الماثلة على الأرض لصالح التفسيرات الرغائبية حتى جاءتها الضربة من حيث لم تتوقع.

ورغم إجراء بعض التغييرات في المستوي القيادي إلا أن آلية صناعة القرار استمرت كما هي، وعناصرها عدم تقدير الموقف وعدم التفكير الجدي العميق للخروج من المأزق.

المشكلة الآن أن استهداف الدولة الأردنية للإخوان واضح وضوح الشمس وهي تستغل الفرصة الذهبية التي جاءت لها بسبب الوضع الإقليمي أما إيهام النفس بمقولة إن الإخوان هم صمام الأمان للبلد فلم يعد يجدي، بل هناك مأزق حقيقي ومخطط هدفه أردن بلا إخوان، أو أردن بإخوان بلا وزن في أقل تقدير، وهو مخطط مدعوم إقليميا بينما الإخوان لا ظهر لهم، وبطبيعة الحال فإن وجود تنظيم قوي متماسك في دولة ما لا يعجب النظام وبطبيعة الحال سوف يسعى لتفكيكه وقد جاءته الفرصة على طبق من ذهب للتنكيل بهم.

الإخوان في مأزق فهم إن قاطعوا الانتخابات سوف يزداد تنكيل النظام بهم، وإن ذهبوا للانتخابات -وهذا أمر يريده النظام لأن وجود الإخوان مهم جدا في مشهد الانتخابات- فالنظام لن يسمح للإخوان بأن يحوزوا أكثر من رقم معين يضمن للنظام راحة البال ويسهم في تمرير قرارات جوهرية قد يكون منها إقامة كونفدرالية مع الضفة.

لا شك بأن الإخوان أداروا لعبة التحالفات الانتخابية بشكل جيد لكن لا يوجد ضمانات لما سيحصل بعد الفوز، ولا ينبغي المبالغة في تأثير هذه الخطوة والادعاء بأنها أربكت النظام، فالنظام الأردني يتميز بالذكاء الشديد وهو يملك أجهزة تتصرف باحترافية وبدهاء شديدين وهي تعرف وتفهم كيف يفكر الإخوان وتحسن التعامل مع ردود أفعالهم، بينما نجد أن الإخوان يتعاملون بطريقة استعراضية لإثبات الوجود على الساحة، وللأسف لا يوجد فرج قريب في الأفق، ولو كنت ناصحا لهم لنصحتهم بالمشاركة بعدد محدود يضمنون به تواجدا في البرلمان.

سيسأل سائل وأين المخرج؟ الإخوان يرون المخرج في المشاركة المكثفة في الانتخابات ويعتقدون بأنها ستخرجهم من أزمتهم، وهذا غير صحيح.

الإخوان بحاجة لقراءة المشهد الإقليمي جيدا والتراجع خطوة للوراء ونزع كل فتيل للأزمة، والمصالحة مع الذات فمن كان بيته مهلهلا لا يمكن أن يصلح بيوت الآخرين، كما أن الإخوان مطالبون بالعودة للأسئلة الجوهرية: من هم؟ وماذا يريدون؟ فإن كانوا جماعة دعوية إصلاحية تؤمن بالدولة الأردنية وتعترف بها فعليهم أن يتحولوا لمؤسسات دعوية وإصلاحية وتنموية ويفصلوا بينها وبين العمل الحزبي كليا، فصلا في مستوى الخطاب والرموز ومجالات العمل، وأن يتركوا العمل الحزبي لأفرادهم المتمكنين سياسيا وأن يركزوا على إصلاح أوضاع المواطن الأردني، وأن يقتحموا مجال الإصلاح بدلا من الركون إلى الأنشطة التي تثير ضجيجا ولا تكلفة سياسية لها مثل مهرجانات نصرة فلسطين والعراق كما ذكرنا آنفا.

أما إذا لم تكن هذه رؤيتهم بل هم يرون النظام الأردني جزءا من مشروع إقليمي ودولي يستهدف القضية الفلسطينية فعليهم بالتالي أن يتصرفوا كحركة تحرر وطني ويتبنوا نهج (ذات الشوكة) ويتحملوا ما ينتج عن ذلك، ولا أظنهم قادرين ولا راغبين بذلك.

إن الضجيج الانتخابي ليس إلا (حبة بندول) يشعر الأنصار بالارتياح لكنه لا يعالج جوهر الأزمة، بل قد يكون فخا تم نصبه بإحكام، ودون مراجعة النفس وطرق الأسئلة التأسيسية ومعالجتها فلا انفراجة في الأفق، وسيسري على جماعة الإخوان ما يسري على بقية التجمعات البشرية من سنن إلهية، فإن الله لا يحابي أحدا في سننه. وما ينطبق على جماعة الإخوان الرئيسية ينطبق على بقية الجماعات التي خرجت منها، وهي أيضا مطالبة بتقديم رؤية تنسجم مع الذات والظرف، ولا تقوم على مناكفة الجماعة الأم.