ربما بات الحديث عن المناطق المحاصرة حديثا متكررا، إذ إن مساحات واسعة في
سوريا باتت ترزح تحت
حصار خانق، وإن تفاوتت حدة هذا الحصار بين منطقة وأخرى، كما أن بعض المناطق مرت على فترات تحت الحصار أطول من الأخرى.
حي
الوعر، وهو آخر المناطق التي لا زالت تحت سيطرة الثوار في مدينة
حمص، هو إحدى أبرز تلك المناطق المحاصرة من قبل قوات النظام السوري. ويتحدث الأهالي عن أزمة حقيقية تعيشها المراكز الطبية خاصة، فمثلا، بات الأطباء يستخدمون أكياس الطحين والقماش المهترئ والأكفان التي أرسلتها الأمم المتحدة للف الجروح والإصابات عوضا عن الشاش الطبي غير المتوفر، في حين تستخدم الإبر لأكثر من مريض بسبب شحها، أما السيرومات فمعظمها منتهية الصلاحية منذ عام 2012 أحيانا، إضافة إلى المعاناة الشديدة في مخزون الدم.
ورغم عرض النشطاء هذه الأزمة الحقيقية على الأمم المتحدة والهلال الأحمر، إلا أنهم يشكون من غياب تجاوب ملموس بشأن هذا الموضوع.
وفي هذا الإطار، يقول الناشط أسامة أبو زيد لـ"
عربي21": "وصلنا لأسوأ مرحلة من الحصار في حي الوعر، حيث بات الغذاء يقتصر على البقوليات، إلى درجة أننا بتنا نطحن هذه البقوليات للحصول على الخبز".
ويضيف: "الكهرباء معدومة منذ أكثر من عشرة أيام، وكذلك المحروقات، في حين أن الأهالي باتوا يطبخون على المواقد بعد أن يحرقوا الأخشاب أو القطع القماشية، وحُرم الأطفال وسط هذا من أبسط حقوقهم، ألا وهو التعليم إذ بات الأخير من رفاهيات الحياة".
وتابع أبو زيد لـ"
عربي21": "انتشر وسط أزمة الجوع هذه ما يعرف بالمقايضة، وهي أن يقايض من يمتلك الأرز الفائض مثلا مع من يمتلك البرغل الفائض، وافتتحنا مركز لهذا الأمر".
أما بالنسبة للدواء، فأوضح أبو زيد أنه "لم يتبقَ إلا 5 في المئة من بعض أصنافه ومعظمها منتهية الصلاحية، وهناك سوء تقدير واضح لتجاوب الأمم المتحدة والهلال الأحمر لتلبية حاجة الحي من الدواء، حيث تم إدخال أكثر من 50 ألف علبة دواء لمرضى السكري، بينما لا تقدر الاحتياجات لأكثر من مئة شخص مصاب بالسكري، بينما يتم التغاضي عن
أدوية أخرى ضرورية وخاصة أدوية الإسعافات الأولية".
وأشار أسامة أبو زيد إلى أنه لا يوجد إثبات حتى الآن على أن بعض المرضى قد توفوا نتيجة سوء استخدام العقاقير الطبية، موضحا أن "النقطة الطبية تشهد يومياً حالات وفاة، أما عن استخدام الأدوية المنتهية الصلاحية، فأكد الأطباء أنها ربما لن تؤدي إلى الوفاة، لكنها لن تعطي تلك النتيجة التي تعطيها الأدوية سارية المفعول".
أما عن شروط النظام لفك الحصار، فأوضح أبو زيد أن "الحي محاصر حصاراً جزئياً منذ مدة طويلة، إلا أن الحصار الكلي بدأ منذ ثلاثة أشهر، حيث يطالبنا النظام بالتخلي عن بند المعتقلين وإطلاق سراح 7365 معتقلاً، مقابل فتح الطرقات وفك الحصار، إلا أن الأهالي يرفضون ذلك، كما يرفضون تسليم المسلحين أنفسهم؛ باعتبار أن أغلبهم من أهالي الوعر ووقفوا على الجبهات صداً لهجمات الشيعة من الأحياء المجاورة منذ أربع سنوات إلى الآن".
وأكد أسامة أبو زيد أنه لا يوجد حتى الآن أي اتفاقية جديدة بشأن الوعر، "لكن الأمم المتحدة مستعدة للتدخل في أي عملية تفاوض ما دامت تقضي بالتغيير الديمغرافي للوعر، كما حصل بحمص القديمة عندما تم إخلاء الأهالي والثوار من الحي وإدخال الشيعة"، وفق تعبيره.
وأشار أبو زيد إلى أن وضع الأهالي في الداخل بات مريعاً، إذ باتوا يخشون من عودة شبح الموت جوعاً إليهم أو تصفيتهم بطريقة أخرى، وتحدث عن نشر قناصة للنظام السوري على الأسطح الحكومية العالية، حيث يتم اسهداف ما معدله شخصان على الأقل بشكل ممنهج يوميا، وكثير من الإصابات في الرأس.
وبينما يرى أهالي الوعر أن قضيتهم باتت منسية باتوا، يحاولون لفت نظر العالم عبر حملات على شبكات التواصل الاجتماعية من قبيل حملة "الوعر تموت جوعا"، أو بطريقة أخرى عن طريق رسم بوكيمونات بجانب الدمار، فلعل هذه البوكيمونات تلفت نظر العالم وتدعوه للتحرك، بعدما عجزت أنّات المحاصرين عن دفعه للتحرك، كما يقول ناشطون بسخرية.