قضايا وآراء

عداء الأنظمة العربية للمقاومة

1300x600
يتساءل كثيرون في الساحة العربية عن سر عداء أغلب الأنظمة العربية للمقاومة ضد الكيان الصهيوني، وأحيانا تتيسر الإجابة، وأحيانا تخضع للجدل والأخذ والرد. هناك فصائل مقاومة في لبنان وفلسطين، وهي توجه أسلحتها ضد الصهاينة، ولا تحرض ضد الأنظمة العربية، ولا تعمل على تسليح معارضي هذه الأنظمة، وبالرغم من ذلك لا تتوقف الأنظمة عن اتخاذ إجراءات ضد المقاومة والمقاومين مثل منع سفرهم أو منع دخولهم بعض البلدان العربية، أو تصنيف المقاومة ضمن قوائم الإرهاب، أو اتخاذ إجراءات ضد وسائل الإعلام والمواقع الإليكترونية التي تروج للمقاومة وتقف ضد الكيان الصهيوني وضد الاتفاقيات التي تم إبرامها معه.

بداية، تقديري أن الإجابة تكمن في العلاقات الجدلية القائمة في المنطقة، أي أن العداء للمقاومة والعمل على مقاومتها مسألة بنيوية تنخر أجساد الأنظمة العربية، وهذه الأنظمة لا يمكن إلا أن تكون ضد المقاومة تركيبيا وليس عرضيا. واضح أن عددا من الأنظمة العربية تعتمد على الولايات المتحدة وعموم الدول الاستعمارية الغربية في أمنها، وهي في الغالب تستظل بالمظلة الأمنية الأمريكية، وأمريكا تؤكد باستمرار أنها تدافع عن أمن هذه الأنظمة وستبقى تدافع لأن في ذلك ما يخدم المصلحة القومية الأمريكية. ودول الخليج مثال على ذلك، وهي لا تستطيع الدفاع عن أمنها برغم الكميات الهائلة من السلاح التي تشتريها غالبا من الدول الغربية. وهناك قواعد عسكرية أمريكية في أغلب دول الخليج، وهي توفر مظلة أمنية لأنظمة الخليج، وقواعد قد تحتاجها أمريكا في الاعتداء على دول عربية وإسلامية.

وهناك دول عربية أخرى لا تستطيع دفع رواتب الموظفين آخر الشهر إلا إذا حصلت على معونات مالية غربية، بالأخص من الولايات المتحدة، مثل السلطة الفلسطينية والأردن، ودول أخرى تنتظر دائما القروض المالية من أمريكا، أو من بعض أدواتها على المستوى العالمي مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حتى تستطيع دول مثل مصر والمغرب والأردن تسيير شؤونها المالية والمحافظة على الاستقرار لا بد لها أن تلبي طلبات الممولين، ومن لا يملك المال لا بد أن يخضع لإرادة صاحب المال.

من ناحية أخرى، يتغلغل الكيان الصهيوني استخباريا في البلدان العربية، وهو مطلع على كثير من خبايا الأمور في دول العرب، ولديه الكثير من المعلومات حول نشاطات الحزبيين والوطنيين والقوميين العرب. الدول العربية كما الأنظمة العربية مخترقة أمنيا من قبل الكيان الصهيوني، ومخترقة أيضا بكثافة من قبل المخابرات الغربية. وبسبب وفرة المعلومات لدى الصهاينة، يتمكنون من التأثير بصورة كبيرة على مجريات الحركة السياسية والوطنية في البلدان العربية، وبإمكان الكيان أن يؤثر على استمرار حكم بعض الأنظمة، ومن الممكن أن يقلب نظاما لصالح نظام جديد يراه متناسبا مع تطلعاته. وقد سبق للكيان أن رصد تحركات انقلابية في بعض اليلدان العربية، وأوصل المعلومات للنظام الحاكم ليستبق الأحداث. لقد حافظ الكيان على استقرار أنظمة عربية وهز أنظمة عربية أخرى لا تتمشى مع متطلباته.

أما فئة الاستبداديين العرب فلم تكن يوما على قدر المسؤولية وكان همها الوحيد المحافظة على نظام الحكم. هناك أنظمة عربية أتت بانقلابات عسكرية ووعدت الأمة بالكثير من الخير وبتحرير فلسطين، لكنها حميعها مارست الاستبداد ضد شعوبها وسحبت البساط بغبائها من تحت أقدامها. لم تترك الأنظمة الاستبدادية الانقلابية العربية فرصة لنفسها لكي تنجح، وذهبت بعيدا في قمع الناس وقهرهم حتى أصبحت معزولة جماهيريا وتحكم بقوة المخابرات والإجراءات التعسفية. ومنها من خاضت حروبا فاشلة ضد الصهاينة ذهب ضحيتها المواطن المسكين، ودون أن تكون للنظام رؤية أو استراتيجية لتحقيق نصر.

فإذا كان أمن الأنظمة العربية مرتبطا بالدول الغربية وبالأخص الولايات المتحدة، وهي ذاتها الدول التي صنعت الكيان الصهيوني وشردت الشعب الفلسطيني، وهي التي ما زالت تسلح الكيان، وتموله وتدعمه في كافة المجالات، فهل نتوقع من الأنظمة العربية التمرد على سادتها ومصادر استقراها لصالح فلسطين. هذه أنظمة لا تدعم شعوبها في أغلب الأحيان، وهي أنظمة بوليسية شرسة تسهر باستمرار على ملاحقة شعوبها، فكيف بها أن تقف مع شعب فلسطين؟ وإذا كان الكيان مساهمافي المحافظة على استقرار عدد من هذه الأنظمة، فهل نتوقع منها أن تقف ضده؟

ولهذا الأفضل للمقاومة ألا تنشغل بمواقف الأنظمة العربية منها، وأن تستمر في عملها ومراكمة القوة دون إضاعة وقت. الأنظمة لا يمكن أن تكون مع المقاومة، وهي عبء على المقاومة وليست رصيدا لها. ربما من الأنسب للمقاومة أن تخاطب الشعوب العربية دون الأنظمة لما في ذلك من استنهاض للعواطف الجماهيرية التي قد تشكل ضغطا يوما ما على الأنظمة.