كتاب عربي 21

سقوط الإنقلاب اقتصاديا.. لماذا تأخر؟

1300x600
مع تردى الأوضاع الاقتصادية فى ظل الانقلاب العسكرى بمصر، من ارتفاع لمعدلات الدين العام المحلي والخارجي، حتى تساوت نسبته مع الناتج المحلي الإجمالي، وتزايد نسبة العجز بالموازنة، واستحواذ تكلفة الدين الحكومي على نسبة 44 % من الإنفاق بالموازنة. 
 
 وتزايد العجز بالميزان التجاري وبميزان المعاملات الجارية، مع انخفاض حصيلة عدد من موارد العملات الأجنبية، على رأسها السياحة والمعونات الأجنبية وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، وإيرادات قناة السويس، والمتحصلات من الخدمات الحكومية التي تقدمها القنصليات المصرية بالخارج.
 
 وتحول صافي الأصول الأجنبية بالجهاز المصرفي، الى الجانب السلبي منذ شهر نوفمبر الماضي وما بعده، وعجز البنك المركزي المصري عن الوفاء بمتطلبات الشركات من العملات الأجنبية، لشراء المواد الخام والوسيطة وقطع الغيار والأدوية والسلع الغذائية وغيرها، واضطرار كثير من المصانع للتوقف عن الإنتاج بعض الوقت.
 
 وصعوبات تحويل أرباح الشركات الأجنبية، وتزايد الفجوة بين سعر الرسمي للدولار، وبين السعر بالسوق الموازية والتي قاربت الجنيهات الثلاثة، مع توقعات بخفض جديد للعملة المصرية، رغم ما ترتب على انخفاضها من ارتفاع للأسعار لغالبية السلع، فى ضوء وجود مكون مستورد بغالبية السلع المنتجة محليا، واستيراد نحو 60 % من المواد الغذائية. 
 
 وتراجع معدلات الاستثمار الداخلي والأجنبي بسبب المعوقات المتعددة للاستثمار، وحالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وصعوبات التمويل وتدني انتاجية العمالة ونقص الأراضي الصناعية المرفقة ونقص الوقود مع ارتفاع تكلفته.
 
 ومع انخفاض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري، واستفحال عدد من المشكلات الاجتماعية منها اتساع سكنى العشوائيات غير الآدمية، وانتشار البطالة والفقر ونقص مياه الشرب وتردي الخدمات الصحية والتعليمية والنظافة والمرور. 
 
 وفي ظل تلك الصورة بالغة القتامة يظل السؤال، لماذا تأخر انهيار الانقلاب من الباب الاقتصادي، والسبب أن هناك عوامل خارجية وداخلية تؤخر السقوط.
 
 أما العامل الخارجي الرئيسى فهو حرص الدول الغربية واتباعها بمنطقة الخليج العربى واسرائيل، على بقاء نظام يحقق مصالحهم، ومع تأثر اقتصادات دول الخليج بتراجع أسعار البترول، ودخولها بأكثر من نزاع مسلح بالمنطقة العربية، فقد تحول الدعم المالي لنظام الانقلاب الى قروض.
 
 كما أقرضه البنك الأفريقي للتنمية الذى تسيطر الدول الغربية على نصف حقوق التصويت به، بنصف مليار دولار كدفعة أولى من قرض يبلغ مليار ونصف دولار، كما يستعد البنك الدولي لإقراضه مليار دولار كدفعة أولى من قرض يبلغ 3 مليارات دولار. 
 
 ورحب صندوق النقد الدولي باقتراض الانقلاب مبالغ أكبر مما وعد به البنك الدولي، كما يتم دفع منظمات إقليمية أخرى لإقراض الانقلاب مثل بنك الاستثمار الأوروبي وبنك التصدير الأفريقى، والبنك الإسلامي للتنمية وصندوق النقد العربي ومؤسسات تمويل عربية أخرى. 
 
 وهكذا أمدت تلك المعونات السخية حتى نهاية عام 2014، ثم القروض المتدفقة منذ بداية عام 2015 وحتى الآن، نظام الانقلاب بما يكفل له الوفاء بالاحتياجات من سلع البطاقات التموينية والخبز، والنفط الخام والمنتجات النفطية.
 
 وهكذا مثل تدفق القروض تعويضا عن نقص الموارد الدولارية الأخرى، مما قلل من العجز الكلى لميزان المدفوعات، وحافظ جزئيا على احتياطاته من العملات الأجنبية لتغطي ثلاثة أشهر من الواردات السلعية. 
 
 أما على المستوى الداخلي فقد استفادت الحكومة من سلطانها على البنك المركزي والبنوك العامة، فى توجيه توظيف غالب أصولها نحو شراء أذون وسندات الخزانة الحكومية، التى تصدرها لسداد عجز الموازنة. 
 
 وعلى المستوى الداخلي أيضا لعب الاقتصاد غير الرسمى دورا بارزا فى استيعاب عدد كبير من العمالة، سواء التي خرجت من قطاع السياحة بعد تعطله أو من المصانع المتعثرة، أو من الداخلين الجدد لسوق العمل، في ضوء اتساع الأنشطة داخل القطاع غير الرسمي سواء المشروعة منها أو غير المشروعة. 
 
 فعربات التوك توك المنتشرة في أنحاء البلاد استوعبت الآلاف من الشباب والصبية وحققت لهم ولأسرهم دخولا جيدة، وكذلك مجال مكاتب الاتصالات والكافيهات وأنشطة بيع السلع المختلفة، والصناعات الحرفية والتي وفرت سلعا رخيصة تناسب قدرات الأوساط الشعبية المادية بغض النظر عن جودتها.
 
 وعلى الجانب الآخر فقد استوعبت الأنشطة غير المشروعة عددا ضخما من العمالة ومنها نشاط تجارة المخدرات المنتشر بأنحاء البلاد بما به من تعدد المهام، من ناضورجية وعمليات نقل وبيع وتخزين وحراسة وتهريب، كذلك مجال الاتجار بالأسلحة والتى تجد لها سوقا رائجة خاصة بالصعيد. 
 وأيضا نشاط الدعارة وتهريب الآثار والاتجار بالأجزاء الآدمية، وتهريب السلع المختلفة من ملابس وسجائر وأدوات تجميل وغيرها.
 
 أيضا تساهم التبرعات من خلال بعض الجمعيات الأهلية، في تدبير جانب من الاحتياجات المعيشية للآلاف من الأسر الفقيرة.