قضايا وآراء

الحركة الإسلامية التعصب للتنظيم وتقديس الأفراد والطاعة العمياء (2)

1300x600
مابين عامي 2008-2010، كتبت خمسة عشر مقالا حول الآفات الفكرية والتربوية التي تواجه الحركة الإسلامية وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين تم نشرهم في مجلة الأمة السعودية في هذا الوقت، أحاول إعادة نشر أهمها بتصرف لواقع لا أعتقد أنه تغير كثيرا! لعل وعسى نفهم جذور ما تعاني منه الحركة الإسلامية والتعرف على الداء بشكل مباشر ليسهل علينا استشعار الطريق الواجب للحلول.

التعصب للأفراد أو للتنظيم
وقد يدفع الحب والشعور العاطفي البعض من أفراد الحركة إلى الارتباط الشخصي والنفسي ببعض القيادات دون توجيه أو تصويب يعصم من المبالغة والإسراف، فمن قال قولهم فهو على صواب ومن خالفها فهو جاهل لا علم له!

وقد تزداد الحالة وتتسع لكل القيادات بل تصل إلى حد قبول أي كلام من أي شخصية تنتمي لجماعته أو حركته ومن غير ذلك فلا صدى لها عنده حتى وإن كانت الفكرة أو الرأي من غيرهم أكثر حصافة وحكمة!

وهذا أسر وقع فيه الكثيرون بلا تمحيص أو روية مثلما فعل كفار مكة عندما رفضوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم واتهموه بالسحر والجنون "وقالوا معلم مجنون"، فلقد كان التركيز على شخص الداعية المرفوض لديهم بعيدا عن دعوته ونعوذ بالله أن نقع فيما وقع فيه المعاندون، وأين تذهب "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها"، و"يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال"، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده ورسوله" خوفا من صناعة الصنم ومن ثم عبادته بالاتباع الأعمى.

ومثل ذلك ما يحدث دفاعا عن التنظيم بشكل عاطفي بالحق والباطل وهو ما يعرض أولئك المدافعين إلى الخروج على مقتضيات الحق فإذا بهم في النهاية يدافعون عن التنظيم لا عن الإسلام، وهو ما يعكس المهمة الرئيسية لأي تنظيم إسلامي من أنه في خدمة الإسلام وليس الإسلام في خدمة التنظيم!!! وهنا تظهر عظمة التربية الإسلامية حيث تربية القادة لا تربية العبيد.

غياب فكرة السمع والطاعة المبصرة
وذلك نتيجة الانسياق التام دون التثبت بالدليل أو البرهان وهو نمط من التفكير أولا مخالف لأصول الإسلام ولم يدعيه الرسول صلى الله عليه وسلم بجلالة قدره ومكانته في الدعوة وفي قلوب المسلمين، ثانيا هو نمط من التفكير الاتكالي الذي يبتلى به من اعتمد الاتباع بغير علم وافترض استحالة أن يخطئ من سبقه وهذا عين ما ذمه الله تبارك وتعالى في قوله سبحانه "مالهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا".
 
وما يترتب على ذلك هو عدم القدرة على مراجعة القادة وعدم مطالبتهم بالتدليل والبرهان على صحة ما ذهبوا إليه من أفكار وتصورات، حيث إن الخطأ هنا غير وارد!!! بينما القرآن يأمر المسلمين ويعلمهم "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، والنتيجة النهائية لاستمرار هذا النمط هو خلق حالة من الاستبداد الدعوي وتقديس حذرنا منه سابقا وضعف متوارث بين أفراد هم للعبيد أقرب من الأحرار! وهنا نذكر بما قاله المفكر مالك بن نبي أن "الأمة الحية" هي التي تعيش في فلك الأفكار وحين تصاب هذه الأمة بالمرض فإنها تتعلق بفلك الأشخاص ومن علامات موتها تعلقها بالأشياء... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.