قضايا وآراء

مصر المنكوبة

1300x600
قبل يومين تقريبا من سقوط الطائرة المصرية المنكوبة التي تحطمت في الجو، مضيفة حزنا جديدا إلى أحزاننا نحن المصريين، ظهر في قاعة المحكمة اثنان من كوادر الإخوان وقياداتها الشباب، أولهما الدكتور باسم عودة الذي استثمر فرصة وجوده في قاعة المحكمة لكي يحاصر النظام الانقلابي، ويحاكم قضاة الانقلاب الجالسين على منصة العدالة المفقودة أو المنكوبة تماما كنكبة مصر في إدارتها وحكمها العسكري.

بدا الدكتور باسم عودة قويا فتيا من الناحية النفسية رغم ضعف بنيته والهزال الذي بدا على جسمه النحيل، بدا كما لو كان ينتظر بشغف لحظة ظهوره أمام الرأي العام لكي يلقن الانقلاب درسا أظنه لن ينساه، خصوصا وهو يتحدث عن هموم الناس ومآسيهم، وهموم الوطن الذي يباع قطعة قطعة على يد الجنرال السيسي. تحدث فأسمع الدنيا وبدا وهو محاط بالبوليس كوردة تحيطها الأشواك أو كشمعة في ليل بهيم .

وعلى درب الوزير باسم عودة قدم الدكتور أحمد عارف المتحدث باسم الإخوان المسلمين وطبيب الأسنان الفائق علميا ومهنيا، وحافظ كتاب الله الكريم، والباحث في شؤون اللاهوت والدارس لسنة النبي الكريم والمجاز في علم الحديث، والنقابي البارع والسياسي النافع، بدا هو الآخر كما لو كان قد ابتعث من سجنه ليقدم للبشرية درسا بليغا في احترام ذاته وتقديره لشريكة حياته التي القت نفسها بين يديه فراح يقبل رأسها ويدها ويربت على كتفها بيد بينما يده الأخرى يرفعها في علامة تحد للطغاة .

مولانا أحمد عارف كما أحب أن أسميه بدا وقد فقد كثيرا من وزنه ولكنه احتفظ بعاطفته وحبه وأدبه واحترامه ولباقته، فقد ترك للوزير الفرصة لكي يكون بطل الظهور على مسرح الأحداث مقدما أخاه الدكتور باسم عودة الذي أجاد قصف جبهات الانقلاب والانقلابيين، هذه لفتة مهمة تعبر عن نفس طيبة وذوق رفيع .

عرفت مولانا أحمد عارف أثناء فترة عملنا كمتحدثين باسم الجماعة والحزب خصوصا حين عشنا معا كفريق إعلامي في مكان واحد لعدة أسابيع، كان رقيق الحال، طيب القلب، يعمل بروح الفريق، يستشير من حوله في كل ما يصرح به وخصوصا تغريداته التي كانت تتوالى كقذائف الحق في مواجهة سحرة فرعون، وأذكر أنه وحين خرج بيان وزير الدفاع المشئوم الثاني وهو مهلة 48 ساعة حاولنا أن نفهم حقيقة ما يجري وكانت هناك اتصالات ومشاورات هنا وهناك لكنه فجأة جلس على مقعده مرددا انقلاب .. انقلاب ..

كنت أدرك أنه سيكون هدفا للانقلاب فأن تكون متحدثا باسم الإخوان بهذه القوة والصلابة وأن ترفع يديك بعلامة رابعة لحظة اعتقالك فهذا يضيف إلى رصيد عداوة الانقلابيين تجاهك. وهذا ما حدث فقد لقي مولانا أحمد عارف نصيبا من التعذيب والإهانة لم يكن ليناله لو أنه وقع أسيرا في يد المحتل الأجنبي لو أدرك زمانه.

ورغم كل شيء بدا مولانا أحمد عارف قويا مبتسما مرفوع القامة والهامة مشغولا بوطنه قدر انشغاله بأهله وولده .

لا تزال جماعة الإخوان المسلمين تبهرنا بروعة صمود رموزها وخصوصا جيل الشباب منها، فقد لقوا من عدوهم ما لا يحتمل ،ورغم ذلك لم ينال منهم عدوهم شيئا، فلا هم اعترفوا به ولو على سبيل التقية، أو على سبيل أنه الحاكم المتغلب كما فعل براهمة السلفية الأمنية ولكنهم ثبتوا وصمدوا ولا يزالون .

قارن بين موقف هؤلاء الرجال وجرأتهم وصمودهم الأسطوري رغم أنهم في موضع الأسرى وبين السيسي الذي ظل صامتا لثلاثة أيام قبل أن يخرج على قومه معزيا إياهم في سقوط الطائرة التي استغاثت قواته المسلحة فلم تسعفها بل وأنكرت على لسان متحدثها العسكري أنها استلمت استغاثة من الأساس .

قارن بين سجين يدافع عن الغلابة ويرفض بيع تيران وصنافير وبين حر أو من المفترض أن يكون حرا وهو يبيع الوطن ويختبئ من شعبه ولا ينطلق لسانه بكلمة تعزية وهي أمر أقل من البسيط والعادي ولكنه صعب على من قتل وحاصر وبات شبه مغيب عن شعبه في ظل حراسة مشددة وتحركات لا يعلم عنها احد شيئا .

ظهور الدكتور باسم والدكتور عارف قبل سقوط الطائرة وحريق القطارات وربما حرائق أخرى على الطريق لا نعلمها ولكن يعلمها الله والانقلاب، هذا الظهور يعطيك فكرة عمن يستحق أن ينال شرف خدمة هذا الشعب وهذا البلد. هذا المشهد قد يساعد كثيرين من ذوي النوايا الطيبة ليعرفوا وليعترفوا أنهم أخطأوا حين تآمروا أو سكتوا على المؤامرة الكبرى على هؤلاء الناس .

نكبة مصر الحقيقية ليست في الحرائق، ولا في حوادث الطائراتن ولا في غلاء الأسعار، ولكن في نوعية من يحكمونها وفيمن يصفق لهؤلاء، رغم عجزهم وفشلهم المتكرر. يا رب ألطف بمصر.