قضايا وآراء

هل ما زالت إسرائيل تصلح جواز مرور للغرب؟

1300x600
هل من المصادفة صدور ثلاثة مواقف عن جهات إقليمية وتصب في اتجاه واحد، ترضية إسرائيل وطمأنتها، فمن دعوة السيسي لإسرائيل إلى تدفئة علاقاتها مع مصر، إلى دعوة إيران حزب الله باعتبار السعودية الخطر الأول وليس إسرائيل، وقبل هذين الموقفين كان حزب الله نفسه قد سارع إلى تبرئة إسرائيل من مقتل أحد أبرز قيادييه، في موقف أثار سخرية مسؤولي إسرائيل نفسها.

على ماذا يؤشر هذا الفيض من الود ومحاولات التقارب مع إسرائيل أو أقله تغيير قواعد الاشتباك معها؟ وفي الواقع يبدو الأمر وكأنه مقصود بدرجة كبيرة، ذلك أن دعوة رئيس الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، إسرائيل لتزخيم العلاقة مع نظامه ليست أكثر من موقف كلامي لا يمكن ترجمته إلى معطيات علاقاتية بين الطرفين، والسبب أن هذه العلاقات استنفدت كامل إمكانيات تطويرها منذ اللحظة التي حدّدت إسرائيل ما تريده من مصر وحصرته ضمن قطاعات معينة تستفيد منها، فالاقتصاد الإسرائيلي في نهاية الأمر اقتصاد مكتف بذاته من خلال علاقاته بالغرب، ومع اكتشاف الغاز بكميات كبيرة على السواحل الفلسطينية تنتفي أي حاجة لمصر من وجهة النظر الاقتصادية، فضلا عن أن الأسواق المصرية لا تشكل إغراء مهما للصناعات الإسرائيلية التي تتركز أغلبها على السلع والمنتجات الترفيهية.

من جهة أخرى، لا يبدو أن إسرائيل معنية بتطوير علاقاتها الأمنية والعسكرية مع الجانب المصري أكثر مما هي عليه الآن، ذلك أن تقاطع الأجهزة الأمنية والعسكرية لدى الجانبين يفرض على المؤسسات الأمنية المصرية الانخراط ضمن شبكة حماية المصالح الأمنية الإسرائيلية من دون توقع الحصول على المكافأة مقابل ذلك، اللهم إذا رغبت تلك الأجهزة بالقيام بتعهدات أمنية شاملة وهو الأمر الذي لا تفضله إسرائيل لعدم ثقتها بغير نفسها في إدارة هذه القضايا.

بالموازاة مع ذلك، لا تحمل التوجهيات الإيرانية لحزب الله أي تغير مهم، ذلك أن الحزب ومنذ نهاية حرب تموز/ يوليو 2006 لم تعد إسرائيل تشكل العدو الأول بالنسبة له، وقد تمت ترجمة هذا التحوّل بغزوته الشهيرة في 7 أيار/ مايو 2008 لبيروت ومناطق عديدة في جبل لبنان، ثم جاءت الثورة السورية والأحداث اليمنية لتشهد انخراط حزب الله الكامل فيهما، وإغلاقه بالقفل والمفتاح لمحارسه في جنوب لبنان، واعتاد الحزب طوال هذه المدّة على تلقي الضربات بمختلف أشكالها من إسرائيل، استخباراتيا وعسكريا، والصمت عنها، حتى أن صمته استفز قادة إسرائيل نفسها، واضطر رئيس الوزراء بنيامين نتياهو إلى الكشف عن تلك الحقيقة.

إلى ذلك، فإن ثمة احتمالين يقفان وراء صدور تلك المواقف عن الأطراف الثلاثة:

- الاحتمال الأول، شعور تلك الأطراف، نظام السيسي وإيران وحزب الله، أن الصراعات الداخلية والإقليمية قد استنزفتها، وأنه لا أفق للانتصار في الحروب التي تخوضها، وأن الأمر يحتاج منها البحث عن مصادر دعم جديدة، إما من خلال رفع وتيرة تشبيك المصالح الأمنية، أو من خلال توحيد مصادر الخطر وحصرها في الربيع العربي وتداعياته.

- الاحتمال الثاني: التقرب من الغرب عبر البوابة الإسرائيلية، خاصة أن هذه الأطراف تعاني من أزمات مع الغرب، نظام السيسي بسبب ممارساته ضد حقوق الإنسان في مصر، وتعرضه لانتقادات حادة، وظهور مؤشرات عن احتمال تخفيض الدعم المقدم من الغرب لنظامه، وحزب الله الذي تخنقه العقوبات المصرفية الأمريكية والأوروبية، وإيران الواقعة في مآزق عديدة، ولم يسفر اتفاقها النووي عن فتح علاقاتها مع الغرب بالصورة التي تشتهيها.

لكن هل تشكّل إسرائيل حلا لأزمات هذه الأطراف، أو هل تملك بالأصل مثل هذه القدرة؟ الواقع يثبت أن رهانات هذه الأطراف حاسرة وتكتيكاتها خائبة، ذلك أن الحسابات الإسرائيلية أبعد بكثير من القراءة السطحية للأحداث كما تراها وتفهمها تلك الأطراف، فهي تقدر الأخطار على مساحة زمنية بعيدة المدى، وتنظر للفواعل الحالية وتوجهاتها وتكتيكاتها السياسية على أنها حالة ظرفية عابرة، وبالتالي لا تشكل رهانا دائما وركيزة يمكن أن تبني عليها حساباتها الأمنية والعسكرية، وبالنسبة لها الضمانة الوحيدة في مصر هي وجود نظام ضعيف وجيش مشتت، وليس مهما من يكون صانع القرار، كما أنها تنظر لانخراط إيران وحزب الله في الصراعات الإقليمية والطائفية على أنها فرصة يتوجب تحفيزها واستمرارها، مثلما يتوجب استمرار اختراق البنى والهياكل الأمنية والعسكرية لكل من حزب الله وإيران لإضعافها بشكل نهائي، وهي ليست معنية بالتوصيف الإيراني الجديد لها.

من جهة أخرى، حتى لو أرادت إسرائيل، فإنها لا تستطيع تزكية طرف أو جهة لدى الغرب، وخاصة إذا كان هذا الطرف أو تلك الجهة قد أضرت بشكل عميق بالمصالح الغربية، وتحولت تلك الأضرار إلى قضايا رأي عام كما حصل مع نظام السيسي في قضية مقتل الطالب الإيطالي، أو من خلال انتهاكاته الهائلة في ملف حقوق الإنسان، لدرجة بات الغرب يخجل من العلاقة مع هكذا نظام.

لم تكن إسرائيل في تاريخها جسر عبور للغرب لأولئك الهاربين من أزماتهم مع شعوبهم أو جيرانهم، على العكس من ذلك، كانت أول من يتخلى عنهم عندما تهب العواصف في وجوههم.