كتاب عربي 21

أيها السيسي: يا فرحة خصومك بك!

1300x600
لم نقف على من يسعى لإخافة "عبد الفتاح السيسي"، حتى علمنا أن سيادته "غاضب" ومطلوب منا أن نخرج محلقين ومقصرين، لنهتف لجلالته: حقك علينا!

"السيسي" في خطابه الأخير قال إنه لا يخاف، و"عبد الله السناوي" الصحفي المقرب منه، قال في برنامج تلفزيوني إن "السيسي" غاضب للزج باسمه في أزمة نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية. وفي الأولى نحن لا نعرف من الذي يخيفه لكي يكرر عبارة "أنا مبخافش" تسع مرات في خطاب واحد، وفي الثانية دفع بسؤال ليطرح نفسه: "هل هو بريء من أزمة الصحفيين ووزارة الداخلية"؟.. وهل هي فعلا أزمة بين النقابة والوزير، وأنه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب؟!

منذ خطابه الذي سأل فيه: "أنتم مين"؟ و"عبد الفتاح السيسي" يخاطب العالم السفلي والكائنات غير المرئية، وفي خطابه الأخير واصل المهمة وقال إنه لا يخاف، ومن المؤكد أن هناك من يخيفه، وأنه يرد عليه بأنه لا يخاف، دون أن نعلم من هو الذي يعمل على إخافته، وهل هو جهة أم فرد، إنس أم جان، قوى دولة أم قوى غيبية؟!

لن أناقش قوله بأنه لا يخاف، فحد علمي أنه يخاف من "شلة الأشرار"، فلم يعلن عن مشروعاته وإنجازاته خوفا منهم، فكيف له أن يدعي هنا أنه لا يخاف؟ فما يعنيني هو من يخيفه وجعله في حديثه يذكرني بحفلات "تحضير الجان"، وقد حضرت طفلا جانبا منها، كما حضرت شابا بعد لقاءات العلاج بالقرآن الكريم، وفي الحالتين شاهدت حوارات مع الجان ذكرني بها "السيسي"، وهو يهتف: "أنتم مين"؟ وأن من يقترب منها سوف يمسحه من على وجه الأرض، كما ذكرني بهذه الحفلات وهو يقول: "أنا لا أخاف"!

في حفلات تحضير الجان، يتحدث المعالج مع كائن غير مرئي للحاضرين إلا له، هو العفريت، ويدير معه حوارا، ثم مفاوضات، يصر فيها العفريت على أنه سيغادر جسد "الملبوس" عن طريق عينه، وبين تهديد ووعيد ينتهي الأمر إلى الخروج من ظفر قدمه، مع خلاف في التفاصيل هنا، إننا في جلسات تحضير الجان، نسمع حديثا للجن الراكب، بعد أن يسيطر على لسان "المركوب"، لكن في حفلات السيسي فلا نسمع إلا له، ولو أمكن لنا أن نسمع للطرف الثاني في حواره، فربما وقفنا على الكائنات غير المرئية، التي تتبدى للسيسي فيوجه لها حديثه، وما إذا كان الجن هنا بسبب سحر أو مس، ولما كان حالنا كالأطرش في الزفة، وقد غادر وزير الدفاع معسكرنا، ففي الخطاب الذي هتف فيه السيسي: من أنتم؟كان الوزير يبدو غير مستوعب للموقف فتبدى صمته، كما لو كان يعلم من هي هذه الجهة الغيبية، والبعض اعتبر الصمت ومحاولة الفهم التي تبدت على وجهه، أنها تذكره بمشهد "عبد الفتاح السيسي" في خطاب الرئيس محمد مرسي قبل الانقلاب العسكري، وقد كشف صمته في ما بعد عن ضلوعه في المؤامرة عليه!

في الخطاب الأخير، تغير موقف "صدقي صبحي" وزير الدفاع فكان يصفق بحرارة، وكان يسبق الآخرين للتصفيق، على نحو كاشف عن أنه يعلم من هم الذين يخيفون صاحبه فيرد عليهم: "أنا مبخافش". والسؤال الآخر: ومن قال إنك تخاف؟!

سؤالان على درجة كبيرة من الأهمية لفك اللوغاريتمات في كلامه: الأول من يخيف "السيسي" حتى يرد عليه تسع مرات أنا لا أخاف؟.. والثاني من قال: إنك تخاف؟!..مع الوضع في الاعتبار أنه ليس هو من يقرر إذا كان خائفاً أم لا؟.. فلا يعلن أنه لا يخاف إلا الخائف، والأصل أنه لا توجد قوى مصرية يمكن أن تخيفه وهو الذي يملك المدفع والدبابة، ويحكم بالحديد والنار، والجيش والشرطة والقضاء في قبضته، والمعنى أن من يسعى لإخافته فيرد عليهم "أنا مبخافش" هي قوى أكبر منه!

ولم نفك هذه الطلاسم، حتى  فاجأنا زميلنا "عبد الله السناوي" المقرب من المذكور، بأن السيسي غاضب من إقحام اسمه في أزمة نقابة الصحفيين مع وزارة الداخلية، وكأنه لا ناقة له ولا جمل في ما حدث، والمثل يقول: "خليك مع الكذاب إلى باب الدار"!

هي أزمة بين النقابة والوزارة إذن، وهو كما قال الصحفي المتحدث باسمه "ياسر رزق" عندما علم باقتحام النقابة غضب، والسؤال: ولماذا لم يعلن عن غضبه؟، وإذا كان لا يملك حق إقالة الوزير، وهو الذي أقال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المحصن موقعه بالقانون والدستور، فلماذا لم يعلن أن إقالة الوزير شأن خاص بالبرلمان ورئيس الحكومة؟!

هذا فضلا عن أن الغالبية داخل الجماعة الصحفية كانت حريصة على النأي باسم السيسي بعيدا عن الموضوع، فالشاهد أنه إذا كان قد جرى إقحام اسمه من قبل البعض، باعتباره المتهم، وحرص الأغلبية على أن يتدخل بما يؤكد أنه "كبير الدولة المصرية"، فإن الشبيحة الذين حضروا في حماية الأمن، هم الذين أقحموا اسمه، ورفعوا صوره، وهتفوا بحياته، وطالبوه يقتل الصحفيين، دون ذكر لاسم وزير الداخلية في الموضوع!

لماذا غضب "السيسي" لأن الجماعة الصحفية طالبته بالاعتذار عن اقتحام النقابة، ولم يغضب للشبيحة الذين رفعوا صوره، واعتدوا باسمه على الصحفيين، وهم الذين جعلوا منه خصما في مواجهة النقابة.
اللافت، أن مجلس نقابة الصحفيين، وكثير من وجهاء المهنة، أرادوا أن يجعلوا من "السيسي" حكما، واختزلوا الأزمة في الوزير والنقابة، إذ أرادوا أن يستدعوا تجربة التعامل مع مبارك في أزمة القانون 93 لسنة 1995، الذي أطلق عليه الصحفيون قانون تكميم الصحافة!

كان مبارك قد دافع عن القانون، وروى قصصا مسلية عن الأسباب التي دفعت لإقراره، وكيف أن الصحف تسيء لسمعة الأسر والعائلات، وعندما تم الطلب منه إلغاء القانون، رفض وقال على الهواء مباشرة: نحن لسنا باعة ترمس، نقر القانون اليوم ونلغيه غدا. وحرض المجتمع على الصحفيين بقوله: "الصحفي ليس على رأسه ريشة"، لكي يتم استثناؤه من الحبس الاحتياطي.

بيد أن الجماعة الصحفية احتشدت لإسقاط القانون مهما كان السبب عندئذ، فتعامل كبار الصحفيين من المؤيدين للنظام مع مبارك باعتباره حكما وليس خصما، وكأنه لم يصدر القانون، ولم يدافع عنه، ولم يحشد إعلامه في سياق تأييده، وبرلمانه في اتجاه التمسك به!

كانوا يوفرون لمبارك خروجا آمنا من الأزمة ويحفظون له ماء وجهه، وقام "المخلوع" بدور الحكم بين السلطات، وكان مجبرا على التراجع لا بطل، لكنه كان يطبق قاعدة: إذا جاءك الغصب دعه يمر بجميلة"، وعندما تم التراجع عن القانون بقانون جديد، هو قانون تنظيم الصحافة 96 لسنة 1996، وجهت نقابة الصحفيين التحية لرئيس الجمهورية الذي أثبت انحيازه لحرية الصحافة!

القوم أرادوا أن يتعاملوا مع "السيسي" بهذه القاعدة، لكن لأنه يفتقد للحس السياسي والبعد المدني في الإدارة، فلم يفهم الرسالة، ولم تكن لديه القدرة على فهمها، وهو معذور، فمن شاهده في لقائه مع التلفزيون الكوري سيقف على أنه لا يملك اللياقة الذهنية لاستيعاب هذه الرسائل!

تذكرون أنه بعد حديثه مع التلفزيون الكوري قالت له المذيعة التي كانت تحاوره: "إجاباتك" أثبتت أنك رجل دبلوماسي"، في لفتة لذكائه وهو يجيب، فكان الرد: "لا أنا رجل عسكري"، وهو أمر وإن أثبت عدم قدرة على الفهم السريع، فقد أكد أنه قادر على إدانة نفسه، لأنه أثبت الاتهام بأن مصر محكومة بحكم عسكري، وأنصاره يردون على الاتهام بأنه بمجرد خلعه للبدلة العسكرية صار مدنيا كيوم ولدته أمه!
لقد أثبت "السيسي" في عدم استقباله السريع لرسائل الخروج الآمن من أزمة نقابة الصحفيين، أنه عقلية عسكرية فعلا، كما أثبت في رسائله عن أنه لا يخاف أنه في وضع لا يسر!

يا فرحة خصومك بك!