مقالات مختارة

يتوجب على دافيد كاميرون الاعتذار للبرلمان بسبب هجومه المرعب على مواطن بريطاني مسلم

1300x600
إذا سمح لرئيس الوزراء أن يفلت من المحاسبة على سلوكه، فلن يسلم أحد في بريطانيا بعد اليوم من التعرض للطعن والتشهير بدوافع سياسية.

في جلسة مساءلة رئيس الوزراء داخل البرلمان الأسبوع الماضي، وجه دافيد كاميرون اتهامات مرعبة إلى مواطن بريطاني. 

لو وجهت مثل هذه الاتهامات خارج البرلمان، لكان بإمكان الضحية التقاضي أمام المحاكم متهما رئيس الوزراء بالطعن والتشهير، إلا أن كاميرون استغل الحصانة التي يتمتع بها داخل البرلمان، هذا بالرغم من أن ما صدر عنه يمكن أن تكرره الصحافة بحرية مطلقة، وهو الأمر الذي ما من شك في أنه وحزبه كانا يقصدانه. 

مثل هذه الاتهامات يمكن أن تعرض الضحية لتهم إجرامية، ولقد أدت بالتأكيد إلى تحويله إلى شخصية مكروهة في أعين العامة وتسببت في كثير من الهم والغم له ولعائلته. 

اسم الضحية هو سليمان غني، وهو إمام مسجد في منطقة توتينغ، وهي الدائرة الانتخابية لنائب البرلمان صادق خان، مرشح حزب العمال لمنصب عمدة لندن. 

كان "خان" قد وقف مع "غني" على المنصة نفسها في أكثر من مناسبة. وفي محاولة منه للطعن بخان والتشهير به من خلال الاقتران، زعم رئيس الوزراء أن "غني" كان من مؤيدي تنظيم الدولة – أبشع منظمة إرهابية في العالم. 

تبع هذا الزعم حالة من الثوران (وأيضاً، بدون أدنى شك، مفتعلة) ولكنه بقي مسجلا وتناقله الناقلون بشكل كثيف. 

بناء على ذلك وجهت لكاميرون تهم بالعنصرية – إذ أشار بشكل مشفر على الناخبين بعدم التصويت لخان لأنه مسلم، ولأن جميع المسلمين إما أنهم إرهابيون أو أنهم يتعاطفون مع الإرهاب. 

لا أعتقد أن كاميرون عنصري، ولكنه تبنى نمطا من القياس المنطقي السام، وأنا على يقين بأن كاميرون ما كان ليجرؤ على استخدام مثل هذه الأساليب ضد أبناء الطائفة الدينية الأخرى، ولا ضد أي من الجاليات الأخرى داخل المجتمع البريطاني. 

ولكن إذا سمح له بأن يفلت من المساءلة على هذا السلوك فلن يسلم أحد في بريطانيا بعد اليوم من التعرض للطعن والتشهير بدوافع سياسية. وهذا سيؤدي إلى تداعي الديمقراطية البريطانية والعدالة البريطانية، وسوف ننضم إلى مصاف تلك الدول الكئيبة التي يمارس قادتها السياسيون بحرية مطلقة وصم أي خصم أو منافس لهم بالعداء للدولة. 

علينا أن نتذكر أن الاتهامات التي وجهها كاميرون ضد "غني" لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت معدة مسبقا ومقصودة للإجابة على سؤال كان يتوقع أن يوجه إليه خلال الجلسة. 

بمعنى آخر، لن يجد رئيس الوزراء وفريق العاملين معه عذرا لإيراد اسم "غني" دون دليل يعتمد عليه لدعم التهم التي وجهت إليه. 

بالأمس اتصلت هاتفيا بمكتب رئيس الوزراء في رقم 10 داونينغ ستريت، وطلبت منهم تزويدي بذلك الدليل. ردت علي مسؤولة إعلامية وقالت إنها لا تملك مساعدتي لأنها موظفة مدنية، ولا يستطيع الموظفون المدنيون التعليق على التصريحات السياسية.

هذا هراء. لم يدل كاميرون بتصريحه كناشط في الحملة الانتخابية وإنما بصفته رئيساً للوزراء يقوم بمهامه الرسمية داخل مجلس العموم حيث يستخدم الموارد التي يدفع تكلفتها دافعو الضرائب من المواطنين. 

وبذلك لا حجة تقبل من مكتب رئيس الوزراء لعدم التقدم بالدليل – هذا إن وجد – الذي أسس عليه كاميرون اتهامه للرجل. ولكنهم أخفقوا في فعل ذلك. 

نقلت الـ"بي بي سي" عن ناطق باسم مكتب رئيس الوزراء قوله ما يلي: "في بعض المناسبات، تحدث هذا الشخص دعماً لمجموعة من الأشياء بما في ذلك قيام تنظيم الدولة". عن أي مناسبات يتحدثون؟ لم يذكروا اسم واحدة منها. وما هي مجموعة الأشياء؟ لم يتفوهوا بشيء منها. 

تحدثت مع أحد أعضاء فريق كاميرون السياسي، فأشار إلى مناسبة نظمت في برادفورد يوم الجمعة الثالث عشر من شباط/ فبراير من العام الماضي تحت عنوان "اسأل مسلماً"، والمناسبة مصورة ويمكن مشاهدة وقائعها على اليوتيوب. دققت في مشاركة "غني" ولم أتمكن من العثور على شيء يمكن أن يفسر على أنه تعبير عن دعم لتنظيم الدولة. 

كما رتبت للقاء مع "غني" نفسه، وبعد أن اجتمعت به لم يعد يدهشني أن يجد مكتب رئيس الوزراء صعوبات بالغة في تقديم الأدلة التي تدعم مزاعم دافيد كاميرون. 

فقد أطلعني على جوائز تقديرية وشهادات حصل عليها من منظمات حوار الأديان، وعدد لي الاجتماعات الكثيرة التي كان يدعى إليها من قبل مجموعات مشتركة بين الأحزاب جميعا أو من قبل أعضاء برلمان عن حزب المحافظين بصفة فردية – بمن في ذلك مرشح كاميرون لانتخابات العمودية في لندن "زاك غولد سميث" الآخذ في التراجع. 

المثير في الأمر أنه إذا كان فعلا من أنصار تنظيم الدولة فقد سمح له بالدخول إلى مكتب رئيس الوزراء في رقم 10 داونينغ ستريت، وإلى داخل البرلمان في عدة مناسبات كجزء من وفود حضرت لتسليم مناشدات وعرائض. 

المعروف لدينا أن "غني" مواطن بريطاني. ولقد أخبرني بأنه ولد ونشأ في جنوب أفريقيا في ظل نظام التمييز العنصري (الأبارتيد)، وأن السياسي الذي ينال إعجابه أكثر من سواه هو نيلسون مانديلا وذلك بفضل إنجازاته في تحقيق المصالحة بين الأعداء السابقين. 

ويقول إنه لم يسبق له أن استجوب من قبل الشرطة حول أي موضوع، ولم يخضع لتحريات من قبل أي جهاز رسمي. لا توجد أدنى ذريعة لدى دافيد كاميرون ليذكر اسمه بهذا الشكل، ويلقي به لتفترسه وحوش الغوغاء. 

هناك تفسيران محتملان لسلوك كاميرون، لا يمكن بحال تصديق أي منهما. 

الأول، أنه تلقف اسم "غني" من إحدى المناظرات التي أجرتها الـ"بي بي سي" بشأن انتخابات العمودية في لندن حيث وجه أندرو نيل اتهامات مشابهة لغني لا تستند إلى دليل. 

والثاني، هو أنه تلقى اسم "غني" من أحد المصادر داخل الأجهزة الأمنية. رغم أن ذلك لا يحيل الاتهامات إلى حقيقة إلا أن ينضوي على دلالات في غاية الخطورة. لقد شهدنا قبل الحرب على العراق كيف يمكن أن يساء استخدام الأجهزة الأمنية لأغراض سياسية من قبل رئيس الوزراء في حينه. وما من شك في أن الثقة بالأجهزة الأمنية آخذة في التآكل منذ ذلك اليوم. 

ولكن، وبالرغم من أن سلوك طوني بلير يبقى غير مقبول وغير مبرر، إلا أنه كان على الأقل يستند إلى قضية كبيرة مثار اهتمام كبير في ذلك الوقت – هل يتوجب على بريطانيا التوجه إلى الحرب دعما للولايات المتحدة الأمريكية؟ لو أن كاميرون فعلا حصل على اسم "غني" من الأجهزة الأمنية فإنه يكون قد فعل ذلك لمجرد دعم مرشح في حملة انتخابية محلية – وهي قضية تافهة وحزبية. 

من شأن ذلك أن يزيد من تلوث سمعة تلك الأجهزة ويعمق انعدام الثقة بها. وإذ نفعل ذلك فإننا نكرر التجربة التي مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية من قبل حينما كان مكتب التحقيقات الفيدرالية، الإف بي آي، في زمن مديره سيء الصيت جيه إدغار هوفر، يقوم بتزويد عدد من الرؤساء المتعاقبين بمعلومات تساعدهم على إدانة وحتى ابتزاز معارضيهم. 

وحتى لو كان اسم غني قد ورد من مصادر الأجهزة الأمنية، فإن ذلك قطعا لا يعني أن المعلومات صحيحة. بعد التمحيص في الدليل وبعد ساعة من الحوار مع "غني"، خلصت إلى قناعة تامة بأن تصريح دافيد كاميرون كان باطلا مائة بالمائة. والواقع هو أن "غني" كان قد شارك في الحملة ضد تنظيم الدولة ولطالما تعاون مع الكنائس المسيحية والمعابد اليهودية في توتينغ. لدي خبر أزفه إلى كاميرون: ليس هذا هو سلوك من يناصر تنظيم الدولة. 

كان كاميرون في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي قد حدث قواعد السلوك التي ينبغي أن يلتزم بها جميع الوزراء في الحكومة، بمن فيهم هو نفسه. 

وكتب مقدمة شخصية أورد فيها عددا من الوعود الطنانة، بما في ذلك ما ورد في هذه العبارة: "لم يكتف الناس {في الانتخابات العامة} بإخبارنا بما يرغبون أن نقوم به وإنما أيضا بالطريقة التي ينبغي من خلالها أن نفعل ذلك. يريدون من سياسييهم أن يتحلوا بأعلى درجات اللياقة والأدب. وهذا يعني أن نكون شفافين في كل ما نفعله، وهذا يعني اجتثاث أي شكل من أشكال الانحراف".

في السطور الأولى من المدونة الجديدة لقواعد السلوك، تنص الفقرة 1.2c على ما يلي: "إن من الأهمية القصوى بمكان أن يتقدم الوزراء من البرلمان بمعلومات دقيقة وصادقة، وأن يسارعوا إلى تصحيح أي خطأ قد يكون وقع سهوا في أقرب فرصة ممكنة. وأما الوزراء الذين يتعمدون تضليل البرلمان فيتوقع منهم أن يقدموا استقالاتهم".

والآن، يتوجب على أعضاء البرلمان من كافة الأحزاب أن يحاسبوا دافيد كاميرون بناء على هذه القواعد من السلوك. فقد أخفق في تقديم الدليل على ما صدر عنه من تصريح خطير ومدمر بحق "غني"، وهو التصريح الذي لا يمكن بحال اعتباره الآن دقيقا أو صادقا. 

يتوجب على أعضاء البرلمان إجبار كاميرون على سحب كلامه والتراجع عنه تحت قبة البرلمان، وعلى شطبه من السجل الرسمي، وعلى التقدم باعتذار علني على سلوكه الشائن.