كتاب عربي 21

لماذا وكيف صارت الولايات المتحدة يهوذا الإسخريوطي

1300x600
كان وقع رد الفعل الشعبي العالمي على أحداث الحادي عشر من سبتمبر (2001)، أشد إيلاما للأمريكيين من الحادث نفسه، فمن بيرو إلى اليابان تبارى الكتاب لاستنكار تدمير تنظيم القاعدة لبرجي مركز التجارة العالمي، مما تسبب في موت أكثر من 3000 شخص، ثم إيراد كلام مؤداه أن الولايات المتحدة تستأهل ما لحق بها من "إهانة"، بل هناك من الكتاب الشيوعيين في مختلف القارات الذين قالوا إن اختيار القاعدة لـ"الهدف" كان موفقا؛ لأن البرجين يرمزان لسطوة أمريكا التجارية والاقتصادية والمالية.

يصور الكاتب الأمريكي نيل أشرسون واقعة تدمير البرجين التي شاهدها مئات الملايين في بث حي عبر قناة سي إن إن، على النحو التالي: مانهاتن شاشة ضخمة يتوسطها عمودان شديدا الارتفاع، وأمسك أحدهم بماوس (فأرة) الكمبيوتر ووضع طرف المؤشر على أحد العمودين، ثم ضغط على زر "ديليت"، فاختفى العمود تدريجيا، مخلفا هالة ضخمة من الغبار، ثم تحرك طرف مؤشر الماوس إلى العمود الثاني، وخلال ثوان كان قد تعرض بدوره للحذف والشطب "ديليت"، وكان الممسك بالماوس يقول: هكذا نكرهكم وهكذا ندفنكم.

والشاهد هو أن كراهية الناس لأمريكا بعد ذلك الحادث كانت "جماعية"، حتى والغالبية تحزن لهلاك الآلاف الذين لا ذنب مباشر لهم في أن بلادهم غول على المستويات كافة، وودت لو أن الناس تقرأ كتاب إيمي تشوا "العالم مشتعلا/ ذا ويرلد أون فاير"، ليعرف كيف تشكل رأي عام عالمي يكره ويحسد الولايات المتحدة في آن.

الأمريكان يشكلون فقط 4% من سكان العالم، ومع هذا فبلادهم تسيطر على مجريات الاقتصاد والتجارة والحروب والثقافة على مستوى الكرة الأرضية، وهم يقولون إن تلك السيطرة تحققت بفضل الكد والجد وروح المغامرة، وبإنشاء مؤسسات قوية تعمل بكفاءة، ولكن بقية شعوب العالم، ورغم اعترافها بريادة الأمريكان في أكثر من ميدان، تعتقد أن أمريكا حققت ما حققت على الصعد كافة، بنهب واستغلال ثروات الشعوب مع تهميش تلك الشعوب.

منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى، رأى حكام الولايات المتحدة، أن بلادهم لن تصبح قوة عظمى إلا بالتخلص من دول المعسكر الاشتراكي، وبقيام الدول كافة بتحرير أسواقها، لتتبنى النظام الرأسمالي المطلق "الفالت"، ولهذا السبب عملت على تأسيس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وصاغت اتفاقية الجات GAAT وهي الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة، ثم منظمة التجارة العالمية (التي صارت عضويتها حلم كل دولة).

وكما قال توماس فريدمان في كتابه سيارة "اللكزس وشجرة الزيتون"، الذي يتناول فيه تجليات العولمة، فإن مصطلحات مثل الخصخصة وتحرير الأسواق "ميد إن أمريكا/ صنعت في أمريكا"، واستطرادا أذكر هنا أنه مثلما زعم الأخرق فرانسيس فوكوياما، بأن سقوط الاتحاد السوفييتي هو نهاية التاريخ وانتصار الليبرالية بصيغتها الأمريكية، فقد بلغ السخف بفريدمان أنه قال إن ورود اسم مدينة في نشرة الأحوال الجوية لقناة سي إن إن، هو الدليل القاطع والحاسم على أن تلك المدينة صارت ذات وزن وثقل إقليمي أو دولي.

باحتلاله للكويت كان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، قد فقد السند من معظم الشعوب العربية، ولما انهار جيشه في مواجهة الجيش الأمريكي في مرحلة تحرير الكويت، دون أن يطلق جندي عراقي طلقة واحدة، كان نظام حكم صدام قد فقد هيبته حتى داخل العراق، ولكن ما إن قام الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش بغزو العراق بذرائع سخيفة، حتى تحول صدام إلى بطل ثم شهيد عربي.

ولما عجز الأمريكان عن إبراز دليل على أن صدام كان يملك أي نوع من الأسلحة المحظورة دوليا، زعموا أنهم على الأقل خلصوا العراق من حكم ديكتاتوري، ودشنوا عهدا من الديمقراطية والرفاهية، ولكن الرفاهية كانت من نصيب شركة هاليبرتون التي كان دِك تشيني نائب بوش عضوا في مجلس إدارتها، وتولت الشركة توريدات السلاح والسندويتشات ومحارم الورق للعراق، ولتوسيع دائرة المستفيدين الأمريكان تم تكليف شركة بلاكووتر بتوفير الحراسة الأمنية للمنشآت والأفراد.

وهكذا نهب الأمريكان ما توفر وتيسر من موارد العراق، وانفتحت شهيتهم للغنيمة الكبيرة، فشرعوا في تأهيل مرافق النفط والغاز، ولكنهم اضطروا إلى الفرار بجلودهم من العراق؛ لأن مطامعهم قوبلت بمقاومة مسلحة وعنيفة من جماعة جهادية (القاعدة بزعامة أبي مصعب الزرقاوي)، وبوصول براقش (المالكي) للحكم كان مولد "داعش".

وهكذا فقط، يعدّ الأمريكان مسؤولين عن ظهور داعش، وقيام الدولة الإسلامية، وليس لأنهم "مولوا ودربوا" عناصر داعش كما يزعم خبراء "المؤامرة".