صحافة دولية

روبرت فيسك يكشف خلاصة رؤيته للثورة السورية بعد 5 أعوام

فيسك: قوة تحالف سنية علوية مسيحية تقوم بحماية نظام الأسد- أرشيفية
كتب روبرت فيسك في صحيفة "إندبندنت" تقريرا في الذكرى الخامسة لاندلاع الثورة السورية، عن مصير نظام الرئيس بشار الأسد، قال فيه إن توقع المعلقين في ذروة الربيع العربي سقوط النظام السوري سريعا، كبقية الأنظمة العربية، نابع من فشلهم في فهم الدور الإيراني في سوريا.

ويقول الكاتب: "قبل مغادرتي سوريا الشهر الماضي، التقاني في مقهى في دمشق رجل لبناني فرنسي طويل، يتحدث بفصاحة، وقدم نفسه على أنه المهندس المعماري الخاص لبشار الأسد، وقال إنه جاء لكي يكشف له عن كيفية إعادة بناء المدن السورية".

ويتحدث فيسك بدهشة عن فكرة الإعمار، ويقول إنه "بعد خمسة أعوام على بداية المأساة السورية، التي هزت النظام في الأشهر الستة على بدايتها، وتوقع الغرب، الذي شهد سقوط معمر القذافي وحسني مبارك، نهاية محتومة للأسد، وبعد هذا كله تتحدث الحكومة السورية عن إعادة إعمار المدن". 

ويذكّر الكاتب بزيارة سفيري كل من الولايات المتحدة وفرنسا حمص، حيث جلسا مع آلاف المتظاهرين السلميين، الذين طالبوا برحيل الأسد، ويقول إن "الدبلوماسيين الغربيين كانوا يطالبون المعارضة السورية بألا تتفاوض مع الأسد، وهو خطأ كبير؛ لأنه طلب قائم على افتراض زائف يقول إن الأسد سينهار قريبا، أما الصحافيون فكانوا يتجمعون حول المعارضة السورية في شرق حلب للزحف القادم نحو دمشق". 

وكتب فيسك ساخرا من توقعات مراكز البحث في واشنطن، والكم الهائل من "الخبراء"، بأن نظام الرئيس السوري وصل إلى نقطة الانهيار، ودعت هيلاري كلينتون الأسد إلى الرحيل، فيما قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن الأسد "لا يستحق أن يعيش على هذا الكوكب"، وطلبت "إندبندنت" من فيسك تحضير "نعي" للأسد كي يستخدم في المستقبل.

ويعذر الكاتب من أخطأوا في التقدير، مشير إلى أنهم كانوا يعيشون ذروة الربيع العربي، من تونس وليبيا ومصر إلى اليمن، حيث اعتاد الصحافيون على الحديث عن "تحرير" المدن العربية.

ويفسر فيسك التاريخ برؤيته وعبر النظرة الطائفية، ويقول إن الديكتاتوريين الذين أطيح بهم كلهم كانوا من السنة، وكانوا لا يتمتعون بقاعدة شعبية، ونسي أن علي عبدالله صالح هو زيدي، لكنه يمعن بالقول إن السعوديين لم يستطيعوا إنقاذ حسني مبارك، ونسي أن أمريكا لم تنقذ مبارك حليفها الأكبر.

ويشير الكاتب إلى أنه "بالنسبة لإيران، فإنها لم تكن مستعدة للتخلي عن حليفها العلوي الوحيد في المنطقة، ففي البداية تصرف حزب البعث والأجهزة الأمنية بطريقتهما المعروفة، حيث تم تعذيب الفتيان الذين كتبوا شعارات جدارية ضد النظام في درعا، وتم التحرش بقادة العشائر، وأرسل نائب وزير للاعتذار عن أخطاء الحكومة". 

ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن التعذيب كان الأداة الوحيدة التي تستخدمها الدولة، بحيث لم تعرف الأجهزة الأمنية طريقا غير هذا لحل التحدي الجديد للنظام، وطلب من الجيش التدخل وإطلاق النار على المتظاهرين، ومن هنا نشأ "الجيش السوري الحر"، المكون من منشقين عن النظام، الذين عاد بعضهم إلى الجيش من جديد، أو رجعوا إلى مناطقهم دون أن يمسهم النظام، بحسب فيسك. 

ويلفت فيسك إلى أن تدخل الجماعات المسلحة في "اليقظة العربية" السورية كان واضحا منذ البداية، مشيرا إلى أن طاقم قناة "الجزيرة" صور في عام 2011 رجالا مسلحين يطلقون النار على القوات السورية قرب الحدود اللبنانية، لكن القناة لم تبث اللقطات. 

وتكشف الصحيفة عن أن طاقما يعمل في تلفزيون الحكومة السورية أظهر منذ البداية صورا لرجال يحملون المسدسات والكلاشينكوفات في تظاهرة ضد الحكومة نظمت في دعا. 

ويفيد التقرير بأن "المؤامرة الخليجية التركية، التي يتحدث عنها النظام اليوم، لم تثبت، لكن الناس شعروا بأنهم بحاجة إلى حماية عائلاتهم بالرصاص والبنادق، التي كانت متوفرة للمعارضة حينئذ، وعندما أعطت الحكومة الضوء الأخضر لمليشياتها بالهجوم على المتظاهرين، بدأت المذابح، واكتشف مراسل صحافي غربي أنه تم ذبح المدنيين كلهم تقريبا في بلدة في محافظة اللاذقية". 

ويجد الكاتب أن الطبيعة الطائفية في الشرق الأوسط تم التلاعب بها ولأكثر من قرن، فقد قام الغرب باستخدام الصورة الطائفية لإنشاء حكومات "وطنية" ذات طبيعة طائفية، في فلسطين بعد حرب عام 1948، وفي قبرص ولبنان وسوريا، حيث استخدم الفرنسيون الطائفة العلوية في سوريا ليكونوا قوات خاصة لهم، وفي العراق بعد غزو عام 2003. 

ويقول فيسك إن "هذا لم يسمح لنا بتصوير الشرق الأوسط  باعتباره طائفي النزعة، لكنه سمح لنا بتناسي المستوى الذي يدفع الأقليات لدعم الديكتاتوريين، إن الصحافيين يتناسون، أو أنهم وقعوا ضحية أنفسهم عندما تحدثوا عن التسيد العلوي لسوريا، مع أن 80 % من الحكومة السورية هم من السنة، الذين قاتلوا أبناء جلدتهم عبر العقود الماضية. 

وتنوه الصحيفة إلى التغير الذي حدث على جيش النظام السوري، الذي كان في لبنان غير منظم ومتورطا في تعاملات مشبوهة، مستدركة بأن مذابح جبهة النصرة لجنوده، حولته إلى مخلوق جديد يحب القتل. 

ويقول الكاتب إن معظم الذين قابلهم على خطوط القتال كانوا من الجنرالات السنة والعلويين أيضا، ويعيد القول إن من يقوم اليوم بحماية النظام ليس التحالف العلوي المسيحي، لكنه قوة تحالف سنية علوية مسيحية.

ويضيف أن في سوريا اليوم قوتين قادرتين على مواجهة تنظيم الدولة وجبهة النصرة، وهما الأكراد وجيش النظام السوري، اللذان تلقيا دعما جويا من الطيران الروسي، وهما القوتان اللتان تربحان الحرب.

ويلاحظ فيسك قوة جديدة في شوارع المدن السورية التي يسيطر عليها النظام، وهي صورة للأسد وبجانبه العقيد سهيل الحسن "النمر" أو "رومل" سوريا، ويصفه بأنه "رجل شرس قابلته، والآن نشاهد صورته كونه ضابطا سوريا إلى جانب الأسد، ويجب أن ننتبه لهذه الظاهرة، ويعلن الجيش ولاءه للأسد، وفي كل مرة يتحدث فيها الأسد يبدأ بدهاء بذكر (شهداء) الجيش السوري". 

ويتساءل الكاتب: "هل هذا هو السبب الذي دعا ضباط المخابرات الفرنسيين والأمريكيين إلى التواصل، من بيروت طبعا، مع نقاط الاتصال القديمة لهم في المخابرات السورية؟ هل هذا هو السبب الذي قاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للقول إن الأمريكيين قد يتحدثون مرة ثانية مع الأسد؟". 

ويختم فيسك قائلا: "من حيث المبدأ، أنا لا أحب الجيوش أيا كانت، لكن هذا لا يعني أنه يمكن تجاهلها، كما أنه لا يمكن تجاوز الأسد أيضا".