اقتصاد عربي

كيف أثرت أزمة الدولار على فقراء المصريين؟

(أرشيفية)
يترقب غالبية المصريين أسعار السلع والخدمات التي ارتفعت بنسب قياسية طيلة الفترات الماضية، فيما تشتد حدة أزمة سوق الصرف في مصر.

قبل عام ونصف من الآن، كان سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري لا يتجاوز الـ7.8 جنيه، ورغم ذلك فقد ربط عدد من المصريين بين ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، وبين ارتفاع الأسعار في ذلك الوقت.

لكن مع استمرار الحكومة المصرية في تقديم المسكنات فقط، فقد اشتدت حدة الأزمة مع بداية العام الجاري، ولامس سعر صرف الدولار مستويات قياسية وتاريخية، حيث كسر مستوى التسعة جنيهات، وسجل نحو 9.3 جنيه في بعض المناطق، مقتربا من مستوى لم يسجله على الإطلاق في تاريخ سوق الصرف وفي حركة الدولار مقابل الجنيه وهو 10 جنيهات.

في السوق السوداء التي تعد المحرك الرئيس لسوق الصرف في مصر، سجل سعر صرف الدولار لدى تعاملات السبت والأحد نحو 9.2 جنيه، وفي المقابل ظل سعره في البنوك عند مستوى 7.83 جنيه للبيع و7.8 جنيه للشراء.

وإجابة عن سؤال "عربي21": "كيف أثرت أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار على فقراء المصريين؟"، أجاب الخبير الاقتصادي الدكتور فاروق عبد الحي، بالقول إن هناك من المصريين من لم يشاهد الدولار في حياته، بل إن هناك من لم يسمع عنه من قبل، لكن في الوقت الحالي ومع استمرار أزمة الدولار والجنيه، فقد بدأ الجميع يشعر بالأزمة، خاصة في أسعار السلع والخدمات التي قفزت بنسب كبيرة، خلال الفترات الماضية".

يأتي ذلك فيما تواصل الغرف التجارية وشعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية حربها على البنك المركزي الذي تتهمه بأنه أحد الأسباب الرئيسة في الأزمة التي تشهدها البلاد، بعد فرضه مجموعة من القيود والإجراءات التي ساهمت بشكل غير مباشر في أن يخضع قطاع المستوردين بالكامل لكبار تجار العملة، بعدما يعجزوا عن توفير العملة الصعبة من السوق الرسمي.

وقال مصدر مطلع بغرفة المستودرين في القاهرة، لـ"عربي21"، إن الأسباب الوهمية التي تقدمها الحكومة أسبابا لأزمة الدولار والجنيه "ليس لها علاقة بالواقع"، وحينما تتحدث الحكومة عن حلول فإنها تطرح فقط مسكنات، و"عندما تتحدث عن التضخم والأسعار فإنها تقول إنها ستعمل على خفض الأسعار، إلا أن هذا الكلام ليس له أي أساس من الصحة، وبعيد عن الواقع تماما".

وأوضح المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن المستوردين يشترون الدولار بأي سعر، وبالتالي فقد ارتفعت أسعار جميع السلع المستوردة بنسب لا تقل عن 25 في المئة، ولذلك بدأت الشكوى تظهر من ارتفاع الأسعار والتضخم.

وعلّق الدكتور عبد الحي في حديثه لـ"عربي21"، بالقول إن هناك علاقة مباشرة بين سعر صرف الدولار من جهة، وارتفاع الأسعار والخدمات، خاصة أن مصر من الدول المستوردة لا المصدرة، وإن أكثر من 60 في المئة من إجمالي ما يستخدمه المصريون، سواء من سلع جاهزة أو منتجات يتم تصنيعها في مصر تعتمد على الاستيراد، وبالتالي فلا بديل عن قيام التجار والمستودرين برفع أسعار جميع السلع والمنتجات، سواء المستوردة أم المصنعة محليا، ولكن يدخل في إنتاجها خامات مستوردة.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن اتجاه عام لخفض الأسعار، سواء من خلال المجمعات الاستهلاكية أم السيارات التي تجوب الشوارع، فإن المحللين الاقتصاديين يؤكدون أن ما يحدث فقط هو تسكين للأزمات الحادة التي تتفاقم مع استمرار الأوضاع الحالية، وعدم الاستقرار.

ولا يتوقف الحال على أسعار السلع الغذائية فقط، بل ارتفعت أسعار الملابس والأحذية وجميع قطع الغيار والأجهزة والأدوات الكهربائية، وأيضا ارتفعت أسعار اللحوم والأسماك، لتسجل أرقاما صعبة لا يتحملها محدودو الدخل الذين يقترب عددهم من 30 مليون مواطن، بنسبة 26.3 في المئة من إجمالي سكان مصر، وذلك وفقا للإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري.

"عم محمد"، بائع خضروات وفاكهة في إحدى مناطق القاهرة، كان يبيع كل يوم بأكثر من ألفي جنيه، تساوي نحو 230 دولارا تقريبا. وفي الوقت الحالي لا يتجاوز إجمالي مبيعاته الـ500 جنيه، تساوي نحو 60 دولارا تقريبا.

وأوضح "عم محمد" الذي يتجاوز عمره الستون عاما، لـ"عربي21"، أنه يعول أسرة تضم ثمانية أبناء وزوجة، مضيفا أن المواطن لم يعد يشتري كما كان مسبقا، وأن دخله أصبح بالكاد يكفي لتوفير مستلزمات الأسرة، و"لكن خلال الفترات الأخيرة ومع انخفاض حجم المبيعات، فإن جميع أفراد الأسرة يشعرون بأن هناك أزمة حقيقية طوال أيام الشهر"، وفق قوله.