كتاب عربي 21

حكومة التوافق: مخاض عسير له ما بعده

1300x600
الحكومة الجديدة كانت سببا لقلق حتى المناصرين لاتفاق الصخيرات وللمجلس الرئاسي الأعلى، واعتبرها المعارضون للاتفاق دليل صحة لمواقفهم الرافضة للمجلس. أسباب الإحباط ترجع إلى:

- العدد المبالغ فيه للوزراء والوزارات التي بلغت 32 حقيبة وزارية.

- الرضوخ لخيار المحاصصة الجهوية والمناطقية الذي سنته الحكومات السابقة وثبت فشله.

لقد كانت ولادة الحكومة عسيرة، وسبق الإعلان عنها تعليق عضوين من المجلس الرئاسي الأعلى عضويتهما احتجاجا على الاتجاه الذي سلكه باقي أعضاء المجلس في اختيار الوزارات والوزراء. فبينما ترجح أن تتكون الحكومة من 22 حقيبة وزارية، وأخفق المجلس في إقراره، اتجه المجلس إلى تشكيل حكومة مصغرة من عشرة وزراء، إلا أنه في الساعات الأخيرة قبل الإعلان، اتفق أغلبية الأعضاء على حكومة تتكون من 32 وزارة، بحيث صار للخارجية وزارة وللتعاون الدولي أخرى وللشؤون العربية والإفريقية ثالثة. وتم استحداث وزارة للطيران منفصلة عن وزارة المواصلات، وأخرى للموارد المائية بعيدا عن وزارة الزراعة، وانفصل التكوين عن العمل ليصبح وزارة، واعتمدت وزارة للمصالحة الوطنية وأخرى لحقوق الإنسان واللاجئين مع وجود وزارة للعدل، الأمر الذي يؤكد أنها حقائب استحدثت بشكل متعسف إرضاء للمكونات المتعددة والمختلفة، بل والمتصارعة.

العلامة الفارقة في التشكيلة الجديدة هي اختيار العقيد "المهدي البرغثي" وزيرا للدفاع، الوزارة التي تكتسب أهمية كبرى في ظل معطيات المرحلة التي يدور فيها الصراع حول الجيش وتركيبته وقيادته. والبرغثي ضابط يقاتل ضمن عملية الكرامة في بنغازي، وهو من القادة الميدانين المبرزين، ووزنه يعود إلى كونه آمر معسكر الدبابات في بنغازي وقائد الكتيبة (204) المهمة.

اختيار البرغثي علامة فارقة لاعتقاد من قبلوا بترشيحه من جبهة طرابلس المعادية للكرامة وللفريق "خليفة حفتر"، أنه ضابط مستقل بل ليس على توافق تام مع حفتر، وهو الأمر الذي أظهرته تسجيلات بالصوت والصورة للبرغثي ينتقد فيها حفتر بشكل مباشر وحاد. أيضا عكست رود فعل جبهة الكرامة استياء شديدا لترشيح البرغثي لوازرة الدفاع، واعتبرته موأمرة لتفكيك الجيش وضرب أسفين بين قادته، وكان الرد الواضح والجلي والصارم على لسان حفتر، الذي اعتبر موافقة البرغثي على الترشيح تمردا يخضعه للتحقيق والعقوبة.

خليفة حفتر لم يفرض اسمه لتولي منصب وزير الدفاع في التشكيلة الجديدة، وتفسيري لذلك أن المنصب سياسي وبصلاحيات محدودة، فيما يتمتع القائد العام للجيش بصلاحيات تنفيذية أكبر، هذا من جهة. من جهة أخرى فإن حفتر الذي يتمتع بولاء كبير شعبي وعسكري في مدن الشرق الليبي، ولا يعارضه بشكل مباشر إلا مجلس شورى ثوار بنغازي المحدود في عدد أفراده وفي أعداد الداعمين له، لن يتمتع بالولاء نفسه في طرابلس، ليس في وجود كتائب كبيرة وقوية تحتفظ عليه وتشارك أطراف سياسية في المطالبة بعدم إدماجه في المشهد السياسي والأمني الجديد. وفقا لهذا التفسير، لكن يغامر حفتر بالقدوم إلى طرابلس، لذا فقد راهن على ترشيح العميد "عبدالسلام الحاسي" ليتسنى له التنسيق من خلاله لرسم ملامح المشهد العسكري في العاصمة، لكنه أخفق في ذلك.

التحدي القادم أمام الحكومة هو مصادقة البرلمان عليها، ولن يكون ذلك سهلا في ظل جدل الأعضاء حول الاتفاق وحول المجلس الرئاسي، فالمعارضون للاتفاق أقلية لكنهم يمكن أن يستغلوا هزال البرلمان للتشويش على الحكومة وعرقلة اعتمادها. ويمكن لهؤلاء أن يستخدموا صيغا قانونية دستورية، والتحجج بأن اعتماد اتفاق الصخيرات والمجلس الرئاسي أولى من المصادقة على الحكومة، واعتمادهما يستلزم تعديلا في الإعلان الدستوري الذي يتطلب موافقة ثلثي الأعضاء، وهو أمر قد لا يتحقق في جلسة أو اثنتين للبرلمان.

المصادقة على الحكومة لن ينهي مشاكلها، فهناك تحدي انتقالها للعاصمة في ظل الخلافات حولها، وهناك تركيبتها التي قد تعرقل وتعطل التوافق وتمنع تحقق الإجماع حول الملفات الحيوية، وبعد ذلك كله هناك التحدي الأمني في ظل مشهد معقد جدا، وتفاقم الأزمة المالية أمام تدني مستويات إنتاج النفط والانهيار المستمر في أسعاره، فهل تنجح الحكومة في تخطي كل هذه العقبات ليرى المواطن ثمارا لهذا المخاض العسير؟ هذا ما ستكشف عنه الأشهر القليلة القادمة.