كتاب عربي 21

الخطأ الاستراتيجي الثاني لإيران خلال خمس سنوات

1300x600
رغم المهارة الفائقة التي أبدتها الدبلوماسية الإيرانية التي استطاعت بذكاء وصبر أن تصل لاتفاق نووي مع القوى الكبرى، يضمن لطهران الاستخدام السلمي للطاقة النووية مع رفع للحظر المفروض عليها، إلا أن الشهبندر الإيراني أخطأ خطأين استراتيجيين سيندم عليهما لاحقا.

لما اندلعت الثورة السورية لم يكن لطهران من بد من الوقوف إلى جانب حليفها الأسد، فهي تعرف أن سوريا عنوانها الوحيد هو الأسد، وإذا ما أجبر على التنحي فإن كل مصالحها التي يحفظها ويحميها الأسد ستكون في خبر كان.

لم تستغرق المسألة كثير نقاش في الدوائر الإيرانية، فالوقوف مع الأسد هو حماية لمصالح طهران ونفوذها في المنطقة التي عملت على ترسيخهما طوال ثلاثين عاما هي عمر الثورة الإيراينة إذ ذاك.
كان الدور الإيراني مهددا بالتلاشي، وكانت أدواتها وعلى رأسها حزب الله على وشك الحصار الخانق، حتى أذرعها في العراق كانت ستتأثر، وهي بذلك ستنحصر وتحاصر داخل حدودها مما يهدد أمنها القومي الذي جعلت من دمشق خط دفاعه الأول.

لم تستطع دبلوماسية إيران الماهرة أن تجد حلا وسطا، أو ربما لم تسمح لها القوى النافذة في طهران بذلك، فكان لا بد من التدخل. 

لكن التدخل الإيراني في سوريا لتأمين مصالحها السياسية، لا يبدو أنه يحرك المشاعر، خصوصا أن إيران لن تستطيع إرسال قوات بشكل رسمي إلى هناك،  فكان لا بد من استدعاء المشاعر الدينية القادرة على استجلاب المقاتلين، فكان الخطأ الأول لإيران.

جاء تدخل حزب الله في سوريا بأمر من إيران بذريعة حماية المقدسات الشيعية في دمشق، وخصوصا مقام السيدة زينب، ولم يعلن أنه يتدخل لصالح نظام بشار الأسد، ولهذا رفع شعار "لن تسبى زينب مرتين"، وحتى هذه اللحظة ينعى الحزب قتلاه في سوريا تحت شعار أنه "استشهد في سبيل الدفاع عن المقدسات". 

لقد أدخلت إيران المنطقة في أتون حرب طائفية جعلتها تخسر رصيدا شعبيا، كانت وذراعها حزب الله قد بنته من خلال مواجهة العدو الصهيوني.

إيران رسخت بسياستها تلك أنها حامية الأماكن المقدسة الشيعية، وأنها مستعدة للدفاع عن المراقد والمقامات التي يعتبرها الشيعة مقدسة في أي مكان، حتى لو كانت في دولة سنية، ما استفز المشاعر السنية في المنطقة.

حاولت إيران عبر شخصيات وأحزاب ووسائل إعلام تابعة لها أن تبعد تهمة الطائفية عنها، لكن تورطها أكثر فأكثر في سوريا لدرجة أن تتحمل مسؤولية نقل آلاف المقاتلين الشيعة من العراق وأفغانستان وباكستان إلى سوريا، وتشكيل فرق وألوية تحت مسميات طائفية، جعلها تخسر المعركة الشعبية، وجعل إيران تزاحم إسرائيل في قائمة أعداء الشعوب العربية وفق استطلاعات رأي.

الخطأ الاستراتيجي الثاني الذي وقعت فيه طهران ولا يمكن مقارنته بالخطأ الأول، هو أنها باتت تعتبر نفسها مسؤولة عن حماية أي شيعي غير إيراني، حتى لو كان مواطنا سعوديا.

رد الفعل غير المحسوب الذي عبر عنه جميع المسؤولين الإيرانيين بدءا من المرشد الأعلى للثورة على الخامنئي، ورئيس الجمهورية حسن روحاني، وأركان وزارة الخارجية، والنواب، وقادة عسكريون، ومراجع دينية، على إعدام المواطن السعودي الشيعي نمر النمر، ثم رد الفعل الشعبي، الذي يعتقد أنه ليس عفويا، ضد سفارة السعودية في إيران، رسخ قناعة أخرى وهي أن إيران تريد أن تنصب نفسها حامية الشيعة في المنطقة. وهي قناعة زادت رسوخا بعد تدخل إيران واستدعائها السفير النيجيري على خلفية اشتباكات راح ضحيتها مواطنون نيجيريون شيعة. 

الخطآن اللذان ارتكبتهما إيران خلقا لها محيطا معاديا بشكل كبير، هذا المحيط المعادي الذي كان يتمناه خصومها وأعداؤها، ولا أعتقد أنها قادرة على تخفيف هذا العداء في المدى المنظور.
هذا المحيط المعادي سيكون كارثة على مصالح إيران ونفوذها في المنطقة، وهي بالفعل ستجد نفسها محاصرة بحالة من العداء الشديد، وهو حصار سيطال أداوتها في المنطقة، وهو الأمر الذي كانت تخشاه في البداية. 

تخيلوا لو أن نجاح إيران في توقيع الاتفاق النووي حدث قبل خمس سنوات؟ ماذا سيكون وضعها الإقليمي؟