قضايا وآراء

انتفـاضة الــقدس.. تعددت الإنجـازات والـــهدف واحــد

1300x600
تقف اليوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي عاجزة عن فعل أي شيء إزاء عمليات الدّهس والطعن التي يدافع بها الفلسطينيون عن أرضهم وحقوقهم المسلوبة، لأوّل مرة في تاريخ احتلاله للأراضي الفلسطينية لا يعرف قادتهم مع أي جهة يتحدثون أو يتحاورون من أجل إيقاف هذا النزيف الأمني غير المسبوق.

العمليات الفردية التي يقوم بها الفلسطينيون بكل شجاعة وبراعة في بعض الأحيان، أعادت للمقاومة الشّعبية زخمها، بعدما انفردت بها الفصائل الفلسطينية لعدة سنوات، وكأّنّ الشعب الفلسطيني سئم من استمرار الانقسام بين النسيج الداخلي وقرر أخذ زمام المبادرة من أجل – على الأقل – تحريك المياه الراكدة فيما يخص القضية المركزية.

في هذه الأثناء وفي انتظار ما ستفضي إليه الأيّام والأسابيع المقبلة يمكننا التوقف عن ملاحقة الأخبار المتراكمة في كل لحظة وحين، والتأمل في هذه الهبة الشعبية منذ انطلاقتها بداية الشهر الجاري، وذلك من أجل جرد الحسابات والحديث عن الإنجازات المهمة التي حققها هؤلاء الشباب حتى الآن.

بداية، أهم إنجاز يمكننا الحديث عنه هو قضية توحيد الصف الفلسطيني في مواجهة غطرسة الاحتلال، ونحن هنا نتحدث عن وحدة الجغرافيا والانتماء، فالأولى جمعت المناطق المعزولة الأربع، وهي غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة وأراضي 48، أما الثانية فهي خروج المظاهرات وتقدمها نحو المواجهات مع جنود الاحتلال تحت راية واحدة في أغلب الأحيان متمثلة بالعلم الفلسطيني، طبعا هذه الوحدة لم تصل بعد إلى مستوى قيادات الفصائل رغم دعواتها مجتمعة للخروج في مسيرات الغضب، وهو عامل إيجابي ومرحلة مهمة تسبق الوصول إلى اتفاق شامل بين الفصائل الفاعلة على الأرض الفلسطينية، وهذه تعتبر فرصة تاريخية أخرى أمام حركة فتح لتضع يدها بيد الشعب الثـّائر واسترجاع الحقوق بقوة الحديد والتخلي عن طريق الاستجداء من خلال المفاوضات والوقوف على أبواب الأمم المتحدة التي لم تفعل شيئا منذ أكثر من ستة عقود سِوى إرضاء سلطات الاحتلال.

الإنجاز الثاني يعتبر ذا إستراتيجية قيمة والمتمثل في اكتشاف أداة السكين كسلاح ناجع ومؤثر بشكل لم يكن يتوقعه أحد، حتى تم تجريبه في هذه الانتفاضة، هذه الوسيلة الجديدة دخلت الصراع القديم بقوة، بحكم أنه سلاح قاتل وسهل المنال والاستخدام، ونظرا لأهمية هذا الإنجاز فيمكننا وضع مقارنة بسيطة، ففي قطاع غزة المحاصر لم تستطع فصائل المقاومة من فرض توازن الرعب والقوة مع الاحتلال إلا بعد إطلاق صواريخ وطائرات من دون طيار لضرب العمق الصهيوني، أما في الأراضي المحتلة ( الضفة الغربية والقدس وأراضي 48) فكان يكفي لهؤلاء الشباب الأبطال (إناثا وذكورا) أن يفرضوا توازن الرعب والقوة باستخدام سكين المطبخ فقط، بحكم تواجدهم مع الصهاينة في الأحياء ومحطات الحافلات وحتى في المحلات التجارية، وطبعا هذه الأخيرة لا تلغي ولا تأخذ مكان مقاومة الصواريخ التي بدأت يوما بالحجارة والمقلاع فقط. 

الإنجاز الثالث لا يقل أهمية عن سابقه، ويمكن إدراجه في البعد الإستراتيجي، حيث أصبح بإمكان كل فلسطيني القيام بعمليات نوعية من دون فريق، ففي السابق كانت العمليات الاستشهادية تعتمد على مجموعة من الأشخاص كل واحد له دور محدد (على سبيل المثال: قائد الفريق، منفذ العملية، مسؤول الوسائل اللوجستية، المهندس، مسؤول الاتصالات،...)، وكان هذا الأمر يعرضهم لخطر الكشف خاصة عند الاتصال مع بعضهم البعض، سواء كان مباشرا أو بالهاتف أو عن طريق الإنترنت.

هذا الأمر يقودنا إلى الإنجاز الرابع، حيث خطف الجيل الشاب زمام المبادرة والتقدم نحو الصف الأول لمواجهة همجية الاحتلال الصهيوني (جنوده ومستوطنيه) مبديا استعدادا منقطع النظير في حمل راية المقاومة والحفاظ على شعلة الكفاح المسلح متقدة.. نعم، هذا الشاب الذي كان عمره لا يتجاوز خمسة أعوام في الانتفاضة الثانية (28 أيلول/ سبتمبر 2000) ولم يعش مآسيها وأفراحها وربما لا يتذكر أي شيء منها، إلا ما سمعه أو قرأه هنا وهناك، إلا أنه اليوم - أي هذا الشاب الفلسطيني - هو من يعمل على إعادة القضية المركزية إلى الواجهة، وهو من يقود الأمة - العربية والإسلامية - للعودة بها إلى جادة الصواب بعد خمس سنوات من الضياع والتياهان في خضم صراع داخلي لا يكاد ينتهي في عدة دول عربية، خاصة وأننا نعرف مسبقا أن المستفيد الوحيد من هذه الأوضاع هو الكيان الصهيوني، والخاسر الأكبر هي الشعوب العربية التي تفرقت بين القتل والتشريد.

الإنجاز الخامس هو إثبات الجيل الشاب بحفاظه على نهجه الديني والدليل على ذلك هو الانتماء الإسلامي لغالبيتهم، وما يؤكد ذلك النعوات التي تنشرها حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد استشهاد الكثير من الشباب والشابات، وهذا يعني أنهم كانوا دائما تحت الرعاية الدينية، وطبعا حصل هذا بمساعدة الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر بقيادة الشيخ رائد صلاح، هذا الأخير يعتبر أيقونة العمل المقاوم للاحتلال في الأراضي المحتلة، ويستطيع بأسلوبه الخطابي أن يؤثر إيجابيا في الكثير من الشباب من مختلف المشارب.

الإنجاز السادس هو إجبار هؤلاء الشباب حكومة نتنياهو المتطرفة على تقسيم مدينة القدس المحتلة بقوة السكين بعدما فـُرض على الصهاينة حظر التجوال في الشطر الشرقي للمدينة، وهذا أمرٌ فشل في تحقيقه أصحاب المفاوضات رغم المحاولات التي استمرت لعدة عقود. 

الإنجاز السابع هو تحطيم المنظومة الأمنية الإسرائيلية، هذه المنظومة المعقدة والمركبة من العامل البشري والسلاح المتطور والتكنولوجيا الخارقة أصبحت من الماضي، كل هذا تفاخرت به قيادات عسكرية وأمنية لعدة سنوات، اليوم يرون إنجازاتهم المزعومة تتداعى عليهم ولا يستطيعون فعل أي شيء، وبعد فشلهم في مواجهة الأحياء في الحاضر رجعوا إلى الماضي من أجل محاكمة الأموات، فاختلط عليهم الأمر بين هذا وذاك وأصبحوا أضحوكة أمام الأصدقاء قبل الأعداء، ليتيقن المستوطنون مرة أخرى من حقيقة هشاشة حكومتهم ورئيسها، الذي ظن لفترة من الزمن بأن استباحته للمسجد الأقصى وتدنيسه سيمر من دون عقاب.   

إنجازات استطاع الفلسطينيون تحقيقها فقط في ثلاثة أسابيع باستعمال وسائل بسيطة مهروها بدمهم، في المقابل ما زال قادة الاحتلال ومحلليهم العسكريين يجتهدون لأجل التخفيف من وطأة هذا التحول الإستراتيجي في قواعد الاشتباك مع الشعب الفلسطيني، فيُطلون كل ليلة في برامج حوارية وإخبارية لتكذيب أسطورة الفلسطيني الجديد الذي هزم جيشا بسكين مطبخ، ليطلُع الصباح فتقرأ الحقائق في صحفهم العبرية المليئة بالمقالات والتحليلات، والمليئة أيضا بمفردات خطيرة على أمنهم القومي من قبيل.. إخفاق مدو، فشل صارخ، يأس، ارتباك وبلبلة، هستيريا، كآبة وهلع في الشوارع والحافلات والمحلات بل وحتى في بيوتهم الدافئة والمغتصبة.