نشرت مجلة "إيكونومي ماتان" الفرنسية، تقريرا تعرضت فيه إلى سعي
البنوك والحكومات للحد من
المعاملات النقدية، باعتبار أن هذه الطريقة في التعامل لا يمكن مراقبتها، وتسهّل القيام بعمليات تبييض الأموال، وهو ما دفع العديد من الحكومات الأوروبية إلى فرض
ضريبة على
سحوبات الأموال من البنوك، وإصدار
قوانين تنظم هذا المجال.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الحكومة اليونانية قد أعلنت في نيسان/ أبريل الماضي، أنها تعتزم فرض ضريبة على السحوبات النقدية لمنع المواطنين من إفراغ وغلق حساباتهم البنكية، موضحة أنه بالرغم من أن المبلغ المقتطع على كل سحب غير هام، وهو "واحد
يورو" على كل ألف يورو مسحوبة، فإنه يعكس انعدام التكافؤ بين الوحدة النقدية ووحدة الودائع البنكية، بمعنى أن "واحد يورو" في البنك؛ لا يساوي "واحد يورو" في الجيب.
وأضافت أن هذا الإجراء يدخل في إطار تغيير طرق التعامل المالي، باعتبار أن المواطن لا يتحصل إلا على 90 سنتيما من أصل اليورو المسحوب، ما يجعل تسوية المعاملات المالية بالاعتماد على
البطاقة المصرفية أحسن من اعتماد العملة النقدية؛ كما أن هذا الإجراء مهيكل بطريقة تجعل الأموال رهينة البنوك، باعتبار أن إيداع النقود في البنك لا يضمن لصاحبها فائدة بقيمة 10 سنتيمات على كل يورو.
وأكدت المجلة أن الحكومة اليونانية جعلت، من خلال فرضها لهذه الضريبة، المعاملات النقدية غير قانونية، أو بالأحرى غير عملية، وذلك لعدة أهداف؛ أهمها أنها تريد مراقبة المعاملات المالية بصفة آلية، وتسهيل التحكم في السيولة النقدية.
وقالت إن أول من قام باعتماد هذه الطريقة؛ هي الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال القانون الذي أصدرته في سبعينيات القرن الماضي، تحت عنوان "قانون مراقبة العملة والمعاملات الخارجية"، الذي فرض على المؤسسات المالية الأمريكية مساعدة السلطات على اكتشاف عمليات تبييض الأموال والحد منها؛ وذلك من خلال إجبارها على الاحتفاظ بدفاتر تسجل كل العمليات المالية اليومية التي تفوق 10 آلاف
دولار.
وأضافت أن الحكومة الأمريكية، متعللة بمحاربتها للفساد وللجريمة المنظمة، قامت بإلغاء العديد من الأوراق النقدية ذات القيمة العالية؛ مثل الأوراق النقدية ذات الـ500 والألف والـ10 آلاف دولار، التي كانت تستعملها البنوك فيما بينها، ما صعب عملية اعتماد المعاملات النقدية في قضاء الشؤون المالية.
وأفادت المجلة بأن مثل هذه الإجراءات أخذت في الانتشار في العالم بأكمله، حيث إن السويد تجبر مواطنيها على استخلاص اشتراكات المترو والحافلة عن طريق الهاتف، أي عن طريق الاقتطاع من الحساب البنكي، فيما أصبحت البنوك الكبيرة في البلاد ترفض المعاملات النقدية سحبا وإيداعا، وأخذت في إلغاء التعامل اليدوي مع المال تدريجيا في كل فروعها منذ عام 2012.
وأضافت أن فرنسا حاولت، في الإطار نفسه، تمرير قانون في 2012، يفرض الحد من استعمال المعاملات النقدية، ووضع سقف لها بقيمة ثلاثة آلاف يورو، ولكنها فشلت، لتعيد اقتراح القانون، وتنجح في تمريره إثر أحدات تشارلي إيبدو في كانون الأول/ يناير من العام الحالي، بعد أن تأكدت من أن مجرمين قد تمكنوا من شراء العديد من مستلزماتهم وقاموا بالدفع نقدا.
وأشارت إلى أن سويسرا، التي كانت رمزا للحرية
الاقتصادية، ومركزا للقطاع المالي الخاص؛ أذعنت لمطالب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، وقامت بتمرير قانون يحجر المعاملات المالية النقدية التي تفوق المئة ألف فرنك سويسري، بما في ذلك بيع وشراء الساعات الفاخرة والسيارات والعقارات، ويفرض اللجوء إلى البنوك من أجل إتمام كل صفقة تفوق المبلغ المذكور.
وفي الختام؛ فقد نقلت المجلة عن الخبير الاقتصادي غريغوري مانكيو، قوله إن البنوك المركزية أصبحت تتبنى التوجهات الحكومية نحو الحد من المعاملات النقدية، وذلك بتشجيع من الحكومات التي تريد إقناع مواطنيها بأنها تحميهم - من خلال القوانين التي تقوم بتمريرها - من المحتالين والإرهابيين وعصابات تبييض الأموال، في حين أنها تريد التجسس على معاملاتهم المالية، وإجبارهم على دفع مستحقاتهم الضريبية بصفة آلية.