قضايا وآراء

واشنطن - طهران: اتفاق نووي وتحديث لدور شرطي المنطقة الإيراني

1300x600
الاتفاق النووي الأخير الذي تم توقيعه بين إيران والدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا، كان اتفاقا أمريكيا - إيرانيا بامتياز. 

وتضمن في الحقيقة أمرين أساسيين أو نصّا وروحا، حيث جرد النص طهران من جوهر مشروعها النووي مقابل ليس فقط رفع العقوبات الأممية -الأمريكية التي يتحكّم بها الكونغرس- عنها، وإنما إطلاق يدها في المنطقة، أي تحديث لدور الشرطي الإقليمي التي قامت به في السابق زمن الشاه محمد رضا بهلوي. 

وكما دائما وفق القواعد أو الخطوط العريضة التي تضعها واشنطن ولو بشكل غير مكتوب، كما هو حاصل في العراق مثلا منذ اجتياحه في 2003 حتى الآن.

تعاطى الرئيس باراك أوباما مع المفاوضات الأمريكية الإيرانية كما مع فكرة التعاون أو التحالف غير المعلن مع طهران بمزيج من السذاجة المكر والبرود، فهو أراد دخول التاريخ كمن جرّد طهران من مشروعها النووي أو أعاده إلى الوراء سنوات كثيرة، وهو ما تحقق بالفعل ليس فقط بالتخلي عن 97 بالمائة من اليورانيوم المخصّب، ولا حتى بالتخلّي عن سبعين بالمائة تقريبا من أجهزة الطرد المركزي مع إبقاء البعض منها من الجيل الأول المتخلفة أو ذات المستوى التكنولوجي المتدنّي، ولا حتى بإعادة تصميم معمل أراك -بمشاركة خبراء إسرائيليين كما قالت المفاوضة الأمريكية شيرمان- كي يكون للبحوث ولا ينتج بلوتونيوم يمكن استخدامه في صنع قنبلة نووية، وإنما بوضع المواقع كلها من أماكن التخزين إلى المفاعلات إلى الثكنات العسكرية تحت رقابة دولية صارمة ليس من السهولة بمكان خداعها أو التفلت منها.

أوباما البارد واللئيم؛ أراد كذلك إلقاء حبة البطاطا الساخنة إلى حضن خلفه، وحتى خلف خلفه وكل ما أراد فعله هو إرجاع مشروع طهران النووي سنوات كثيرة للوراء. وإذا ما أرادت التقدم بعد ذلك فليواجها زعيم أو رئيس آخر.

مقابل ذلك لم يمانع الرئيس الأمريكي إعادة الأموال الإيرانية التي تم تجميدها على خلفية المشروع النووي ولم يشترط ولم يناقش حتى في كيفية صرفها باعتبارها أن هذا متروك لتقدير القيادة الإيرانية.

وهو ما ينقلنا مباشرة إلى روح الاتفاق الأمريكي الإيراني أو الجزء غير المكتوب منه - اللا ورقة - والذي ينص على أن تصرف الأموال كما يحلو لها وحسب منطق أوباما البارد ولئيم، فإنها إذا ما عمدت إلى استنزاف مواردها وقدراتها في حروب مستمرة ضد العرب والمسلمين، أو في سياق سعيها للهيمنة على المنطقة، فلا بأس في ذلك شرط أن يتم وفق الشروط، أو قواعد اللعب التي تحددها واشنطن، كما هو حاصل في العراق منذ سنوات.

يعتقد الرئيس الأمريكي أن المنطقة مدمرة، وأنها ستشهد نزاعات عرقية وطائفية لسنوات، بل لعقود ولا مصلحة أمريكية استراتيجية فيها بعد تأمين إسرائيل على كل المستويات العسكرية الأمنية والسياسية، وبعد الإيضاح لطهران أنها خط أحمر، إضافة إلى حرية الملاحة كما الحدود السائدة منذ عقود - حدود سايكس بيكو - ولو بشكل صوري، وما عدا ذلك فإنها حرّة إذا ما أرادت أن تهيمن أو تحتل أربعة عواصم عربية أو أكثر أو أن تؤسس إمبراطورية فارسية عاصمتها بغداد، أو أي عاصمة أخرى فلا مشكلة عنده. 

الأمر الذي يذكرنا في الحقيقة بحديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن عدم ممانعته في إطلاق اسم إمبراطورية على الدولة أو الكيان الفلسطيني شرط أن يكون خاضع للمشيئة والمصالح أو الشروط الإسرائيلية. 

في الجوهر كذلك يبدو أوباما وكأنه يتبنى منطق المحافظين الجدد الشهير الذي تبناه بوش مطلع القرن الحالي والقاضي بالتحالف مع إيران والأقليات الدينية والعرقية في المنطقة لعقاب الأكثرية العربية الإسلامية التي لم تخضع ولم تظهر أنها بوارد الخضوع خاصة بعد تحميلها المسؤولية عن هجمات 11 أيلول 2001 التي نفّذتها القاعدة، وكانت في الحقيقة نتاج للسياسات الأمريكية الداعمة لإسرائيل وأنظمة الاستبداد العربية في المنطقة التي حمت إسرائيل والمصالح الأمريكية من جهة، وأطفأت الأضواء أمام الشباب العربي في كل المستويات السياسية الاقتصادية والاجتماعية.

من الناحية الإيرانية تخلت القيادة في طهران عن مشروعها أو جوهر مشروعها النووي مقابل اليافطة فقط. ووافقت على إرجاعه سنوات للوراء ليس فقط مقابل استعادة أموالها المجمدة لتحسين الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية التي وصلت إلى حد الانفجار تحت ضغط العقوبات، وإنما للمضي قدما في سياستها الإقليمية ومساعيها لإقامة الإمبراطورية الفارسية ضمن قواعد اللعب الأمريكية، كما حدث في العراق بشكل مستتر منذ 2003 وصريح أو علني منذ الانسحاب الأمريكي 2011 وتقديم العراق المنقسم والمدمر على طبق من ذهب لحكومة نوري المالكي الطائفية، التي هدمت كل التوازنات وتخطت كل الخطوط الحمر في سياق خدمة التقاطعات أو التفاهمات الأمريكية الإيرانية في سياقاتها السياسية الاقتصادية والأمنية.

أما الحديث عن انتصار إيراني في الاتفاق، فليس سوى ذر للرماد في العيون، وإمعان في السياسة التقليدية المتمثلة بتحويل الهزائم أو النكسات والنكبات إلى انتصارات إعلامية على طريقة أحمد سعيد الشهيرة فمنذ مغادرة الشيخ حسن روحاني لمجلس الأمن القومي في آب 2005 إلى عودته للرئاسة في 2013، خسرت طهران 500 مليار دولار كنتيجة مباشرة للعقوبات التي فرضت عليها إضافة إلى 200 مليار أخرى دولار تبخرت من عوائد بيع النفط الإيراني المهرّب. 

وببساطة لا يمكن الحديث عن انتصار مع فقدان تريليون دولار، ووجود الصفقة نفسها على الطاولة منذ 10 سنوات تقريبا ولا يمكن الحديث عن انتصار في ظل التحالف مع الثورات المضادة، ورعاية حلف الأقليات المدعوم أمريكيا والتورط في حرب بل حروب طائفية وعرقية مع العرب والمسلمين لا أمل أبدا في كسبها.

في الأخير وباختصار سيمضي الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني قدما وستلتزم طهران به نصّا وروحا وستتخلّى جوهريا عن المشروع النووي مقابل استعادة أموالها ورفع العقوبات عنها وستستمر من جهة أخرى في سياستها الإقليمية المدمرة -ضمن القواعد الأمريكية- ومحاولتها اليائسة لإقامة إمبراطورية فارسية عاصمتها حاضرتنا أو مدينتنا العربية بغداد، وللأسف فإن هذا سيسيل مزيد من الدماء وسيخلق عداوات عربية فارسية وسنّية شيعية لسنوات، بل لعقود. 

وسيقضي على فكرة انفتاح إيران على نفسها كما على محيطها العربي الإسلامي وتحالفها غير المعلن مع واشنطن لن يفيدها لأن ثمة قوي وشعوب في المنطقة مستعدة للقتال دفاعا عن نفسها ومصالحها وطهران لن تكون قادرة أبدا على كسب الحرب التي ورطت نفسها فيها، وتبدو مصرّة للأسف على المضي فيها حتى النهاية دون أي توقف أو مراجعة.