كتاب عربي 21

دين العقل والعلم

1300x600
كان شيخنا محمد الغزالي (1335- 1416هـ، 1917- 1996م) عليه رحمة الله، واحدا من أعلام مدرسة الإحياء والتجديد، التي عرفت قدر إمامها الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (1266– 1323هـ، 1849– 1905م).

ولقد تتلمذ الشيخ الغزالي - تلمذة مباشرة - على الشيخ محمود شلتوت (1310- 1383هـ، 1893-1963م) - وهو أحد أعلام هذه المدرسة - وكانت له عنده منزلة كبرى، حتى إنه كان يقول: "أروني فقيها مثل شلتوت".

ولقد كان للعلم والعقل، وللتجديد والإبداع، ولمحاربة الجمود والتقليد المكانة السامية في إبداعات هذه المدرسة التجديدية التي مثلت كبرى المدارس الفكرية التي امتدت آثارها إلى مختلف بقاع عالم الإسلام.

ومن النصوص النفسية - التي تحتاج إلى إعادة القراءة والتأمل - التي قالها الشيخ شلتوت في هذا المقام: "إن الإسلام هو دين الفكر ودين العقل ودين العلم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقدم حجة على رسالته إلا ما كان طريقها العقل والنظر والتفكير، وهو الذي لم يشأ له ربه أن يحقق للقوم ما كانوا يطلبون من خوارق حسية يخضع لها أعناقهم (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين، أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) (العنكبوت – 50،51)".

ولقد ارتفع القرآن بالعقل وسجل أن إهماله في الدنيا سيكون سببا في عذاب الآخرة، فقال حكاية لما يجري على ألسنة الذين ضلوا ولم يستعملوا عقولهم في معرفة الحق والعمل به: (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) (الملك - 10).

ولقد كان من مقتضيات أن الإسلام دين العقل ودين العلم أنه حذر من اتباع الظن، وجعل البرهان والحجة أساس الإيمان: (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون)(الأنعام – 148).

ومن هنا، فقد كثرت آيات القرآن الواردة في ذم التقليد والجمود على ما كان عليه سلفهم، وجرى الخلف وراء السلف، دون نظر واستدلال، وكأنهم يرون أن السبق الزمني يخلع على خطة السابقين وآرائهم في المعتقدات وأفهامهم في النصوص قداسة الحق والسلطان البرهان، فالتزموها وسلبوا أنفسهم خاصة الإنسان وخاصة البحث والنظر: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) (البقرة – 170).

وكما أكد الشيخ شلتوت على أن الإسلام هو دين العقل والعلم والفكر، فقد أكد على رفض الإسلام للجمود، الذي يتنكر للعقل والعلم والفكر، ذلك "أن الجمود عند الموروث والاكتفاء به مصادم لما تقضي به طبيعة الكون وطبيعة كل حي من النمو والتوليد، والتناسل الفكري كالتناسل النباتي والحيواني والإنساني، كلاهما شأن لابد منه في الحياة، ولو وقف التناسل الفكري لارتطم الإنسان في حياته بكثرة ما تلد الطبيعيات التي هو منها، وعندئذ يعجز عن تدبير الحياة النامية، فيتحقق فشله في القيام بمهمة الخلافة الأرضية التي اختير لها ووكلت إليه منذ القدم".

كذلك، فإن "الجمود على آراء المتقدمين لمجرد أنهم متقدمون، فيه سلب لمزية الإنسان في التمييز بين الحق والباطل، والملائم وغير الملائم، فيقاد بالزمام، وزمامه صور الآباء والأجداد فهو دائما تجذبه القهقرى، ولا تجد من نفسه عونا على التقدم، فيقع في ضيق من الحياة المتجددة حوله: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) (الأعراف – 28)، ويظل كذلك حتى تنزل به غاشية من صولة الطبيعة النائية، فتذهب به إلى حيث ذهب الغافلون، فالجمود جناية على الفطرة البشرية، وسلب لمزية العقل التي امتاز بها الإنسان، وإهدار لحجة الله على عبادة وتمسك بما لا وزن له عند الله".

تلك فقرات من بعض ما كتبه الشيخ شلتوت عن مكانة العقل والعلم والفكر في دين الإسلام، وعن خطر الجمود والتقليد على دين المسلمين ودنياهم، ونحن - الذين توفرنا على الجمع والتحقيق والدراسة لإبداعات هذه المدرسة التجديدية – عندما نرى بؤس الفكر وفكر البؤس الذي يسود في خطابنا الديني المعاصر، نلح على أن السبيل لإخراجنا من هذا البؤس هو تدريس نصوص إبداعات هذه المدرسة التجديدية، بدلا من الغثاء الذي يتجرعه الطلاب في الكليات الشرعية وفي معاهد إعداد الدعاة.

إن التواصل مع فكر أعلام الإحياء والتجديد هو طوق نجاتنا من هذا البؤس الذي نعيشه والذي نشكو منه صباح مساء!