قضايا وآراء

لوزير الدفاع العراقي: استقِل!

1300x600
عندما وقع الاختيار على حيدر العبادي لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعد سلفه نوري المالكي ووسط أجواء مشحونة سياسيا ومنفجرة أمنيا بسقوط عدة مدن ومحافظات بيد تنظيم داعش، قطع العبادي عدة تعهدات للأحزاب السياسية جميعا، وكانت إحدى وعوده أن يقوم بتعيين وزراء أمنيين أصلاء وعلى خلاف نهج الحكومة السابقة التي أدارت جميع الوزارات والمناصب الأمنية بالوكالة مدار فترة حكمها (2010- 2014). أما أهمية هذه النقطة بالنسبة للأحزاب السياسية جميعها، أن المناصب الأمنية ما عدى أنها تخضع للمحاصصة الطائفية التي ينولها منها جانب، كانت تمثل أيضا معنى لشراكة القرار الأمني والمعرفة الأمنية لأوضاع البلاد. بعد تفاصيل كثيرة ومناقشات ومداولات، نجح أخيرا حيدر العبادي في الإيفاء بوعده وإيجاد توافق على وزير للداخلية وأخر للدفاع.

منذ أن تولى خالد العبيدي منصب وزير الدفاع، لم تقف الشائعات والأقاويل حوله وكان وما زال واضح استهدافه لأسباب سياسية أساسا وقد طائفية أحيانا، فالعبيدي قبل أن يكون وزيرا للدفاع هو نائب في البرلمان العراقي عن محافظة نينوى وبالتالي إن اختياره للوزارة جزء من المحاصصة. ووزارة الدفاع وفق المحاصصة العراقية من حصة العرب السنة أما الداخلية للعرب الشيعة؛ كما قسمها من قسمها في البداية حتى أصبحت كثابت تتعامل معه ووفقه كل حكومة تتشكل وهذه رابع حكومة يكون فيها توزيع المناصب الأمنية بهذا الشكل. لكن بعيدا عن المحاصصة فالعبيدي يمتلك ملف تعريف غني بالخبرات والكفاءة وبالتالي إن اختياره تحديداً كان مناسب لأي حكومة جديدة تتشكل وفق أوضاع العراق وتطمح للتغيير والتطوير. وسريعاً العبيدي له مؤهلات؛ بكالوريوس في هندسة الطائرات في أكاديمية الهندسة الجوية في يوغسلافيا عام 1982، وماجستير هندسة علوم الفضاء اختصاص ديناميكية الهواء من جامعة بلغراد في يوغسلافيا 1984، وماجستير في العلوم العسكرية من كلية الأركان العراقية عام 1998، ودكتوراه في العلوم السياسية عام 2011. فيما عدى خبراته العملية بالقوة الجوية العراقية لغاية 2003 ثم مرحلة تدريس في سنوات سابقة كما يجيد اربع لغات هي العربية والإنكليزية والروسية والصربية.  
بدايةً من انقلاب يقوده العبيدي على المنطقة الخضراء التي تجلس فيها كل الدولة العراقية، وصولاً لمجزرة الثرثار التي قيل إنها وقعت بحق 140 جنديا عراقيا على يد تنظيم داعش بسبب تخاذل العبيدي عن إسنادهم أو حتى التعاون ضدهم كما يرى البعض. حكايات عديدة للنيل من العبيدي ليس هذه آخرها بالتأكيد، وحملات تقاد ضده بالتحديد دون غيره لدوافع عدة أهمها إسقاط حكومة العبادي من خلاله لأهمية وزارته وتأثير الحديث فيها وعنها على الشارع العراقي مع هكذا ظرف أمني، أو حتى تنحيته عن المنصب الذي عودتنا اربع سنوات أن يبقى شاغراً بلا وزير؛ وأن يبقى شاغراً فأنه بوكالة رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، خيراً من أن يتولاه العبيدي ممثل محافظة نينوى في الحكومة العراقية كما يرى البعض. 

سياسيون كثيرون تبنوا الهجوم على العبيدي دائماً وأرادوا تصويره بالشخص الطائفي الذي تولى وزارة الدفاع، حتى إنهم اتهموه علناً بإقالة ضباط وإحالة آخرين للتقاعد على أساس طائفي. وحول ذلك وغيره استضافوه في مجلس النواب العراقي وبين لهم كذب ادعاء البعض ووضح ما التبس على البعض الأخر بالدليل؛ حتى خجلوا وأثنوا عليه بعد الاستضافة. لكن لأنها حملة لها هدف، عدنا من جديد للحديث عنه ومن نفس الأشخاص وبنفس الطريقة والأن سيتم استضافته مجدداً في البرلمان لشرح ملابسات مجزرة الثرثار. وللأمانة خرج العبادي يدافع عن العبيدي اكثر من مرة، مطالباً من يتهموه بالكف عن ذلك.

خلال اليومين الماضيين تم إثارة موضوع مجزرة في الثرثار، قيل أنها وقعت على عناصر من الجيش العراقي كانوا محاصرين وقد ناشدوا مراراً بالمساعدة والأسناد ولم يصلهم شيء. دون تحري من القيادة العسكرية والأمنية، سارع السياسيون لاستثمار الحدث حتى انقلب الرأي العام مما دعى قيادة العمليات المشتركة لإصدار بيان عبر العميد سعد معن؛ نفى فيه مزاعم وجود مجزرة وأوضح أن هناك تفجير انتحاري استشهد على إثره قائد الفرقة الأولى وثلاثة عشر آخرين. لاحقاً أصدرت وزارة الدفاع بيان بنفس الصيغة عبر القناة الحكومية وبمؤتمر صحفي حضره أحد الجنود المحاصرين والذي قال بدوره؛ أن مجزرة لم تقع وأنه ورفاقه كانوا محاصرين حتى وصلهم الأسناد. كل ما سبق ينبغي أن نصدقه فنحن نتحدث عن جنود لا مدنيين وشؤونهم أعلم بها قيادتهم كما يفترض في أي بلد بالعالم، لكن في العراق الحكاية تختلف والناس لا تصدق دائماً بالنظر لسوابق مثل مجزرة سبايكر التي راح ضحيتها 1700 جندي بينما خرجت الحكومة لتقول أولا إنهم 170 فقط. 

حتى الأن هناك حملات وصفحات الكترونية تنادي بمحاسبة وزير الدفاع ودعوات للتظاهر ومطالبات أخرى بالإعدام له والأمر جدي لا مجرد حديث من شخص أو عشرة بل إن مظاهرات في محافظات مختلفة فعلاً قد خرجت. والرأي أنهم لا يصدقون حديث الدولة عن أن مجزرة لم تقع وأن الدولة تقوم بالتستر من وجهة نظرهم. وعلى أي حال لسنا هنا لننفي أو نؤكد ما حصل في الثرثار لكن سنحاول فهم الغاية من خلال السؤال؛ كم مجزرة وقعت في حق العراقيين والجيش العراقي؟ ولماذا لم يطالب أحد بالمحاسبة والإعدام كما يطالبوا للعبيدي!. مفارقات عدة يمكن الحديث عنها في شأن وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي، فهو مرشح القائمة العراقية برئاسة الدكتور إياد علاوي التي حصدت المركز الأول في انتخابات 2010 لمنصب وزير الدفاع الذي رفضه السيد رئيس الوزراء نوري المالكي حينها، ثم ما أن وافق المالكي عليه حتى تخلت عنه القائمة العراقية بداعي انه نسق مع المالكي وأنه لم يعد مرشحهم وبقت الوزارة بلا وزير، ثم رشحه تحالف القوى الوطنية مجدداً في حكومة العبادي 2014 واعترض عليه البعض لكنه نال الثقة، واليوم يتم مهاجمته من شخصيات محسوبة على نفس قائمة رئيس الوزراء حيدري العبادي التي كانت تقبل به وزيراً للدفاع 2010 والتي يعمل العبيدي مع رئيس وزراء حالي منها؟!. العبيدي ليس إلا وسيلة للنيل من العبادي اليوم والحديث كثير عن سعي أحزاب وشخصيات لأسقاط حكومة حيدر العبادي. 

هل العبيدي محصن من الحساب والمساءلة؟ بالتأكيد لا بل إن من أوصل العبيدي للبرلمان والوزارة غير متحمس لدعمه بعد أداءه لعدة اشهر والذي لم يقدم فيه شيء لناخبيه بل انه جامل على حسابهم بشكل واضح وفي ذلك تفاصيل لا تكفي المساحة لذكرها. لكن إلا ينبغي محاسبة المسؤول وهل العبيدي مسؤول؟ نجيب عن هذا بمحاوره افتراضية خرجنا بها من جميع لقاءاته وآخرها اليوم؛ 

- من يقود الجيش؟ - القائد العام للقوات المسلحة.
- من يحرك القطعات العسكرية والجنود؟ - قيادة العمليات المشتركة.
- هل للدفاع سلطة عليها؟ - لا بل إن كل الوزارات الأمنية تعمل لخدمتها.
- بمن ترتبط قيادة العمليات المشتركة؟ - برئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة.
- مادورك في وزارة الدفاع؟ - الإدارة والميرة وغير ذلك.
- هل تستطيع إقالة ضابط؟ - الجواب لا، يستلزم موافقة القائد العام.

السؤال؛ هل خالد العبيدي فعلاً مسؤول عن أي شيء وفق ما سبق، وهل هذا استحقاق القوى الوطنية؟.

- لخالد العبيدي نقول، استقيل إن كنت مع كل ما تقدم بوطنية وعلى حساب ناخبيك غير مرضي عنك، فأنك لن تنال رضاهم مهما حاولت ولن تجد من يمنحك صوت انتخابي بعد ثلاث سنوات.


 الأنبار مازالت تتوسل السلاح وهي والموصل من جعلت العبيدي يجلس على كرسي وزارة الدفاع الذي يخبرنا عنه العبيدي بما معناه أنه منصب شرفي لا يستطيع من خلاله فعل شيء.