كتاب عربي 21

المطلوب: تسليم التنظيم للزعيم

1300x600
في برنامجه "بلا حدود"، على قناة "الجزيرة" كان الإعلامي "أحمد منصور"، مهتماً، بأن يقوم الدكتور "أحمد عبد الرحمن"، المسؤول الجديد لمكتب الإخوان في الخارج، بوضع النقاط فوق الحروف، في حين لفت انتباهي قدرة الرجل على المناورة والهروب من الحصار المفروض عليه، على نحو بدد الصورة الذهنية التي رسمتها له، عندما اطلعت على المسوغات التي جرى تقديمه على أساسها والتي تمثلت في أنه كان متفوقاً دراسياً، وكأنه يتم ترشيحه لرئاسة "المركز القومي للبحوث"، وليس لموقع سياسي في الأصل والفصل، ولا أظن أن أحداً من الذين كانوا من حول الرئيس محمد مرسي، كان فاشلاً في دراسته، ومع هذا جرى ما جرى!

ذلك بأن العمل السياسي، له اشتراطات أخرى، لكن عندما غيبت حركة الجيش في يوليو 1952 السياسة، كان اللجوء إلى "التكنوقراط"، وفي "دولة الإخوان"، كان التعامل على أن من كان متفوقاً في دراسته، سيكون متفوقاً في العمل السياسي والتنفيذي، فكان طاقم الرئاسة من الأطباء، الذين ليست لهم سابقة أعمال في العمل السياسي العام، ورغم أن الجماعة ينخرط فيها صحفيون، لهم خبرة في مجال عملهم، فقد جرى استبعادهم من العمل الإعلامي في حكم الجماعة، إعمالاً لقاعدة "المتفوقون دراسياً"، الذين كانت تنقطع علاقتهم بالإعلام إلا من مشاهدة برنامج "أوائل الطلبة" الذي كان يقدمه "علي فايز زغلول"، لضمان التفوق العلمي!.

الشاهد أن "أسرة" بعينها في الجماعة هي التي حكمت، أما ما دونها فقد جرى تهميشهم، وكانت الذريعة: حتى لا يقال إننا "نُؤخون"، وبدا المشهد بائساً منذ تشكيل حملة الرئيس محمد مرسي الانتخابية، التي شكلت فيما بعد "دائرة الحكم"، وكان زملائي الذين يغطون الحملة في الصحيفة التي أترأس تحريرها يذكرون أمامي أسماء لا أعرفها، حتى ظننت أنني من "أهل الكهف" الذين لبثوا في كهفهم سنين عددا، وعندما استيقظوا من رقادهم، وجدوا دنيا غير التي يعرفونها!.

جربت مرة الاتصال بأحدهم، بعد شكوى من زميلة من أنها لم تتمكن من متابعة عملها بسبب تعنت من هم في الحملة، ووجدتني بحاجة لأن أعرفه بنفسي، وبالصحيفة التي صدر العدد الأول منها في سنة 1977، كأول صحيفة معارضة، ثم انعطفت للمشكلة، وبدا لي أن أحدنا من "البوسنة والهرسك".. تقريباً أنا!.

ربما كانت علاقة تنظيمية تربط "أحمد منصور" بالجماعة في أيام الشباب، لكن هذه العلاقة ليست قائمة الآن، وربما انقطعت منذ بداية عمله في قناة "الجزيرة". وبدا أنه ليس على وفاق مع حكم الجماعة، وقد أخبرني صديق مشترك هو زميلنا "إبراهيم الدراوي"، فك الله أسره، في الأيام الأخيرة لحكم الرئيس محمد مرسي، أن هناك ودا مفقود بين الرئيس ومنصور، وأن المشاعر السلبية بينهما متبادلة!.

"أحمد منصور" كان قد حمل في كتاباته على أداء الجماعة في الفترة الأخيرة، وانتقد قدرة القيادات الحالية على أن تكون على مستوى اللحظة الثورية، واتهم القيادات بالفشل والتخبط والارتباك وانعدام الرؤية، فهو لا يحاور ضيفه من فراغ، ولكنه يحمل وجهة نظر.

حاول "منصور" أن يحاصر الدكتور "أحمد عبد الرحمن" أكثر من مرة، وفي كل مرة يتمكن من الإفلات منه، بجدارة سياسي متمرس، فلم يكن بالرجل "البركة" كالقيادات التاريخية للجماعة، الذي يروي في مواجهة الحصار ظمأ الإعلامي الذي يحاوره، ولو بكلام ليس جاداً سعياً منه للإفلات من الحصار المفروض عليه.

بما أنها قيادة جديدة، فقد كان "منصور" مشغولاً بمعرفة الموقف من أخطاء الجماعة في الحكم، وأيضاً بالرؤية الحاكمة في المرحلة القادمة لإسقاط الانقلاب!.

ولم "يبل" المسؤول الإخواني الجديد "ريق" الإعلامي "أحمد منصور"؛ ففي الأولى اكتفى بالقول إن الجماعة اعترفت بالخطأ واعتذرت للشعب المصري. وفي الثانية طمأن فؤاده بأن القيادة الجديدة أكثر ثورية.

لم يذكر "عبد الرحمن" هذه الأخطاء، كما أنه لم يذكر حدود هذه الثورية، وهل لا تزال العبارة المأثورة للمرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع: "سلميتنا أقوى من الرصاص" سارية، أم جرى عليها تعديل؟!.

حاول "منصور"، ويكفيه شرف المحاولة، وناور "عبد الرحمن" بدون تلعثم وكأنه لا يناور، وكان فضل الله علي عظيما، فغشيني النعاس أمنة منه!. 

الشيطان يكمن في التفاصيل، إلا في هذه فإنه يجد له مكاناً آمناً في الخطوط العريضة.

هل أخطأ الإخوان بعد الثورة، وهم في الحكم ؟

بكل تأكيد أخطأوا، لكن لا يجوز أن نطلق هذه الكلمة عائمة، فتتصرف الجماعة على طريقة "الكبير" في المشاحنات التي تقع في المجتمعات التقليدية!.

في هذا النوع من المشاحنات، كثيراً ما يكون هناك طرف أكثر جدلاً، يقر الجميع بخطئه، إلا هو، فينهي الطرف الآخر الخصومة بتصرف راق، فيعلن أنه هو من أخطأ ويقبل رأس المجادل اعتذاراً فيسقط في يده.

وقد اعتذر الإخوان للشعب المصري، في مواجهة "الطلبات المتكررة" لهم بالاعتذار، ولكم تمنيت أن يكون هناك اجتماع يجمع كل الأطراف التي تقول بخطأ الإخوان فيعلنوا ذلك وتبدأ المصالحة، ذلك بأن كثيرا من حيثيات الحكم عليهم بأنهم أخطأوا تردد من قبل الذين ارتكبوا نفس الأخطاء وزيادة!.

يقولون: إن الجماعة نسقت مع العسكر؟. والسؤال: ومن منكم لم ينسق مع العسكر؟!.

يقولون: إن الجماعة تقربت من الدولة العميقة. والسؤال وهل كان المجلس العسكري إلا التعبير الحقيقي عن هذه الدولة، ومع هذا كنتم رهن إشارته؟!

يقولون: إن الإخوان باعونا في "محمد محمود".. والسؤال: ولماذا بعتم من لم يبعكم في "محمد محمود"، مثل الشهيدة أسماء البلتاجي، والبطل حازم صلاح أبو إسماعيل؟!.

يقولون: إن الإخوان لم يكونوا أوفياء لمبادئ الثورة.. وهو كلام نظري لكن العملي هو أن من يقولون هذا الكلام مكنوا الثورة المضادة من الانتصار، وذهبوا إلى ميدان التحرير "كتفاً بكتف" مع رجال الأمن وأعضاء الحزب الوطني الذي أسقطته الثورة.

وتبقى القضية الأهم هو ما يردده الذين هم ضد الانقلاب من أن جماعة الإخوان أخطأت في إدارة ملف مواجهة الانقلاب، ليصبح المطلوب تفصيلاً ، هل لأنهم لم يهرولوا للمصالحة، أم لأنهم لم يحملوا السلاح؟.. توضيح الموقف هنا مهم!.

هذا الفريق، وكل شخص فيه يمثل فريقاً بمفرده، يطالب الجماعة بأن تتراجع خطوة للخلف، دون تحديد المقصود بهذه الخطوة، فتسعى الجماعة في كل كيان تشكله على أن تأتي بمدني على رأسه، عند أول إحساس منه باليأس من كسر الانقلاب، يقدم استقالته مع حيثيات تبدأ بالوارد في المقرر الدراسي من أن الإخوان باعونا في محمد محمود، ونسقوا مع العسكر.. وكأنه اكتشاف جديد.

في إطار البعد عن التفاصيل، يكون مطلوباً من الجماعة أن تفسر "لغة الطير" والمقصود بالخطوة للوراء، وعلى طريقة الطالب "عبد المنعم أبو الفتوح"، الذي كان يقول له السادات: "مكانك" عند المواجهة، فلم يفهم الطالب أن الرئيس يقول له "الزم حدودك". فمع كل أمر من الرئيس بـ "مكانك" يقول مندهشاً: "أنا واقف في مكاني لم أتحرك"!.

يقول قائلهم إن على الإخوان أن يتراجعوا خطوة للخلف، فيقول الإخوان تراجعنا تفضل. فليس لديهم مانع في أن يترأس الحكومة شخصية مدنية، فيكون الطلب في اليوم التالي: على الإخوان أن يتراجعوا خطوة للخلف!.

والأمر يحتاج إلى مناقشة صريحة، حول المقصود بالتراجع خطوة للخلف، هل يقصد بها مثلاً عدم المنافسة مرة أخرى على الانتخابات الرئاسية؟!

راودتني فكرة متآمرة تحتاج لإخواني غير متفوق دراسياً، فيعلن أن الجماعة قررت التوقف كلية عن العمل السياسي، ولن تنافس على الانتخابات بما في ذلك اتحادات الطلاب بالمدارس والجامعات، وأنها ستتفرغ للعمل الدعوي. لأنه عندما يقال ذلك فسيتم الإعلان عن المقصود، بالتراجع خطوة للخلف، وسيتم الجهر بما تخفي الصدور حرجاً.

فالمطالب بالتراجع، لا يطلب أن يتوقف الإخوان عن العمل السياسي وإنما يريد أن يجري تسليمه التنظيم، ليتظاهر التنظيم ويرفع صوره، ويقوم بالثورة، ويسقط الانقلاب، ويصطف خلف "الزعيم القائد" وينتخبه ليكون رئيساً.

فكرة أخرى تحتاج لفاشل دراسياً، وهي أن يقال للقوم اجتمعوا واتفقوا على واحد ليستلم التنظيم ولا مانع من توثيق عملية التنازل في الشهر العقاري، عندها سيحدث خلاف لن ينتهي بينهم..

يا لها من "خوتة". و"الخوتة" لمن لا يعلم هي مشتقة من الجنون!