قضايا وآراء

صلاح الدين الأيوبي يعترف بتهمة الإرهاب!

1300x600
في الوقت الذي تتعامل فيه سلطة الانقلاب في مصر بانفتاح غير مسبوق على الآخر الأجنبي، لا سيما إذا كان هذا الآخر هو الكيان الصهيوني، نجدها تتعامل بجفاء وقطيعة مع كل ما هو إسلامي، بل اتهام ووصم كل إسلامي بالإرهابي عن طريق تلبيس الأمور وتشويه الحقائق بأساليب ملتوية وخادعة، الغرض منها تبرئة الإسلام -كما يقولون- بصفته ديانة من تهمة العنف والإرهاب وتنقية التراث من الأفكار المتخلفة الشاذة، أو هكذا تدّعي السلطة الحاكمة الآن.

ولم نسمع أو نرى ثمة إدانة تذكر أو استنكار لإرهاب الغرب المتصهين مادياً وفكرياً ومحاربته للإسلام والمسلمين حول العالم، وحروبه الصليبية على مدى قرون، واحتلاله لديار الإسلام عقودا طويلة، فضلا عن مذابحه النكراء بحق الأبرياء من المسلمين حتى الآن.

تحاول سلطة الانقلاب ترويج حقيقة لا تنطلي سوى على الأغبياء فقط، مفادها أن تنقية الدين الإسلامي من مضمونه هو الحصانة الوحيدة من تنامي ظاهرة العنف والسبيل الوحيد للخلاص من الإرهاب، وإن شئنا فلنقل تجفيف منابع الإسلام، عبر هدم التراث بلا تمييز بحجة التنقية، وتقديم دين آخر غير الذي ندين به، دين منزوع البركة والتأثير، دين لم ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم من السماء، ولم يدعُ له يوماً ما.

ففي كل خطابٍ أو حديثٍ لرأس السلطة الانقلابية، تجده دائماً يطنطن على أسطوانتين مشروختين، القاسم المشترك بينهما هو إدانة الإسلام بالعنف والتطرف، وتثبيت تهمة الإرهاب به، تماهيا مع سياسات الغرب العنصرية تجاه الإسلام والمسلمين، الأولى ضرورة تجديد الخطاب الديني، والمقصود تغيير الدين من الجذور، والثانية التأكيد على حتمية التحالف الدولي والإقليمي لمحاربة الإرهاب (الإسلامي بطبيعة الحال).

يدّعي بعض أتباع الجنرال عبد الفتاح السيسي وأنصاره أنه محرر القدس الجديد الذي جاء ممتطياً جواده، ليضرب كل صهيوني على أرض فلسطين، ليحرر القدس الشريف من أيادي الأعداء! وإذ بمحرر القدس الجديد يهيل التراب على صلاح الدين الأيوبي محرر القدس الحقيقي من أيدي الصليبيين الإرهابيين، والذي قامت وزارة التربية والتعليم بحذف درس عن سيرته، بالإضافة إلى القائد الإسلامي المحنك عقبة بن نافع فاتح أفريقيا ومحرر شمال أفريقيا من أيدي الروم والبربر،  بدعوى أن ما تحتويه هذه الدروس من أفكار تحث على العنف والتطرف، وتشير إلى مسميات مثل القتال وحرب العصابات وطرد الصليبيين، كما تقول حيثيات الحذف، أي أن صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع يحضان على الإسلام بتعبيرٍ أدق، لينشأ جيلٌ مسخٌ منقطع الصلة بدينه وتاريخه وهويته.

تتعهد سلطة الانقلاب للعالم الغربي الحر بإزالة كل ما من شأنه تعكير صفو العلاقة الحميمة بيننا وبينهم، وأسباب ذلك التعكير هي ثوابت الشريعة الإسلامية بالطبع، الداعية إلى الكراهية والعنف! وأن الدين الإسلامي ينبغي أن يكون حداثياً ليبرالياً يقبل بالمبدأ المسيحي (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)! 

وفي مقابل ذلك تنبطح تماماً أمام الحضارة الغربية المادية والصهيونية العالمية بالتنسيق والتطبيع والإعجاب والانبهار، وكأن حضارة الإسلام العظيمة وتراث وتاريخ المسلمين المشرف يستوجب منا المسلمين التبرؤ منه، والانسلاخ عن ماضينا العريق، إرضاءً للعدو، وتقديم مصر على أنها ليست جزءاً من هذه الحضارة الإسلامية وهذا الدين الحنيف، وكأننا نعتذر للغرب عن تحرير أوطاننا من نير احتلالهم، وصد حملاته الصليبية، واعترافاً منا بأنهم ليسوا معتدين أو محتلين لأراضينا، بل ضيوف أعزاء!

إن السلطة التي لا ترى في إسرائيل كيانا إرهابيا إجراميا، رغم جرائم الحرب التي ارتكبها في حق شعبه المصري في  1956 و1967 على أرض سيناء المنكوبة، فضلاً عن مجازره في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمستمرة حتى اللحظة بالتهويد والقتل والاعتقال والحصار والتجويع، بالرغم من تقديم المزيد والمزيد من التنازلات والجنوح للسلم بلا مقابل! لا ترى غضاضة أبداً في اعتبار القائد البطل صلاح الدين الأيوبي أحد عناصر جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، أو ربما أحد خلاياها النائمة في سياق الحالة التي تعيشها مصر الآن من اعتبار كل معارض لها إخوانياً ومن ثم إرهابياً.
  
كل ذلك يجعلنا نتساءل بسخرية مبكية إذا ما صدقنا في السابق أن الإخوان هم سبب سقوط الأندلس: هل كان صلاح الدين الأيوبي إخوانياً، رغم مرور قرون على وفاته؟!