قضايا وآراء

الترهل السياسي الفلسطيني .. إلى أين؟

1300x600
كثيرًا ما يتبادر إلى أذهاننا تساؤلٌ عن مستقبل الترهل السياسي في الحالة الفلسطينية، فالمؤسسات السياسية بشقيها "الرسمي والفصائلي"، التي تعاني من العجز وعدم الإنجاز والتباطؤ والتراخي، وكلها مفاتيح للضعف، تتغلغل فيها وفي ذات الوقت معاني الهيمنة والاحتكار والتفرد والإقصاء التي تؤدي بدورها إلى القوة.

الترهل الذي نخر بالجسد السياسي الفلسطيني، وامتد ليصل إلى المدني والاجتماعي، نتج عنه حالة من الإدارة النمطية الراكدة التي يمكن أن تتمتع بالكثير من الصفات إلّا تمتعها بصفتي الفاعلية والإنتاج.

في عالم الطب، يشخص رواده "الترهل المبكر" بأنه نوع من أنواع الترهل الجسدي الذي يصيب الصبية قبل دخولهم السن المؤهلة للإصابة بالمرض، وذلك نتيجة إصابتهم بداء السمنة، أو تقصيرهم بممارسة الرياضة، وهو ذاته الداء الذي أصاب المؤسسات السياسية الفلسطينية التي تعدّ فتيّةً مقارنة بأعمار قريناتها بالدول الأخرى.

وأينما كان الترهل في مؤسسة، كان الاضطراب والاسترخاء والفوضى والانتفاخ والتورم، وبالتالي كان استغلال النفوذ والمحسوبية والاحتيال والبيروقراطية الصفات الأساسية لعملها.

وبين الشعرة التي تفصل الضعف عن القوة داخل المؤسسات السياسية الفلسطينية، يُخطئ من يقول إن الضعف هو المشهد السائد في حالتها، فكيف بالضعف أن يكون، وقد وُجد في أضلاعه الهيمنة والإقصاء!، إلا أن الواقع وتفاصيله يؤكدان أن الإرادة -وهنا الحديث عن إرادة أهل الحل والعقد- تُقرر الركون إلى الضعف في أحيان، كما تقرر الاستناد إلى القوة في أحيان أخرى.

وقد يقول قائل: وكيف لقويٍ ذي سلطة ومَنَعَةٍ أن يكون ضعيفًا؟ إلا أن السائل يجد الإجابة حين يعلم أن صاحب القرار الذي بنى القوة واستخدمها، لم يكن ليوجدها إلا ليخلق حاجز الخوف بينه وبين من يريد ثنيه عن التباطؤ والتراخي متى شاء.

وحين الوقوف هُنيهةً عند فصائل العمل الوطني التي تعدّ عمادَ العمل السياسي الفلسطيني، التي تُمثل ما يمثله الواقع من انقسام بالمناهج والأيديولوجيا، فلا أتفق مع القول بأنه لا زال بالإمكان الإصلاح فيها، فالفصائل على الإطلاق ودون أي استثناء دخلت عهد اللاعودة في الترهل والفساد وإنْ بمستويات مختلفة.

ولو أتيح لأي مواطن الولوج إلى الأرصدة البنكية لأيٍ من قيادات العمل الوطني أو المسؤولين الفلسطينيين، لوجد الجواب عما نحاول الوصول إليه في هذا المقال، واستوعب كيف وصل الحال بنا إلى هذا الترهل، فقد أصبح ديمومة المال ومعه بقاء النفوذ هما الحاميان الأساسيان لعرين الكرسي والمنصب، وبالتالي المؤديان إلى الترهل.

وهنا، لا بد من التأكيد أن ما تلي لا يعدُ اتهامًا للقيادات الفلسطينية والمسؤولين بالنهب أو الانتفاع من المال العام، إلا أن الواقع هو الذي يتحدث عن نفسه، فغياب "من أين لك هذا" ونحن ما زلنا في طور التحرر من الاحتلال، هو المتسبب بما آل إليه الحال من الزيادة اللامعقولة بالثروة المالية للبعض.

 ولا يكون التغيير الداخلي بفصائل العمل الوطني ومؤسسات السلطة، إن أصرّ البعض على نهج الإصلاح فيها، إلا بهدم تراثها الإداري المتهالك، والاستغناء عن قياداتها واستبدالها بأخرى، وتغيير طريقة عملها وتفكيرها، وتفعيل نهج المساءلة الداخلية فيها، وهو ما يعني ولادة مؤسسات جديدة فعليًا، وإن حملت ذات الاسم القديم.

وطالما أن المنهج الثوري ذاك في التغيير لا يزال صعب المنال على الأرض، فأين السبيل إلى الحل إذن؟ يكمن بعض أركان الإجابة في بث الروح من جديد بمؤسسات المجتمع المدني التي تعدّ أكثر مرونة بعملها من الفصائل والمؤسسات الرسمية.

وتعدّ قوة مؤسسات المجتمع المدني واستقلاليتها، إن عملت بعيدًا عن حالة الاستقطاب السياسي الداخلي، مدخلًا مهما بالضغط من الخارج على السلطتين التشريعية والقضائية، فهي بفاعلية دورها يمكنها ضمان وجود نظام نزيه يحول دون العودة لتوفير فرص لإفلات الفاسدين من المساءلة كما حدث ويحدث وسيحدث مستقبلًا.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع