قضايا وآراء

اليوم الموعود.. أحداث مجلس الوزراء

1300x600
صفارات وإنذارات ملأت الميدان بعد صلاة الفجر مباشرة يوم السبت الموافق 16 كانون الأول/ ديسمبر 2011، نظراً لهجوم مجموعة من القوات المسلحة على اعتصام "مجلس الوزراء"، الذي تمت الدعوة له رفضاً لتعيين الدكتور "كمال الجنزوري" رئيساً للوزراء وإعلان منعه من الدخول إلى مقر المجلس.

لن أتطرق لما حدث في بداية الاشتباكات، فأنا كل علاقتي بها كانت من أجل العمل، ولكنني سأسرد إليكم ما حدث يوم السبت الذي أتذكر تفاصيله كاملة، وهنا سأسرد كل ما حدث دون تجميل أو حفاظ على الذوق العام، فأنا بداخلي حقد وكراهية ورغبة انتقامية لم تتغير منذ هذا اليوم ضد كافة أفراد القوات المسلحة بالكامل.

ولابد من يوم موعود، ترد فيه المظالم، أبيض على كل مظلوم، أسود على كل ظالم.. جاءني خبر عن طريق صديق لي، أيقظني بصوته وهو يصرخ "أنت نايم والأمن في الميدان"، فأسرعت وحصلت على معداتي الصحفية وتوجهت فوراً للميدان، فقمت بالتصوير وأخذ اللقطات المختلفة ومن ثم عدت مرة أخرى للجلوس على "المقهى"، وإرسال المحتوى الذى قمت بتصويره للعمل.

وبعد ساعات قليلة لم أحسبها ولم أشعر بالوقت، استقبلت مكالمة هاتفية من زوجة عمي لتأكيد توجهنا لزيارة عائلية ظهر هذا اليوم، وقمت بالتوجه لاستبدال ملابس العمل، وعدت للجلوس على المقهى مرة أخرى، وجاء مجموعة من أصدقائي، وجلسوا لوقت قصير وتحركنا جميعاً للتوجه نحو الميدان الذى كان به كر وفر بين الأمن والثوار.

توقفنا بين شارع طلعت حرب وباب اللوق، نراقب الموقف ونتحدث، واشتدت الأحداث والاشتباكات وعمليات الكر والفر بين الأمن والثوار، فتحدثت مع أصدقائي بأنني سأتوجه للتصوير مرة أخرى وأعود إليهم، فرفضوا ولكنني أصريت على ذلك. وبعد العديد من الكلمات الفكاهية تركتهم لأخذ لقطات فيديو وفوتوغرافيا للأحداث عن قرب، وبالفعل توقفت بين المتظاهرين والأمن، وعندما أقوم بتصوير المتظاهرين يقوم البعض بتهييج الشباب بأنني أصور لصالح الأمن، وعندما أقوم بتصوير الأمن الذي كان من القوات المسلحة، يهددونني بالسلاح والإشارات كإشارة الذبح أو الضرب.

سئمت من تلك المواقف وفضلت أن أذهب فى إحدى الجوانب للتصوير دون اعتراض من أي شخص كان، توجهت لشارع "يوسف الجندي" ووقفت في أول الشارع أصور يميناً ويساراً، وفجأة هجمت قوات الجيش على المتظاهرين بقوة، فتراجعت للخلف وهي البداية الحقيقية لرحلة 3 سنوات، لم تنته ولم أنساها ومازالت تؤثر في شخصيتي ونفسيتي، وأعلن دوماً أن الطاري في الصعيد لايمكن نسيانه إلا بعد 40 عاماً ولن أترك طاري مع من أهانوا كرامتي وقتلوا إنسانيتي.

في أثناء تراجعي للشارع الذى به حواجز مجلس الشعب وخلفها خير أجناد الأرض الجنود البواسل جنود الجيش المصرى، في أثناء ذلك لمحت فى أعلى المبنى الملحق لمجلس الشعب ضباطاً وعساكر يرتدون الزي الرسمي للقوات المسلحة، فوجهت نظرى كاملًاً إليهم، والتقط ثلاث صور لهم وهم يمسكون بــ "جراكن" بيضاء اللون، وقمت بتشغيل كاميرا الفيديو، وفور بدء التصوير جاء إلي شاب بزي مدني ونهرني لتصويري المبنى، فتحدثت معه على أنه "عملي"، فتحدث على أنني لابد من أن أستأذن الضابط المسؤول، فلم أمانع، فهذه قواتنا الباسلة التى تحمينا ولن تضرنا أبداً، مهما رأيت وصورت فى اليوم الذي يسبقه، ولكنني فوجئت أن خير جنود الأرض هم من يقتلوننا.

فور دخولي بوابة البرلمان التي كانت تحتلها قوات بزي عسكري تدعي وطنيتها، تم الاعتداء علي بالضرب المبرح والسب بأفظع الشتائم من جنود الجيش المصري، الذي من المفترض عليه حمايتنا، ولكنه حول دوره من الحماية إلى الإهانة القاسية، التي كادت تودي بحياتنا وأنهت كرامتنا وحولتنا إلى عدوانيين نسعى للانتقام من الجميع.

بعد وصلة ضرب كاملة وسباب ورد مني، تم تحويلي للمرحلة الثانية وتسليمي لمجموعة أخرى من الضباط والمجندين، قاموا بنفس الموقف والدماء تنزل من جسدي كله، وأنا لا أستطيع الوقوف على قدمي، وهكذا كل مجموعة تسلمنا لمجموعة أخرى، حتى وصولنا للسجن الحربي عن طريق سيارة ترحيلات، مكبلين بالغلال البلاستيكية البيضاء، متألمين ولا نشعر بما حولنا ولكننا كنا ندرك نوعاً ما الذى يحدث.

وصلنا إلى السجن الحربي مكبلين، وننزل من سيارة الترحيلات بصعوبة وبإهانة من البواسل العظام، وفور دخولنا تم الاعتداء على من في المقدمة، وأنقذنا القدر بحضور طبيب عسكري، صرخ في الجميع بتوقف الضرب، وقام بالكشف على الجميع والاطمئنان عليهم، وأخرج مجموعة من الشباب كنت أنا من ضمنهم للكشف المتقدم وبعد الكشف وبعض الأسئلة تم تحويلي إلى مستشفى كوبرى القبة العسكري لتأخر حالتي الصحية، وتم تحويلي للمستشفى عن طريق سيارة إسعاف تابعة لمن حاولوا قتلي، وتم استقبالي من البوابة بسيارة جولف، وتوجهي فورًا إلى غرفة وسط حراسة مشددة وليس بها أي شيء، وكنت أجلس على الأرض فى ظل البرد وعدم ارتدائي ملابس لتمزقها من قوة الضرب.

وبعد قليل، تم اصطحابي إلى غرفة الرنين المغناطيسي لبدء الكشف والقيام بما يرونه مناسباً لهم، وخرجت من الرنين إلى غرفة العمليات من أجل تقطيب رأسي وجسدي من الجروح التي أصابته، وتم احتجازي فى المستشفى، ومن ثم نقلنا لمستشفى سيد جلال أنا وبعض الزملاء، ثم العرض على النيابة التي أخلت سبيلنا بعد 8 أيام من القهر والذل والإهانة.

ثلاث سنوات على أحداث مجلس الوزراء ومازلت أحمل الضغينة ضد المجلس العسكري، ضد كل من شارك فى الاعتداء علي، ثلاث سنوات مرت وأنا متهم بالتخريب فقط لأنني كنت أؤدي واجبي، وأقوم بما يمليه علي ضميري، مرت هذه السنوات الثلاث ومازلت كل عام أقتل نفسي وأحبسها خوفاً من مردود فعلي غير محتسب فى كل ذكرى، فقد قتلت إنسانيتنا وأصابتنا الإهانة، ومازلت لم أسترد أياً منهما، بل أنا متهم بأنني من خربت ودمرت.

عفوًا أيها البواسل، ما زال الأمل قائماً، وما زال القطار سائراً منذ 40 عاماً.